حدثنا ابو الطماح عن المسافر السياح قال جمعتني الاقدار وانا أتجول في الامصار واعاني مشقة الاسفار بشيخ منحني الوسط ابيض اللون صقيل العارضين يعلوه البريق واللمعان حاد الطبع طويل القامة تلوح عليه آثار الشجاعة والشهامة مرهوب الجانب ناصر للصاحب قد لبس ثوبا غطى جميع جسده ولم يظهر منه سوى ما يقبض القابض بيده وله ذؤابتان طويلتان وغلى جانبه شاب رقيق الحاشية نحيف البدن معتدل القامه قصيرها أسمر اللون اسود الرأس في رأسه شق كأنما شق بسكين تلوح عليه آثار اللطف والأدب فسألت عن الشيخ فقيل لي هو السيف وسالت عن الشاب بجانبه فقيل هو القلم ‘ ثم إن القلم إلتفت الى السيف قائلاً.
(القلم)
حياك الله بالسلام ايها البطل المقدام.
(السيف)
وأنت حييت بأحسن التحيات يا معدن الكمالات .
(القلم)
من أنت يا ذا الصولة والاقدام.؟
(السيف)
أنا السيف الملقب بالصمصام المدعو بالحسام المعروف بالمهند الموصوف بالمرهف والماضي المنعوت باليماني والهنداوي والصارم والابيض ومن أنت؟
(القلم)
أنا القلم وأعرف باليراع وألقب بالمزبر ثم انشد .
قلم به ظفر العدو مقلم ** وهو الامان لما يخاف ويرهب
(السيف)
وما هذه التي معك؟
(القلم)
هذه رفيقتي الدواة ولست مفارقها الى الممات وأنت ما هذا المحتوي عليك ؟
(السيف)
هذا هو غمدي لا أسكنه الا وحدي ؟
(القلم)
وما هذه الحمرة التي تعلوك مع انك منعوت بالبياض.؟
(السيف)
هذه حمرة دم الابطال الذي شربته في مواقف النزال ومعامع القتال وانت ما السواد الذي يعلوك؟
(القلم)
هذه بقية المداد مما كتبته في اصلاح امر العباد والبلاد وابانة طريق الرشاد وأنشد:
مداد مثل خافية الغراب ** وخط مثل وشم يد الكعاب
(السيف)
قد بلغني انك تفخر علي بما اوتيت من سحر البيان وفصاحة اللسان وبلاغة الكلام.
(القلم)
أجل أولا يحق لي الافتخار بما ذكرت من جميل الصفات وقد قيل : كلام الفصحاء جنود مجندة وأقلامهم سيوف مهندة وقال بعض الكتاب :
إذا التقينا وانتضينا صوارما ** يكاد يصم السامعين صريرها
تساقط في القرطاس منها بدائع ** كمثل اللئالي نظمها ونثيرها
(السيف)
كلا وهل تنفع الاقوال بغير الافعال وهل تجدي لقلقة اللسان والقلب جبان فأنت القوال واناالفعال،ثم أنشد:
نصحتك فالتمس ياويك غيري** طعاماً إن لحمي كان مرا
(القلم)
قد تراك الخداع من كشف القناع أحق ماتقول إن لك الافعال ولي الاقوال وكم هزمت بأقوالي الجيوش التي عجزت أنت عن مكافحتها وفتحت الحصون التي لم تستطيع فتحها،واستعملت القلوب التي نفرتها وميزت بأقوالي بين الحق والباطل، فيما لم تستطيع أنت إليه سبيلا كماقال الشاعر :
قلم يفل الجيش وهو عرمرم ** والبيض ما سلت من الأغماد وهبت له الأجام حين نشابها ** كرم السيول وصولة الاساد
وكان يقال : القلم يمج السم والعسل ثم أنشد:
وعريان من خلعة مكتس** يميس من الوشي في يلمق
فكم من أسير له مطلق ** وكم من طليق له موثق
يقيم ويوطن غرب البلاد** وينهى ويأمر بالمشرق
(السيف)
كفاني فخرأ ان حملتني اليد الشريفة النبوية ولم تحملك أعملتني ولم تعملك .
(القلم)
ان حملتك اليد الشريفة النبوية ولم تحملني فليس ذلك لنقص في وفضل فيك بل لحكمة اقتضت ذلك وكان له (صلى الله عليه وآله وسلم)جماعة من الكتاب يكتبون بي له الرسائل والوحي الالهي فما فاتني شيء من شرف مجلسه السامي وانفردت عنك بما تشرفت به رقم كتاب ربي واسم رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) وحسبي شرفأ وفخرا ان الله تعالى أقسم بي في كتابة العزيز ولا يقسم العظيم الا بعظيم من خلقه،وامتن على عباده بأنه الأكرم الذي علم بالقلم ثم ابتدأ يقرأ بعد ما استعاذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم((ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)) (( إقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) - العلق - ))
ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) جف القلم بما هو كائن فأنا الذي أثبت الأشياء في اللوح المحفوظ قبل خلقها عن أمر ربي وفي الحديث أن أول ما خلق الله القلم من مات وميراثه المحابر والأقلام دخل الجنه
( وكان ) يقال عقول الرجال تحت أسنه أقلامهم ثم أنشد قول أبي الفتح البستي:
اذا افتخر الأبطال يوما بسيفهم ** وعدوه مما يكسب المجد والكرم
كفى قلم الكتاب فخرأ ورفعة **مدى الدهر ان الله أقسم بالقلـــــم
وقال الشاعر العاملي الشيخ محمد حسين شمس الدين رحمة الله تعالى :
حسب اليراع فخاراً غير مكتتم** تخصيصه في كتاب الله بالقسم
فضل اليراع على البيض الصفاح لدى الانام أشهر من نار على علم
ما علم الله بالصمصام من أحد** لكنه علم الانسان بالقلم
من أين للشيب فخراً كالشاب وهل** يقاس معتدل بالاحدب الهرم
وكيف يسمو على ذي منطق ذرب **به تحدى الورى ذو منطق بكم
رد مع اقتباس
