لورنس العرب بعين عربية
يعتبر لورنس العرب من أشهر شخصيات الربع الأول من القرن العشرين؛ فاسمه اقترن في كتب التاريخ بثورة الشريف حسين – أمير الحجاز – ضد الحكم التركي عام 1916م وهناك العديد من الكتب في أكثر من لغة تناولت سيرة حياته وأظهرته بطلاً من أبطال الإمبرطورية البريطانية نتيجة للدور الهامّ الذي لعبه إبّان الحرب العالمية الأولى كونه ضابط ارتباط بين القيادة العسكرية البريطانية والثورة العربية الكبرى ضد الأتراك، وقد تحوّلت قصته لفيلم سينمائي معروف ظهر فيه باللباس العربي على الخيل والجمال زعيماً لقبائل البدو وملكاً غير متوج للعرب.
اسمه الحقيقي توماس إدوارد لورانس ، شخصية أدبية وسياسية بريطانية.
ولد في 15 سبتمبر 1888 وتوفي في 19 ماي 1935 ، ولد في تريمادوك من قرى ويلز ، وتخرج بجامعة أكسفورد.
سافر إلى سوريا وفلسطين بحجة دراسات أثرية ، وأقام مدة في جبيل بلبنان تعلم بها مبادئ اللغة العربية قبل سنة 1911. وأرسلته حكومته في بعثة إلى صحراء سيناء فكتب دليلاً لها لاستعمال الجنود. ونقل إلى مكتب المخابرات العسكرية في القاهرة.
هذا الرجل من الشخصيات التي أبرزها الاستعمار وأحاطها بهالة ضخمة من البطولة : شخصية الضابط لورنس الذي وصف بأنه (ملك العرب غير المتوج) والمغامر الذي كشفت المؤلفات والأبحاث عن هويته الاستعمارية وولائه المزدوج لبريطانيا والصهيونية العالمية ، وكيف خدع العرب وعايشهم في خيامهم (إبان الحرب العالمية الأولى) على هدف واضح هو إسقاط الدولة العثمانية والإيقاع بين العرب والترك ودفع العرب إلى الاقتتال من أجل استيلاء فرنسا وبريطانيا على أراضي فلسطين وسوريا ولبنان.
وقد كشف عن هذه الخدعة التي قام بها في كتابة (أعمدة الحكمة السبعة) وفضح نفسه : حين قال لو قيض للحلفاء أن ينتصروا فإن وعود بريطانيا للعرب لن تكون سوى حبر على ورق ، ولو كنت رجلاً شريفاً وناصحاً أميناً لصارحتهم بذلك وسرحت جيوشهم وجنبتهم التضحية بأرواحهم في سبيل أناس لا يحفظون لهم إلاً ولا ذمة ، وقوله : أما الشرف فقد فقدته يوم أكدت للعرب بأن بريطانيا ستحافظ على وعودهم ، وقوله : لقد جازفت بخديعة العرب لاعتقادي أن مساعدتهم ضرورية لانتصارنا القليل الثمن في الشرق ، ولاعتقادي أن كسبنا للعرب مع الحنث بوعودنا أفضل من عدم الانتصار ، ومن ذلك قوله : إني أكثر ما أكون فخراً أن الدم الإنجليزي لم يسفك في المعارك التي خضتها لأن جميع الأقطار الخاضعة لنا لم تكن تساوي في نظري موت إنجليزي واحد ، لقد جازفت بخديعة العرب لأنني كنت أرى أن كسبنا للحرب مع الحنث بوعودنا أفضل من عدم الانتصار.
وقد كشف كثير من الباحثين الأجانب والعرب حقيقة لورنس : ذلك الجاسوس البريطاني الذي جاء (عام 1911) قبل الحرب العالمية الأولى على هيئة عضو في بعثة أثرية تدرس القلاع الصليبية ، وفي جبيل تلقى دروساً في اللغة العربية في مدرسة تبشيرية ، وقد ادعى لورنس أنه جاء ليكشف الطريق التي سلكها بنو إسرائيل بعد خروجهم من مصر بينما كان يعمل في الواقع على رسم الخرائط للمنطقة لاستعمالها في حالة الحرب ، فلما أعلنت الثورة العربية في الحجاز رافق فيصل بن الحسين عامين ونصف ، في أثناء ذلك سار الجيش العربي من ميناء جدة على البحر الأحمر حتى دخل دمشق منتصرا في 30 سبتمبر 1918.
