هي النفس تأبى ان تذِلَّ وتُقهَرا |
ترَىَ الموتَ من صبرٍ على الضيم أيسَرا |
وتختارُ محموداً من الذِكرِ خالداً |
على العيش مذمومَ المغَبَة مُنكَرا |
مشى ابنُ عليٍ مِشيةَ الليث مُخدِراً |
تحدَّته في الغاب الذئابُ فاصحَرا |
وما كان كالمعطي قِياداً محاولاً |
على حينَ عضّ القيدُ أن يتحررا |
ولكنْ أنَوفا أبصَرَ الذُّلَّ فانثنى |
لأذيالهِ عن أن تُلاَُثَ مُشمِّرا |
تسامىَ سموَّ النجم يأبى لنفسه |
على رغبة الأدنَينَ أن تتحدَّرا |
وقد حلفتْ بيضُ الظُبا أن تنوَشه |
وسمرُ القَنا الخطيِّ أن تتكسَرا |
حدا الموتُ ظعنَ الهاشميينَ نابياً |
بهمْ عن مقرٍّ هاشميٍ مُنَفَّرا |
وغُيِّبَ عن بطحاء مكة أزهَرٌ |
أطلَّ على الطَف الحزينِ فأقمَرا |
وآذَنَ نورُ " البيت " عند برِحلة |
وغاصَ النَدى منه فجفَّ وأقفرا |
وطاف بأرجاء الجزيرة طائفٌ |
من الحزن يوحي خِيفةً وتطيُّرا |
ومرّ على وادي القُرى ظِلُّ عارضٍ |
من الشُؤْم لم يلبث بها أن تَمطَّرا |
وساءَلَ كلٌّ نفسَهُ عن ذُهوله |
أفي يقَظةٍ قد كانَ أم كان في كَرى |
وما انتفضوا إلا وركبُ ابنِ هاشمٍ |
عن الحج " يومَ الحج " يُعجله السُرى |
أبت سَورةُ الأعراب إلا وقيعةً |
بها انتكَصَ الإسلام رَجْعاً إلى الوَرَا |
وننُكِّسَ يومَ الطفّ تاريخُ أمة |
مشى قبلَها ذا صولةٍ متبخِترا |
فما كان سهلاً قبلَها أخذُ موثق |
على عَرَبيّ أن يقولَ فيغدِرا |
وما زالت الأضغانُ بابن أميَّةٍ |
تراجِعُ منه القَلبَ حتى تحجرا |
وحتى انبرى فاجتَثّ دوحةَ أحمدٍ |
مفرِّعةَ الاغصان وارفةَ الذرى |
وغطَّى على الأبصار حقدٌ فلم تكن |
لتَجهَدَ عينٌ أن تَمُدَّ وتُبصِرا |
وما كنتُ بالتفكير في أمر قتلهِ |
لازدادَ إلا دهشةً وتحيُّرا |
فما كان بين القوم تنصبٌّ كتبُهمُ |
عليه انصبابَ السيل لما تحدَّرا |
تكشَّفُ عن أيدٍ تُمَدُّ لبيعةٍ |
وأفئدَةٍ قد أوشكَت أن تَقَطَّرا |
وبينَ التخلَّي عنه شِلواً ممزَّقا |
سوى أن تجيءَ الماءَ خِمسٌ وتُصدِرا |
تولى يزيدٌ دَفَّةَ الحكم فانطوى |
على الجمر من قد كانَ بالحكم أجَدرا |
بنو هاشمٍ رهطُ النبيِّ وفيهُمُ |
ترَعرَع هذا الدينُ غَرساً فاثمَرا |
وما طال عهدٌ من رسالة أحَمدٍ |
وما زالَ عودُ الملك رّيانَ اخضَرا |
وفيهِمْ حسينٌ قِبلةُ الناس أصيدٌ |
إذا ما مَشَى والصِيدُ فاتَ وغبَّرا |
وغاض الزبيريين ان يبصِروا الفتَى |
قليلَ الحِجى فيهم أميراً مُؤمَّرا |
ففي كل دارٍ نَدوة وتجمُّعٌ |
لأمر يُهم القومَ أن يُتدَّبرا |
وقد بُثَّت الأرصادُ في كل وِجهةٍ |
تخوف منها ان تُسَرَّ وتُجهَرا |
وخَفُّوا لبيت المال يستنهضونَهُ |
وكان على فضِّ المشاكل أقدَرا |
وقد أدرك العُقْبى مَعاوي وانجلَتْ |
لعينيه أعقابُ الامور تَبصُرّا |
وقد كان أدرىَ بابنه وخصومِه |
وأدرى بانَ الصَيدَ أجمعُ في الفرا |
وكان يزيدٌ بالخمور وعصرِها |
