بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
إن هناك شروط يجب أن تتوفر في إتباع أهل البيت^ وعندما تتوفر مثل هذه الشروط فإن آثارها هي الأخرى تكون واضحة وفيما يلي طائفة منها:
1 ـ تنفيذ الأوامر
أن من ضرورات حب أهل البيت^ أن يلتزم المحب بأوامر حبيبه، ولهذا فإن على الشيعي الحقيقي أن يجعل من أئمة أهل البيت قدوته ومثاله.
ولهذا قال أهل البيت^: من أحبنا فليعمل بعملنا([1]).
وقال الصادق×:
>إنما شيعة جعفر مَنْ عفَّ بطنه وفرجه، وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه .. ([2]).
2 ـ التولي:
يقول إمام العاشقين ومصباح العارفين مولى المتقين علي أمير المؤمنين:
>... فإن كان يُحبُّ ولينا فليس بمبغض لنا، وإنْ كان يُبغض وليّنا فليس بمُحبّ لنا<([3]).
وقال الإمام الصادق×:
>من تولّى مُحبّنا فقد أحبنا<([4]).
3 ـ التبرّي: ومن ضرورات الحب لأهل البيت^ هو البراءة من أعدائهم وهم أعداء الإنسانية:
يقول الإمام علي×:
>فمن أحب أن يعلم حاله في حبنا فليمتحن قلبه، فإن وجد فيه حب من ألّب علينا، فليعلم أن الله عدوّه وجبرئيل وميكائيل، والله عدوّ للكافرين<([5]).
وقال× أيضاً:
>فإنْ شاركه في حُبنا عدوّنا، فليس منّا ولسنا منه<([6]).
4 ـ البلاء والمصيبة:
البلاء امتحان صعب يصقل النفوس القوية ويزيدها جلاءً فالتحديات والمصاعب التي تواجه الإنسان تزيده صلابة وقوّة وتشحذ همّته وصدق من قال:
الصربة التي لا تقصم الظهر تقويه.
وانظر إلى المسمار كيف يزداد ثباتاً ورسوخاً تحت ضربات المطرقة.
قال رسول الله’ يوصي أبا سعيد الخدري وقد جاءه يشكو من الفقر وضيق ذات اليد يقول’ :
>اصبر يا سعيد، فإنّ الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل على أعلى الوادي، ومن أعلى الجبل إلى أسفله<([7]).
وعندما قال له أبو ذر أنني أحب أهل البيت قال له’:
> الله الله، فاعدّ للفقر تجفافاً، فإنّ الفقر أسرع إلى من يحبنا من السيل من أعلى الأكمة إلى أسفلها<([8]).
الإمتحان الصعب
جاء في الأخبار أن رسول الله’ خرج من بيته فرآه أحد الصحابة من الأنصار.
قال الأنصاري وقد رأى في وجه النبي شيئاً.
ـ فداك أبي وأمي يا رسول الله أني لأرى في وجهك أثراً نظر النبي إلى صاحبه وقال:
ـ الجوع.
فانطلق الرجل إلى بيته علّه يجد شيئاً لكن دون جدوى، فانطلق إلى بني قريظة وراح يستخرج من آبارهم الماء عن كل دلو تمرة وجاء أدهم يحمل التمر إلى رسول الله فقدمه إليه فقال النبي’:
ـ من أين لك هذا التمر؟.
فاخبره الأنصاري بما جرى.
فقال النبي’:
ـ أني لأظنك تحب الله ورسوله.
فقال الأنصاري:
ـ أجل والذي بعثك بالحق لأنت أحب إليَّ من نفسي وولدي وأهلي ومالي.
فقال النبي’:
ـ إذن فلتستعد للفقر والبلاء والذي بعثني بالحق أن الفقر والبلاء أسرع إلى من أحبني من السيل من أعلى الجبل إلى الوادي<([9]).
وقال الإمام علي أمير المؤمنين×:
من أحبنا أهل البيت فليستعد عدّة للبلاء<([10]).
5 ـ حب متبادل:
وينبغي أن يكون حب آل البيت حقيقياً ثابتاً فريداً وأن يكون أحب شيء للإنسان بعد الله عزّ وجلّ، بل أن حبهم من حب الله تعالى ولهذا فإنّهم^ يحبون من أخلص في حبّه.
وقد جاء عن الإمام الصادق× أنه رأى والده الباقر× يمرّ بجماعات الناس في مسجد النبي’ ثم يقف على بعضها ويقول: >إني والله أحب ريحكم وأرواحكم<([11]).
ورأى الإمام الصادق× رجلاً من أهل خراسان فقال له:
ـ لم تستخف بنا (أهل البيت).