ولقد خدع لورنس العرب وعمل على تحطيم قوى الجيش العثماني ونسف القطارات المحملة بالذخائر ، فلما انتهت المعركة وأعلن لورد اللنبي في القدس (الآن انتهت الحروب الصليبية) وأعلن غورو في دمشق قولته : ها نحن قد عدنا يا صلاح الدين، عمد لورنس إلى أعظم سرقة حين سلب قبر صلاح الدين إكليلاً من الذهب كان قد قدمه له الإمبراطور غليوم يوم زيارته لدمشق.
ولما نجحت خطط الاستعمار البريطاني ، اتجه بجهوده لإنجاح خطط الصهيونية وأقنع فيصل بالاجتماع بويزمان زعيم اليهود.
لقد كان من أكبر أهداف لورنس وبريطانيا استبدال خليفة المسلمين في نظر مسلمي العالم بشريف من نسل الرسول حاكم الحرمين وحامى الكعبة.
وكان لورنس يؤمن أن الثورة العربية هي تقطيع أوصال الدولة العثمانية وإيقاع الخلاف بين العرب والترك وفتح الطريق أمام الصهيونية إلى فلسطين.
وقد أهدى لورنس كتابه (أعمدة الحكمة السبعة) إلى سارة أرنسوهن الجاسوسة اليهودية التي ألقى الأتراك القبض عليها في الناصرة أثناء الحرب في فلسطين فانتحرت حتى لا تبوح بسرها.
هذا لورنس الذي كانت الصحف تكتب عنه وتصوره على أنه منقذ العرب وملك العرب غير المتوج والذي جعلوه صانع الثورة العربية وقائدها الفعلي.
وقد كشفت كتابات البريطانيين أنفسهم عن لورنس أنه لم يكن جاسوساً لبريطانيا والصهيوينة فحسب ، ولكنه كان إلى ذلك إنساناً منحرفاً ، من الوجهة النفسية الاجتماعية والخلقية وأن تاريخ حياته يحمل صورة من الشذوذ الحسي غاية في الغرابة والعنف ، كذلك فقد كشفت كتابات المؤرخين خطاً ما ذهب إليه البعض من أن لورنس هو ملك العرب غير المتوج أو أنه كان مخلصاً للعرب ، وأن كتابه في الأعمدة السبعة كان مجموعة من الأكاذيب ، وهي صفحة اتهام له بالتبعية للاستعمار والصهيونية.
لورانس العرب بعين الغرب
أحد أشهر شخصيات التاريخ البريطاني الحديث، كان عالم آثار وكاتباً وضابطاً وجاسوساً... وقد حظي بشعبية كبيرة لدى العرب. مؤلف هذا الكتاب هو الكاتب والروائي الانجليزي اليستير ماكلين صاحب الروايات والمؤلفات العديدة. وهو هنا يقدم سيرة حياة واحد من أشهر الشخصيات في تاريخ انجلترا الحديث: لورنس العرب. ومنذ البداية يقول المؤلف بما معناه:
إنه من أشهر الشخصيات في التاريخ البريطاني الحديث، وهو يجذب الناس إليه بغموضه وأسراره بقدر ما يجذبهم بحبه للمغامرات وركوب المخاطر. ولد توماس ادوارد لورنس (أو ت. إي. لورنس) الملقب بلورنس العرب في السادس عشر من شهر أغسطس عام 1888 ومات في التاسع عشر من شهر مايو عام 1935 عن عمر لا يتجاوز السابعة والأربعين. ومع ذلك فقد ملأ الدنيا وشغل الناس. وقد كان عالم آثار، وضابطا في الجيش البريطاني، وكاتبا من الطراز الأول. فكتابه أعمدة الحكمة السبعة يعتبر من روائع الأدب العالمي، وقد ترجم إلى كل اللغات تقريبا..
