في الساعات الأخيرة من حياتها حان لها أن تكاشف زوجها بما أضمرته في صدرها ـ طيلة هذه المدّة ـ من الوصايا التي يجب تنفيذها .

فقالت ( عليها السلام ) لعلي ( عليه السلام ) : ( يا بن عمّ ، إنّه قد نُعيت إليَّ نفسي ، وإنّني لا أرى ما بي إلاّ أنّني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة ، وأنا أُوصيك بأشياء في قلبي ) .

قال لها الإمام علي ( عليه السلام ) : ( أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله ) ، فجلس عند رأسها ، وأخرج من كان في البيت ، فقالت ( عليها السلام ) : ( يا بن عمّ ، ما عهدتني كاذبة ، ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني ) ؟

فقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( معاذ الله أنتِ أعلم بالله ، وأبرّ وأتقى وأكرم ، وأشدّ خوفاً من الله من أن أُوبّخكِ بمخالفتي ، وقد عزّ عليَّ مفارقتكِ وفقدكِ إلاّ أنّه أمر لابد منه ، والله لقد جدّدتِ عليَّ مصيبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد عظمت وفاتك وفقدك ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها ، وآلمها وأمضّها وأحزنها !! هذه مصيبة لا عزاء منها ، ورزية لا خلف لها ) .



ثمّ بكيا جميعاً ساعة ، وأخذ الإمام ( عليه السلام ) رأسها وضمّها إلى صدره ، ثمّ قال : ( أوصيني بما شئت ، فإنّكِ تجديني وفياً أمضي كلّما أمرتني به ، وأختار أمركِ على أمري ) .

فقالت ( عليها السلام ) : ( جزاكَ الله عنّي خير الجزاء ، يا بن عمّ أُوصيك أوّلاً : أن تتزوّج بعدي بابنة أختي امامة ، فإنّها تكون لولدي مثلي ، فإنّ الرجال لابدّ لهم من النساء ) .

ثمّ قالت ( عليها السلام ) : ( أُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني ، فإنّهم عدوّي وعدوّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا تترك أن يصلّي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم ، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار ) .

ثمّ قالت ( عليها السلام ) : ( يا بن العمّ ، إذا قضيت نحبي فاغسلني ولا تكشف عنّي ، فإنّي طاهرة مطهّرة ، وحنّطني بفاضل حنوط أبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وصَلِّ عليَّ ، وليصلِّ معك الأَدنى فالأَدنى من أهل بيتي ، وادفني ليلاً لا نهاراً ، وسرّاً لا جهاراً ، وعفَّ موضع قبري ، ولا تشهد جنازتي أحداً ممّن ظلمني .

يا بن العمّ ، أنا أعلم أنّك لا تقدر على عدم التزويج من بعدي ، فإن أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوماً وليلةً ، واجعل لأولادي يوماً وليلةً ، يا أبا الحسن ! ولا تصح في وجوههما فيصبحا يتيمين غريبين منكسرين ، فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما واليوم يفقدان أُمّهما ) .

وروى ابن عباس وصية مكتوبة لها ( عليها السلام ) جاء فيها : ( هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أوصت وهي تشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأَنّ الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأَنّ الله يبعث من في القبور .يا علي أنا فاطمة بنت محمّد ، زوّجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة ، أنت أولى بي من غيري ، حنّطني وغسّلني وكفّني بالليل ، وصلِّ عليَّ وادفني بالليل ، ولا تُعلم أحداً ، وأستودعك الله ، وأقرأ على ولديّ السلام إلى يوم القيامة ) .