ذاكرة سوداء
08/02/2014 09:29
تتطاير منها، غالبية من استوطنت في وعيهم، ذكريات ذلك اليوم الأسود 8شباط، ممن عايشوا تفاصيل ذلك العنف المرير، وممن قرؤوا عنه، وسمعوا، غالبيتهم أدركوا أن ماجرى في ذلك اليوم المشؤوم أسس لثقافة عنف، ثقافة استهانة بأرواح الناس وكراماتهم، فهي لاشيء أمام مبدئية قومية متعالية شوفينية. مبدئية مجسرة على الكراهية والتعصب والتعطش للدم الآدمي، جسرها البعث لأربعة عقود، لحين اقتلاعه في 2003، كانت تلك الأربعون أشواكا تحاصر حد الاختناق انبثاق زهرات التغيير، وعمرها الفتي أحد عشر عاما، أشواك جذورها الشريرة تعاضد على تغذيتها مد قومي منحسر، وآخر إسلامي تكفيري صاعد، مشتركاتهما كثيرة: إقصاء الآخر وتدميره بمنتهى القسوة والهمجية، أو قبوله تابعا ذليلا. وإذا ماعرفنا أن قوة الشر التي ولدت يوم استوطن الإنسان الأرض منذ القدم، تستثمر اليوم أحدث تقنيات الفتك والتدمير، يفوق ماحصل في 8شباط وماتلاه من أيام سود أضعافا مضاعفة، أصبح ذلك اليوم معيارا لشدة السوء وقباحة الاستبداد، بشهادات عديد من الكتاب والأدباء، يقول الباحث فالح الحمراني "كفت ممارسات الحرس القومي، عن أن تكون سياسية أو موجهة ضد حزب واحد أو فئة، إنها تحولت إلى " تسونامي" مرعب ضد شعب بكامله" .
كيف يمكن اقتلاع آثار الكراهية والعنف، ودورات الانقلابات تتجدد بين فترة وأخرى، توجتها حقبة صدام المقبور، يكفي الرعب الصدامي أن قتل أمل التغيير في نفوس غالبية من عاش داخل العراق إلى ان حدث بمساعدة تدخل خارجي.
الآن نحن بين كماشتي الرعب وهشاشة المرحلة الانتقالية، كيف يمكن تقليل آثار التوتر الناجمة من توغل أبناء 8 شباط الجدد بين ظهرانينا. كيف نستطيع كمثقفين أن نردع التحريض القومي والمذهبي والطائفي على تفضيل لغة السلاح على كل ماعداها.
بالتأكيد لن يجدينا إحباط المثقف من انعدام قدراته على مواجهة ذلك، وهي ردود أفعال كثرة من المثقفين، إحباط مرده في العمق خلود المثقف والمبدع إلى ذاتيهما الفكرية والإبداعية، أي إنهما محاربا كلمات. على طريقة قول أدونيس: قل كلمة وامض/ زد سعة الأرض.
إذا كان المثقف داعية سلام، فلينجب دعاة سلام مثله، أي التأثير في محيطه الاجتماعي قدر الإمكان، والتعاضد مع نظرائه المثقفين وناشطي المجتمع المدنيين في تشكيل تيارات ضغط لإحلال لغة السلام في حلحلة جميع مشاكلنا صغيرة وكبيرة، ومن ثم ينبغي أن يحصل تعاضد متبادل بين المثقفين والدولة بمؤسساتها ومسؤوليها في إشاعة أجواء التسامح والاعتدال، ترسيخ ثقافة الاعتذار، ثقافة الاستقالة عند المسؤولين عن أي خطأ يلحق ضررا بالدولة والناس، لن تخسر الدولة شيئا حين تقرّب المثقف منها، بل يكون عونا حقيقيا في شدائد اليوم وغدا، في التقويم والتشخيص وإيجاد الحلول.
من الممكن القول ان حماية المثقف هي حماية السلام، ويشمل ذلك بالطبع المثقف في توصيفه الوطني والإنساني، وليس المثقف الطائفي أو مثقفي صحف التحريض وفضائياته. إذن ينبغي استقطاب الكفاءات الوطنية الأكاديمية العلمية والأدبية والفنية.
هم مساحات سلام خضراء تشع حبا وأفراحا تضفي على حياة الناس تفاصيل النقاء وصباحات الأمل في حياة حرة كريمة.
ينبغي أن لاننظر للمثقفين والمبدعين على أنهم بياعو كلام، بضاعتهم بائرة في كتب تقتنيها وتقرؤها نخبة محدودة من الناس، فهم أولا وأخيرا، خاصة المبدعين الحقيقيين الزهاد، سيُعترف بدورهم ومؤلفاتهم، ولو بعد مئات السنين، وانهم واضعو لبنات في صرح حضارة الإنسانية، لنقترب منهم، كي يمنحونا المشورة والرأي السديد في صناعة القرارات المصيرية للدولة والناس.