ضغطة القبر
بقلم المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري(دام ظله)
إنّ ضغطة القبر هي أوّل شدّة من شدائد البرزخ على ما يبدو من بعض الأخبار، ففي الحديث عن الصادق عن أبائه عن رسول الله : «ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم».
وفي حديث آخر: «إنّه ليس من مؤمن إلاّ وله ضمّة».
وفي حديث آخر عن عبدالله بن سنان عن الصادق «قال: اُتي رسول الله فقيل له: إنّ سعد بن معاذ قد مات. فقام رسول الله وقام أصحابه معه، فأمر بغُسل سعد وهو قائم على عضادة الباب، فلمّا أن حنّط وكفّن وحمل على سريره تبعه رسول الله بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة حتى انتهى به إلى القبر، فنزل رسول الله حتى لحّده وسوّى اللبن عليه وجعل يقول: ناولوني حجراً، ناولوني تراباً رطباً يسدّ به ما بين اللبن، فلمّا أن فرغ وحثا التراب عليه وسوّى قبره قال رسول الله : إنّي لأعلم أنّه سيبلى ويصل البلى إليه، ولكن الله يحبّ عبداً إذا عمل عملاً أحكمه. فلمّا أن سوّى التربة عليه قالت اُمّ سعد: يا سعد، هنيئاً لك الجنّة! فقال رسول الله : يا اُمّ سعد، مَهْ لا تجزمي على ربّك! فإنّ سعداً قد أصابته ضمّة.
قال: فرجع رسول الله ورجع الناس فقالوا له: يا رسول الله، لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد، إنّك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء. فقال : إنّ الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء فتأسّيت بها. قالوا: وكنت تأخذ يمنة السرير مرّة ويسرة السرير مرّة. قال: كانت يدي في يد جبرئيل آخذ حيث يأخذ. قالوا: أمرت بغسله وصلّيت على جنازته ولحّدته في قبره ثم قلت: إنّ سعداً قد أصابته ضمّة! قال: فقال : نعم إنّه كان في خلقه مع أهله سوء».
وفي حديث آخر عن أبي بصير قال: «قلت لأبي عبدالله : أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال: فقال: نعوذ بالله منها، ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر! إنّ رقيّة لمّا قتلها عثمان وقف رسول الله على قبرها فرفع رأسه إلى السماء، فدمعت عيناه وقال للناس: إنّي ذكرت هذه وما لقيت فرققت لها واستوهبتها من ضمّة القبر. قال: فقال: اللهمّ هب لي رقيّة من ضمّة القبر. فوهبها الله له...».
وفي صحيحة يونس قال: سألته عن المصلوب يعذّب عذاب القبر؟ قال: فقال: «نعم إنّ الله عزّ وجلّ يأمر الهواء أن يضغطه».
وهناك روايات كثيرة تبيّن اُموراً تقتضي رفع ضمّة القبر عن الميت من قبيل:
1 ـ ما ورد عن الصادق : «من مات ما بين زوال الشمس يوم الخميس إلى زوال الشمس من يوم الجمعة أعاذه الله تعالى من ضغطة القبر».
2 ـ ما ورد عن أمير المؤمنين : «من قرأ سورة النساء في كلّ جمعة أمن ضغطة القبر».
3 ـ ما ورد عن الصادق : «من قرأ (ن والقلم) في فريضة أو نافلة أعاذه الله إذا مات من ضمّة القبر».
4 ـ ما ورد في صحيحة منصور بن حازم: «من حجّ أربع حجج لم تصبه ضغطة القبر أبداً».
وقال المرحوم الشيخ عبّاس القمي في سفينة البحار في مادّة النجف: «من خواصّ تربته إسقاط عذاب القبر، وترك محاسبة منكر ونكير للمدفون هناك كما وردت به الأخبار الصحيحة عن أهل البيت ».
قال : «وروي عن القاضي بن بدر الهمداني الكوفي ـ وكان رجلاً صالحاً ـ قال: كنت في جامع الكوفة ذات ليلة، وكانت ليلة مطيرة، فدقّ باب مسلم جماعة ففتح لهم، وذكر بعضهم أنّ معهم جنازة فأدخلوها وجعلوها على الصفّة التي تجاه مسلم بن عقيل ، ثم إنّ أحدهم نعس فرأى في منامه قائلاً يقول لآخر: ما تبعثر حتى نبصر هل لنا معه حساب؟ وينبغي أن نأخذه منه عَجَلاً قبل أن يتعدّى الرصافة فما يبقى لنا معه طريق. فانتبه وحكى لهم المنام فقال: خذوه عَجَلاً. فأخذوه ومضوا به في الحال إلى المشهد الشريف».
وورد بشأن المؤمن بمذهب أهل البيت عن الصادق : «إذا حيل بينه وبين الكلام أتاه رسول الله ومن شاء الله .فجلس رسول الله عن يمينه
والآخر عن يساره، فيقول له رسول الله : أمّا ما كنت ترجو فهو ذا أمامك، وأمّا ما كنت تخاف منه فقد أمنت منه. ثم يُفتح له باب إلى الجنّة فيقول: هذا منزلك من الجنّة، فإن شئت رددناك إلى الدنيا ولك فيها ذهب وفضّة. فيقول: لا حاجة لي في الدنيا. فعند ذلك يبيضّ لونه ويرشح جبينه و...، فإذا خرجت النفس من الجسد فيعرض عليها كما عرض عليها وهي في الجسد، فتختار الآخرة، فتغسّله في من يغسّله وتقلّبه في من يقلّبه، فإذا اُدرج في أكفانه ووضع على سريره خرجت روحه تمشي بين أيدي القوم قُدُماً، وتلقاه أرواح المؤمنين يسلّمون عليه ويبشّرونه بما أعدّ الله له جلّ ثناؤه من النعيم، فإذا وضع في قبره رُدّ إليه الروح إلى وَرِكَيه ثم يسأل عمّا يعلم، فإذا جاء بما يعلم فتح له ذلك الباب الذي أراه رسول الله ، فيدخل عليه من نورها وضوئها وبردها وطيب ريحها».
قال قلت: جعلت فداك فأين ضغطة القبر؟ فقال: «هيهات ما على المؤمنين منها شيء، والله إنّ هذه الأرض لتفتخر على هذه فتقول: وطأ على ظهري مؤمن ولم يطأ على ظهرك مؤمن. وتقول له الأرض: والله لقد كنت اُحبّك وأنت تمشي على ظهري، فأمّا إذا وُلّيتك فستعلم ما أصنع بك فتفسح له مدّ بصره».