من الحكم ملتَفَّ الوشائج أبصَرا |
وكانَ عليه أن يشُدَّ بعَزمه |
قُوَى الأمر منها أن يَجدَّ ويسْهَرا |
فشمَّر للأمرِ الجليلِ ولم يكن |
كثيراً على ما رامَه ان يشمِّرا |
ولكنَّه الشيءُ الذي لا معوِّض |
يعوِّضُ عنه إن تولَّى وأدبَرا |
وقلَّبها من كل وجه فسرَّه |
بأن راءَها مما توَّقع أيسَرا |
فريقينِ دينياً ضعيفاً ومُحنَقاً |
ينفِّسُ عنه المالُ ما الحِقد أوغرا |
وبينهما صِنفٌ هو الموتُ عينُهُ |
وان كانَ معدوداً أقلَّ وأنزَرا |
وماماتَ حتى بيَّن الحزمَ لابنه |
كتابٌ حوى رأساً حكيماً مفكرا |
وأبلَغَه أنْ قد تَتَبَّع جهدَه |
مواطنَ ضَعفِ الناقمين فخدَّرا |
وإن حسيناً عثرةٌ في طريقه |
فما اسطاعَ فليستغنِ ان يتعثَّرا |
وأوصاه شرّاً بالزبيريِّ منذرِا |
وأوصاه خيراً بالحسَين فأعذَرا |
لوَ ان ابن ميسونٍ أرادَ هدايةً |
ولكن غَوِيٌّ راقَهُ أن يُغرِّرا |
وراح " عبيدُ الله " يغتلُّ ضعفَه |
وصُحبَتهُ ، حتى امتطاه فسيَّرا |
نشا نشأةَ المستضعفينَ مرجيِّا |
من الدهر أن يُعطيه خَمراً وميسِرا |
وأن يتراءى قرده متقدِّماً |
يجيءُ على الفُرسان أم متأخِّرا |
وأغراه حُبّاً بالأخيطلِ شعرُهُ |
لو اسطاعَ نَصرانيةً لتنصَّرا |
وقد كان بين الحزنِ والبِشر وجهُه |
عشيّةَ وافاه البشيرُ فبشَّرا |
تردَّى على كره رداءَ خِلافةٍ |
ولم يُلقِ عنه بعدُ للخمرِ مِئزرا |
وشقَّ عليه أن يصوِّر نفسَه |
على غير ما قد عُوِّدَت أن تُصوَّرا |
وأن يُبتَلى بالأمرِ والنهيِ مُكرَها |
وان يَجمع الضِدَّين سُكراً ومِنبَرا |
إذا سَلِمت كأسٌ يُروِّحُ مُغبّقاً |
عليه بها الساقي ويغدو مبكِّرا |
وغنَّتهُ من شعر " الاخيطلِ " قَينَةٌ |
وطارَحَها فيها المُغنّي فأبهَرا |
فكلُّ أمور المسلمينَ بساعةٍ |
من المجلِسِ الزاهي تُباع وتُشتَرى |
وشاعَتْ له في مجلِس الخمر فَلْتَةٌ |
من الشِعر لم تَستَثْنِ بَعثا ومَحشَرا |
وقد كانَ سَهلاً عندَه أن يقولَها |
وقد كانَ سهلاً عنده أن يُكفَّرا |
على أنه بالرَغم من سَقَطاته |
وقد جاءه نَعيُ الحسين تأثَّرا |
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة |
بأُخرى ، ولما ثَابَ رشْدٌ تَحسَّرا |
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة |
زَوَت عنه ما لاقَى الحسين تأثَّرا |
فما كان إلا مثلَ قاطعِ كفِّة |
بأُخرى ، ولما ثابَ رشْدٌ تَحسَّرا |
وأحسَب لولا أنَّ بُعدَ مسافة |
زَوَت عنه ما لاقَى الحسينُ وما جرَىَ |
ولولا ذُحولٌ قدمت في معاشِرٍ |
تقاضَوا بها في الطَفِّ ديناً تأخَّرا |
لزُعزِع يومُ الطف عن مُستقَرِّه |
وغُيِّرَ من تاريخه فتَطَوَّرا |
أقول لأقوامٍ مضّوا في مُصابه |
يسومونه التحريفَ حتى تغيَّرا |
دعوا رَوعةَ التاريخ تأخذْ مَحَلَّها |
ولا تجهدوا آياتِه أن تُحوَّرا |
وخلوا لسانَ الدهر ينطقْ فإنّه |
بليغٌ إذا ما حاولَ النطقَ عَبَّرا
|