قال الخراساني:
أعوذ بالله من ذلك.
قال الإمام×:
ـ ألم يقل لك فلان احملني مقدار ميل ولم تحمله وقد استخففت به .. وان من استخف بمؤمن فقد استخف بنا ولم يرع حرمة لله عز وجل<([12]).
6 ـ الحب والفرح:
إن اللحظات الأخيرة من الحياة عندما يقف الإنسان على أعتاب الرحيل نحو الأبدية هي من أصعب اللحظات.
أنه يودع الدنيا وقد أصبح رهن أعماله وما زرعه في دار الدنيا وهو دار عمل بلا حساب ليخطو إلى عالم الآخرة وهو عالم حساب ولا عمل، وهنا تتجلى قيمة الحب .. حب آل البيت^.
كيف يموت الشيعي
في لقاء بين عبدالله بن الوليد والإمام الصادق× (في عهد مروان بن الحكم) سأل الإمام الرجل من أبن فقال: من أهل الكوفة.
فقال الإمام: إن أهل الكوفة أكثر الناس حباً لنا.
ثم قال: إن الله هداكم إلى ما أضلّه الناس، وفقد واليتمونا وعادانا الناس، واتبعتمونا وخالفنا الناس جعل الله حياتكم و موتكم كحياتنا ومماتنا ثم قال:
>ما بين أحدكم وبين أن يرى ما يُقرّ الله به عينه (يفرحه) وأن يغتبط إلاّ أن تبلغ نفسه هذه وأهوى (أشار) بيده إلى حلقه<([13]).
قال رسول الله’: لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة، لا يتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له.
وذلك أن ملك الموت يرد على المؤمن وهو في شدّة علّة، وعظيم ضيق صدره، بما يخلّف من أ مواله، ولما هو عليه من اضطراب أحواله في معامليه وعياله، وقد بقيت في نفسه مرارتها وحسراتها، واقتطع دون أمانيّه فلم ينلها، فيقول له ملك الموت: مالك تجرع غصصك؟ قال: لإضطراب أحوالي واقتطاعك لي دون آمالي، فيقول له ملك الموت: وهل يحزن عاقل من فقد درهم زائف واعتياض ألف ألف ضعف الدنيا؟ فيقول: لا، فيقول ملك الموت: فانظر فوقك، فينظر فيرى درجات الجنّة وقصورها التي يقصر دونها الأمانيّ، فيقول ملك الموت: تلك منازلك ونعمك وأموالك وأهلك وعيالك، ومن كان من أهلك ههنا وذرّيتك صالحاً فهم هناك معك، أفترضى به بدلاً ممّا هناك؟ فيقول: بلى والله.
ثمّ يقول: انظر فينظر فيرى محمداً وعلياً والطيبين من آلهما في أعلى علّيين، فيقول: أوتراهم؟ هؤلاء ساداتك وأئمتك، هم هناك جلاّسك وآناسك، أفما ترضى بهم بدلاً ممن تفارق ههنا؟ فيقول: بلى وربي، فذلك ما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا} فما أمامكم من الأهوال كفيتموها، ولا تحزنوا على ما تخلفونه من الذراريّ والعيال، فهذا الذي شاهدتموه في الجنان بدلاً منهم، وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون هذه منازلكم وهؤلاء ساداتكم آناسكم وجلاّسكم.
عن كليب الأسدي، قال: قلت لأبي عبدالله الصادق×: جعلني الله فداك، بلغنا عنك حديث، قال: وما هو؟ قلت: قولك: إنّما يغتبط صاحب هذا الأمر إذا كان في هذه ـ وأومأت بيدك إلى حلقك ـ فقال: نعم، إنّما يغتبط صاحب هذا الأمر إذا كان في هذه ـ وأمأ إلى حلقه ـ أمّا ما كان يتخوّف من الدنيا فقد ولّى عنه وأمامه رسول الله’ وعلي والحسن والحسين، صلوات الله عليهم.
وعن أيوب قال: سمعت أبا عبدالله الصادق× يقول: إن أشدّ ما يكون عدوكم كراهية لهذا الأمر حين تبلغ نفسه هذه ـ وأومأ بيده إلى حنجرته ـ ثمّ قال: إنّ رجلاً من آل عثمان كان سبّابة لعلي× فحدّثتني مولاةٌ له كانت تأتينا قالت: لمّا احتضر قال: مالي ولهم؟ قلت: جعلني الله فداك ما له قال هذا؟ فقال: لما أري من العذاب، أما سمعت قول الله تبارك وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}؟
هيهات هيهات: لا والله، حتى يكون ثبات الشيء في القلب وإن صلّى وصام.
