بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
.
يا نفس!.. قد أشرفت على الهلاك وحل بك الإرتباك [ارتبك في الوحل سقط فيه وفي الامر وقع فيه ولم يكد يتخلص منه]..دان فوتك واقترب موتك، عجباً لك كيف تعمين عن هذه الأمور ولا تحسين عواقب يوم النشور، وقد قيل: من تدبر العواقب أمن من المعاطب، وكيف تبيعين ما يبقى أبد الآبدين بما لا يبقى إلا عدد سنين، أما تعلمين ان الموت ميعادك والتراب في القبر وسادك، والدود يأكل لحم خديك وانسان عينينك والفزع الأكبر بين يديك، أما تعلمين أن الأموات يتمنون الرجعة إلى هذه الدار ليشغلوا بتدارك تكفير الأوزار، ولو قدروا من يوم من عمرك أو ساعة من دهرك لاشتروا ذلك بأغلى الاثمان ومعادن العقيان [العقيان : الذهب الخالص].. وأنت الآن في أمنيتهم لا في منيتهم وفي مقامتهم لا في قيامتهم، أما تستحيين بتزيين ظاهرك للعوالم وتبارزين الله في السر بالعظائم [يا عيسى!.. قل لظلمة بني اسرائيل غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم أبي تغترون أم علي تجترؤون، تطيبون بالطيب لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة كأنكم أقوام ميتون (روضة الكافي) ]..وكيف تأمرين بالخير الداني والقاصي وأنت ملطخة بالمعاصي، تدعين إلى اللين وأنت قاسية وتذكرين بالله وأنت له ناسية؟!..
يا نفس!.. ألا تنظرين إلى الذين مضوا نظرة أما لك بهم عبرة، كيف أصبح جمعهم بورا وأملهم غروروا، وخلفوا فرادى في أضيق المضاجع وصرعتهم المنايا في أعجب المصارع، وذهبت الشهوات وبقيت التبعات.
يا نفسُ!.. كيف يفرح بصحبة الدنيا صدرك وكيف يلتئم في غمراتها أمرك وقد دعاك باقتراب الأجل قبرك .
يا نفسُ!.. قد خفقت [اخفق الطائر: ضرب بجناحية]فوق رأسك أجنحة الموت، ودمعتك من قريب أعين القرت[القرت: الجَمَد والمعنى ان دموعك عن قريب يجمد ولا يخفى ما في العبارة. ولعل ان (الفوت) أصح]..وأهملي عبراتك إذا ذكرت عثراتك [فاهملي ظ: في حديث طويل منقول في كتاب اسرار الصلاة للعالم الفقيد المرحوم الحاج ميرزا جواد آغا الملكي التبريزي تغمده الله برحمته وحشره مت اوليائه وسادته وايانا:فاذا وقف بهم (أي العاصين من أمة محمد صلى الله عليه وآله) على شفير جهنم ونظروا إلى النار والى الزبانية فقالوا يا مالك ائذن لنا نبكي على انفسنا فيبكون الدموع حتى لم يبق لهم الدموع فيبكون دما فيقول مالك ما أحسن هذا لو كان في الدنيا لو كان هذا البكاء في الدنيا من خشية الله ما مسكم النار اليوم .(الحديث)] .
يا نفسُ!.. حتام إلى الحياة سكونك وعمارتها إلى الدنيا ركونك [هذه الفقرة مأخوذة من ندبة السجاد عليه السلام وفيها: والى الدنيا وعمارتها ركونك]..أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك، ومن وارته الأرض من أُلافك، ومن فجعت به من اخوانك، ونقلت إلى دار البلى من أقرانك .
فهم في بطون الأرض بعد ظهورها
محاسنهمْ فيها بوالٍ دواثرُ
خلت دورهمْ منهمْ وأقوت عِراصهمْ
وساقتهم نحو المنايا المقادرُ
وخلّوا عن الدنيا وما جمعوا لها
وضمتهمُ تحت التراب الحفائرُ
وحلوا بدارٍ لا تزاور بينهمْ
وأنى لسكانِ القبورِ التزاورُ
فكيف أنت يا نفسُ في هذه الحالة وأنت صائرة إليها لا محالة، أم كيف تتهنأين بحياتك وهي مطيتك إلى مماتك، أم كيف تسبغين[سبغ العيش : اتسع وكان رغدا] طعامك وأنت تنتظرين حمامك،وهل يحرص على الدنيا لبيب ويسر بلذاتها اريب[الأريب : أي البصير] وهو على ثقة من فنائها وغير طامع في بقائها، أم كيف تنام عين من يخشى البيات أو تسكن نفس من يتوقع الممات .
يا نفسُ!.. أراك تفرحين كل يوم بزيادة مالك ولا تحزنين لنقصان عمرك وصالح أعمالك ولا ينفع مالٌ زِيدَ وعُمْر ينقص [جاء رجل إلى علي بن الحسين عليه السلام يشكو حاله فقال:مسكين ابن آدم له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا: الأولى: فاليوم الذي ينقص من عمره قال: وان ناله نقصان في ماله اغتم به والدرهم يخلف عنه، والعمر لا يرده شيء. والثانية: انه يستوفي رزقه، فان كان حلالا حوسب عليه وان كان حراما عوقب، قال:والثالثة: أعظم من ذلك قيل: وما هي؟ قال: ما من يوم إلا وقد دنى من الآخرة مرحلة لا يدري على الجنة أم على النار]..وهم يدوم ونعيم يخلص، حياتك أنفاس تعد وكلما مضى نفس منها أنتقصت به جزءاً، فأعدي ايتها النفس اللوامة يوم الحسرة والندامة للسؤال جوابا وللجواب صوابا، واحذري ناراً قعرها بعيد وحرها شديد وعذابها جديد وحَلقها حديد، وإذا قيل لها هل امتلأتِ تقول هل من مزيد