السلام عليكم
حدثني صديق ونحن نجلس جلسة سمر
عن قصة حقيقية وطريفة حدثت في ثمانينيات القرن الفائت في اطراف الموصل حيث كان صاحبي يمتلك حقلا لتربية الاغنام (الربط) وكان يقضي اغلب الاوفات في حقله وقد نشأت بينه وبين القرية المجاورة علاقات طيبة وبخاصة قرية تسمى ( تيسخراب )
يقول صاحبي ان مديرية توزيع الكهرباء في حينها مدت ابراج للضغط العالي تمر من خلال المنطقة وتغذيها بالطاقة الكهربائية ايضا وبالطبع كانت الابراج مصنوعه من ربط حديد الزاوية بعضه ببعض
الامر الذي وجد فيه القرويون وخاصة الرعاة شيئا مغريا ليفتحوا بعض هذه القطع لاستخدامها كاسيجة او سقوف لمرابط حيواناتهم ( وسوف لن يلاحظ احد فقدان بعضها ) وهكذا تعلم احدهم من الاخر على اخذ بعض القطع واستخدامها
وحدث ذات يوم ان هبت عاصفة هوجاء مما ادت الى اسقاط مجموعه من الابراج وانقطاع التيار الكهربائي واستنفرت دائرة الكهرباء كوادرها وحققت في الموضوع واكتشفت ان الابراج انهارت بسبب فتح قسم من القطع الحديدية ( الزاوية الفولاذية ) وبعد التحري وجدوها في القرية المجاورة وتقدم مهندس الكهرباء بتقريره الى مديره وبدوره الى قائممقام الموصل
نظر القائممقام في الموضوع وقدر ان الحبس وبقية العقوبات لن تكون مجدية مع القرويين
خصوصا مع قلة الوعي ليهم فقرر ان يتخذ بحقهم عقوبة على طريقة ( المسك من الأيد الي توجعهم ) وكان هؤلاء مشهورين بالبخل وعدم اكرام الضيف
فاجتمع القائممقام بهم وهددهم باستخدام صلاحياته القانونية
التي ستؤدي بهم الى الحبس والغرامات اضافة لحرمانهم من الكهرباء ولكن وبعد ان توسلوه قرر ان تكون العقوبة هي اصلاح الابراج من قبل دائرة الكهرباء ويقوم القرويون بدفع التكاليف اضافة الى مستلزمات الضيافة للمهندسين والعمال وانتدب احد موظفي ناحية بعشيقة ( وكان معروفا عنه بانه قاسي ومتشدد ) ليشرف على تنفيذ الاتفاق وبخلافه سيتم اتخاذ الاجراءات القونية بحق اهالي القرية
وهكذا بدأ العمل الذي استغرق اكثر من اسبوع
وكان المشرف يرسل الى اهالي القرية في الصباح لتحضير الفطور ويحدد لهم ما هو وكان يطلب القيمر والعسل وبيض مقلي والقشطة المحلية واللبن اضافة الى قواري الشاي وكان القرويون يحاولون ارضاءه بشتى الوسائل فكانوا يدوسون على نفسهم وهم يضعون طعاما لم يكونوا هم يأكلوه في اسبوع كامل يضعونه في وجبة واحدة
مع انهم كانوا يمتلكون المئات من الاغنام والابقار وليسوا فقراء لكنهم اشتهروا بالبخل
وفي الغداء يحدد المراقب ان الغداء يجب ان يكون اربعة ذبائح من الغنم توضع في مناسف مع الرز والخبز وقبل انتهاء الدوام والعمل يرسل في طلب (عصرية) مؤلفة من الالبان والاجبان والبيض والخبز والشاي
وهكذا حتى انتهى العمل وقام اهالي القرية بجمع مبلغ نقدي عن ثمن المواد المصروفة في اعادة اعمار الابراج وكانت غرامة فادحة بالنسبة لهم وهم لم يتعودوا ان يصرفوا هكذا ببذخ
ومنذ ذلك اليوم يقوم اهالي القرية بمراقبة الابراج وحراستها من عبث العابثين متذكرين ومذكرين اولادهم بالمأساة التاريخية التي تشبه نكبة البرامكة بالنسبة لهم
ضحكت كثيرا وتعجبت من دهاء القائممقام وفطنته
تقبلوا تحياتي