ثم يردف المؤلف قائلا: وقد حظي لورنس بشعبية واسعة لدى العرب لأنه دعم نضالهم للتحرر من النير العثماني، ولكن التيار الإسلامي لا يحبه لأنه فضل العرب المسلمين على الأتراك المسلمين أيضا. فقط التيار القومي العربي يعترف له ببعض الفضل وإن على مضض.
وأما الانجليز فيعتبرونه أحد كبار أبطالهم العسكريين، وكانت عائلته من أصل انجليزي وايرلندي على حد سواء، ولم يكن اسم عائلته لورنس وإنما شامبون. فوالده كان يدعى توماس شامبون، وهو ينتسب إلى الأرستقراطية الايرلندية، وقد ترك زوجته الشرعية بسبب طباعها الصعبة والديكتاتورية. وراح يعيش مع الخادمة وينجب منها خمسة أطفال ذكور من بينهم لورنس العرب المقبل. وبالتالي فهو ابن خادمة لا ابن سيدة حرة. فهل انعكس ذلك على نفسيته لاحقا يا ترى؟
هذا وقد درس لورنس في جامعة اوكسفورد ونال منها شهرة عليا في علم الآثار والتاريخ. وقد ناقش أطروحته الجامعية تحت العنوان التالي: تأثير الحروب الصليبية على فن العمارة الأوروبية العسكرية في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي. هكذا نلاحظ منذ البداية أن موضوع دراسته سوف يقوده إلى الشرق والاحتكاك بالعرب والمسلمين.
والواقع أنه سافر إلى بيروت لأول مرة عام 1915، أي وهو في الثانية والعشرين من عمره، لكي يدرس الآثار في منطقة جبيل اللبنانية. ثم ذهب بعدئذ إلى منطقة تقع الآن جنوب تركيا الحالية لكي يدرس آثارها. وفي نهاية عام 1911 عاد إلى بريطانيا لإقامة قصيرة في الواقع. وبعدها عاد إلى الشرق الأوسط، وإلى مصر تحديدا، لكي يشتغل مع جمعية علمية بريطانية في البحث عن الآثار. وظل يتردد بشكل منتظم بعدئذ على الشرق الأوسط لمواصلة التنقيب عن الآثار وما أكثرها في هذه المنطقة من العالم. واستمر على هذا النحو حتى بداية الحرب العالمية الأولى.
وبما أنه كان قد أصبح عشير العرب ويعرف لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم بل ويلبس اللباس البدوي العربي مثلهم فإنه استطاع أن يقدم خدمات جليلة لانجلترا أثناء الصراع المحتدم مع دول المحور، أي ألمانيا وإيطاليا والإمبراطورية العثمانية. ثم يردف المؤلف قائلا:وفي عام 1914 أصبح لورنس جاسوسا بالفعل إن لم يكن قبل ذلك، فتحت غطاء البحث عن الآثار أرسلوه مع شخص آخر يدعى (وولي) إلى جزيرة سيناء. في الواقع أن الجيش البريطاني هو الذي أرسله إلى هناك لكي يجمع المعلومات. وقد زار لورنس أيضا منطقة العقبة والبتراء. وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية قرر لورنس ألا ينخرط فيها مباشرة بانتظار الأوامر من لندن.
وقد وصلته في شهر أكتوبر حيث انخرط فعلا بعد أن عينوه في القاهرة. وراح يشتغل عندئذ لصالح المخابرات العسكرية البريطانية. وبما أنه يمتلك معرفة واسعة بالعرب كما ذكرنا فإن الانجليز وجدوا فيه عميلا مناسبا لكي يكون صلة الوصل بينهم وبين القوات العربية المستعدة للانخراط ضد العثمانيين.