عن عبدالرحمن قال: قال أبو جعفر الباقر×: >إنّما أحدكم حين يبلغ نفسه ههنا ينزل عليه ملك الموت فيقول: أمّا ما كنت ترجو فقد أُعطيته، وأمّا كنت تخافه فقد أمنت منه، ويفتح له باب إلى منزله من الجنّة، ويقال له: انظر إلى مسكنك.
وهذه الآية الكريمة صريحة في نزول الملائكة تبشر المؤمنين المخلصين قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ* نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآْخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ* نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ }
ولما توفي أبو ذر منفياً وحيداً في الربذة وفي اللحظات الأخيرة من حياته سمعته ابنته يقول:
>إليه السلام هو السلام به السلام منه السلام< فسألته من تحيي يا أبتي؟
قال: ملك الموت جاءني يقول:
>إن الله أمرني أن أقرئك منه السلام قبل أقبض روحك {سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}([14]).
وعن سدير الصيرفي قال: قلت لأبي عبدالله (الصادق×): جعلت فداك يا بن رسول الله هل يُكره (يُجبر) على قبض روحه؟
قال: لا والله أنه إذا أتاه ملك الموت لقبض روحه جزع عند؛ ذلك فيقول له ملك الموت: يا وليّ الله لا تجزع، فوالذي بعث محمداً’ لأنا أبرّ بك وأشفق عليك من والد رحيم لو حضرك، أفتح عينيك فانظر! قال: ويمثّل له رسول الله’ وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة رفقاؤك.
قال فيفتح عينيه فينظر فينادي روحه مناد من قبل رب العزة فيقول: يا أيتها النفس المطمئنة إلى محمد وأهل بيته أرجعي إلى ربك راضية بالولاية مرضيّة بالثواب فإدخلي عبادي ـ يعني محمداً وآل بيته ـ وأدخلي جنتي، فما من شيء أحب إليه من استلال روحه واللحوق بالمنادي([15]).
لقاء مع أبي عبد الله الحسين
وكان رجل مؤمن يدعى حاج غلام علي قندي دعاني إلى بيته ذات يوم وأراني غرفة قال أنها كنت مدّة مديدة يسكنها نظام الرشتي، (من خطباء المنبر الحسيني)، وقد توفيت زوجته فعاش في هذه الغرفة مع أبنته، وكان إذا ارتقى المنبر وذكر مصائب آل البيت بكى بكاءً لا يبكي أحد مثله.
وفي أخريات حياته كان يتوضأ في هذه الغرفة فدعا ابنته وقال: أجلسي وضعي يدك في يدي فإن ضغطت على يدك فانهضيني لأن سيدي أبا عبدالله الحسين سيحضرني وأنا أريد أن أنهض له احتراماً تقول ابنته لما وضعت يدي في يده ومرّ وقت أحسست به يضغط على يدي فأنهضته فإذا به يقول السلام عليك يا أبا عبدالله ثم ابتسم وأسلم الروح.
-------------------
([1]) تحف العقول: 104؛ الخصال: 2/ 614؛ غرر الحكم: 117، ح 2045؛ بحار الأنوار: 67/306 باب 57 ح30.
([2]) صفات الشيعة: 11؛ الخصال: 1/حديث 63؛ وسائل الشيعة: 15/251، باب 22، حديث 20425.
([3]) الأمالي، المفيد: 334، المجلس التاسع والثلاثون، حديث 4، الأمالي، الطوسي: 113، المجلس الرابع، حديث 172.
([4]) المقنعة: 485، باب 37؛ بحار الأنوار: 97/124، باب 2، حديث 34.
([5]) الأمالي للطوسي: 148، المجلس الخامس، حديث 243؛ كشف الغمة: 1/385؛ بحار الأنوار: 27/83، باب 4، حديث 24.
([6]) تفسير القمي: 2/171؛ بحار الأنوار: 27/51، باب 1، حديث 1.
([7]) مسند أحمد بن حنبل: 4/85.
([8]) المستدرك على الصحيحين: 4/367.
([9]) أسد الغابة: 4/294.
([10]) الغارات: 2/401؛ شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 4/105؛ بحار الأنوار: 39/295، باب 87.
([11]) الأمالي للطوسي: 722 ح1522؛ إرشاد القلوب: 1/101 مجموعة ورام: 2/90.
([12]) الكافي: 8/89 ح73.
([13]) الكافي: 8/81 وصية النبي’ لأمير المؤمنين× ح38.
([14]) سورة يس: الآية 58.
([15]) بحار الأنوار: 6/196 ح49.