وعلى هذا النحو أرسلوه في شهر أكتوبر من عام 1916 إلى الصحراء العربية لكي يعرف مدى استعداد الحركات القومية العربية للتمرد على السلطنة العثمانية. وفي أثناء الحرب راح ينخرط في المعركة تحت قيادة الأمير فيصل ابن الشريف حسين الذي كان يقوم بحرب مغاوير ضد قوات العثمانيين. وكان الإسهام الكبير للورنس هي أنه أقنع العرب بتنسيق جهودهم وتوحيدها من أجل زعزعة عدو بريطانيا آنذاك: أي السلطنة العثمانية وحليفتها ألمانيا. هذه هي أكبر خدمة قدمها لبلاده بريطانيا.
فقد أقنع العرب مثلا بألا يطردوا العثمانيين من المدينة المنورة لكي يجبروا الإمبراطورية التركية على تخصيص قوات كبيرة لحماية تلك المنطقة. وهكذا يتعذر عليهم إرسالها إلى جبهة القتال ضد الانجليز في الجبهة العسكرية الأساسية. ثم راح العرب يهاجمون خط سكة الحجاز مجبرين بذلك الأتراك على إرسال قوات كبيرة إلى هناك لحمايته وحماية المدينة. وهكذا تبعثرت قواتهم وتشتتت بدلا من أن تكون مكرسة كلها للجبهة الأمامية ضد الانجليز.
ثم يردف المؤلف قائلا:وفي عام 1917 نظم لورنس حملة مشتركة للقوات العربية وقوات عدي ابوطي التي كانت في خدمة العثمانيين حتى ذلك الوقت. واستطاعت هذه القوات المشتركة أن تحتل الموقع الإستراتيجي المتمثل بميناء العقبة. ولكنهم قبضوا عليه لاحقا وهو متنكر في زي بدوي ويقوم بمهمة استطلاع سرية في منطقة معينة. ويقال بأن الجنود العثمانيين بعد أن سجنوه عذبوه واغتصبوه. وهذا ما ترك في نفسه جروحا لا تندمل. ولكنه استطاع أن يهرب من سجنه ويشارك في الاستيلاء على دمشق عام 1918 ويطرد القوات التركية منها.
وبالتالي فالرجل مغامر من الطراز الأول، ويدفع ثمن مغامراته الخطرة عدا ونقدا. ثم أصبح لورنس صديقا حميما للأمير فيصل بين الحسين. وقد حاول إقناع السلطات البريطانية بضرورة إعطاء الاستقلال للعرب، ولكن عبثا. فالانجليز والفرنسيون كانوا قد اتفقوا سرا على تقاسم المنطقة فيما بينهم، وعندما عرف لورنس بذلك تألم كثيرا وشعر وكأنه خدع العرب أو ساهم في خداعهم على غير علم منه. فقد أصبح فعلا يحب العرب ويتبنى عاداتهم وتقاليدهم. وعندما دخلت القوات الفرنسية دمشق تحطمت كل آمال لورنس في تحرير سوريا. وكانت تلك الحادثة صدمة كبيرة بالنسبة له.
ثم يردف المؤلف قائلا: وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى شارك لورنس في مؤتمر السلام الشهير المنعقد في باريس عام 1919. لقد شارك فيه بصفته عضوا في الوفد العربي الذي يترأسه الأمير فيصل. ثم أصبح بعدئذ مستشارا لونستون تشرشل حتى عام 1921.
وبعد انتهاء مغامراته العربية وإسهامه في إسقاط الإمبراطورية العثمانية عاد إلى انجلترا. فأرسلوه لفترة إلى الهند وأفغانستان. ولكنه لم يلبث هناك طويلا. وبعد عودته إلى بلاده قتل عام 1935 في حادث طريق وفي ظروف أقل ما يقال فيها إنها غامضة. فهل قتلوه بعد أن استنفد مهمته وأصبح عبثا عليهم؟ هل قتلته المخابرات البريطانية لأنه كان يمتلك أسرارا كثيرة؟ الكثيرون يعتقدون ذلك دون أن يمتلكوا أي برهان عملي محسوس على هذا الأمر. وعلى أية حال فإن الرجل سجل اسمه في التاريخ كأحد كبار الكتاب وليس فقط القادة العسكريين والمغامرين.