اللهم صل على محمد وآل محمد
مكارم الأخلاق هبة يهديها الله تعالى لخلقه ترتفع بصاحبها إلى الدرجات العليا والمراتب الرفيعة، وهي درع واقية ضد الآثام والدنس فلذا أكثر أهل البيت عليهم السلام من الحث عليها بأنواعه الآتية:
1ــ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَلَيكُم بمَكارِمِ الأخْلاقِ، فإنّ اللهَ عزّ وجلّ بَعثَني بها، وإنَّ مِن مَكارِمِ الأخْلاقِ أنْ يَعْفُوَ الرّجُلُ عَمَّنْ ظَلمَهُ، ويُعْطيَ مَن حَرمَهُ، ويَصِلَ مَن قَطعَهُ، وأنْ يَعودَ مَن لا يَعودُهُ». (أمالي الطوسي: ص478، ح1042. ميزان الحكمة: ج3، ص1081 ــ 1082، ح5061).
2ــ وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: «جَعلَ اللهُ سُبحانَهُ مَكارِمَ الأخْلاقِ صِلَةً بَينَهُ وبَينَ عِبادِهِ، فحَسْبُ أحَدِكُم أنْ يَتَمسّكَ بخُلقٍ مُتَّصِلٍ باللهِ». (تنبيه الخواطر: ج2، ص122. ميزان الحكمة: ج3، ص1082، ح5063).
3ــ وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «فَهَبْ أنّهُ لا ثَوابَ يُرجى ولا عِقابَ يُتَّقى، أفَتَزْهَدونَ في مَكارِمِ الأخْلاقِ؟!». (غرر الحكم: 6278. ميزان الحكمة: ج3، ص1081، ح5060).
4ــ وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «ثابِروا على اقْتِناءِ المَكارِمِ». (غرر الحكم: 4712. ميزان الحكمة: ج3، ص1079، ح5046).
ثانيا: ما هي الأخلاق التي يجب التحلي بها
وهناك الكثير من الأحاديث التي حثت البشرية على التحلي بهذه المكارم التي لا غنى عنها لعاقل متبصر ولا لأمة تنشد الحياة الحقيقية، ولكي يتضح الأمر ويسعى المرء لنيل هذه المكارم لابد من الاطلاع عليها ومعرفتها، فلقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام حديثان جمع فيهما أغلب مكارم الأخلاق وهما كما يلي:
1ــ قال الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ اللهَ تباركَ وتعالى خَصَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بمَكارِمِ الأخْلاقِ، فامْتَحِنوا أنفسَكُم؛ فإن كانتْ فِيكُم فاحْمَدوا اللهَ عزّ وجلّ وارغَبوا إلَيهِ في الزّيادَةِ مِنها. فذكَرَها عَشرَةٌ:اليَقينُ، والقَناعَةُ، والصَّبرُ، والشُّكرُ، والحِلْمُ، وحُسنُ الخُلقِ، والسَّخاءُ، والغَيرَةُ، والشَّجاعَةُ، والمُروءَةُ». (أمالي الصدوق: ص184، ح8. ميزان الحكمة: ج3، ص1080، ح5052).
2ــ وعنه عليه السلام: «المَكاِمُ عَشْرٌ، فإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تكونَ فيكَ فَلْتَكُنْ، فإنّها تَكونُ في الرّجُلِ ولا تكونُ في ولدِهِ، وتكونُ في ولدِهِ ولا تكونُ في أبيهِ، وتكونُ في العَبدِ ولا تكونُ في الحُرِّ: صِدْقُ البَأسِ، وصِدْقُ اللِّسانِ، وأداءُ الأمانَةِ، وصِلَةُ الرَّحِمِ، وإقْراءُ الضَّيفِ، وإطْعامُ السّائلِ، والمُكافأةُ على الصَنائِعِ، والتَّذَمُّمُ للجارِ، والتّذَمُمُ للصاحِبِ، ورأسُهُنَّ الحَياءُ». (الخصال: ص431، ح11).
وعند التأمل في هذين الحديثين نجد الإمام عليه السلام يحث على رفض الشك باطناً وظاهراً، والرضا بما قسم الله تعالى، والتحلي بعدم الجزع ونبذ الجزع ونبذ الشعور بالملل لاسيما في الطاعات، والعرفان بالجميل ومكافأة المنعم، والتحلي بضبط النفس عند الغضب، والعشرة بالمعروف والتلبس بالآداب الجميلة، والكرم والبذل ابتداءً أو عند السؤال، والحرص على الدين والمعرض والمقدسات، ورد العادي والثبات له، والفتوة والشيمة، وقول الحقيقة، والحفاظ على أمانات الناس وإرجاعها، والتواصل مع القربى، وإكرام الضيف وحسن الجوار، والخجل من الله تعالى ومن الناس عند الإقدام على ما يخدش الحياء.
كما أن هناك صفات أخرى عدّها الأئمة عليهم السلام من مكارم الأخلاق كالعفو عن الظالم، ومواساة الرجل أخاه في ماله، وذكر الله تعالى كثيرا.
نصائح هامة للقراء الأعزاء
1ــ هناك تلازم بين الخلق الحسن والعقل، وبين الخلق السيئ والجهل فلذا نجد أمير المؤمنين عليه السلام يؤكد على ذلك بقوله: «الخُلقُ المَحمودُ مِن ثِمارِ العقلِ، الخُلقُ المَذمومُ مِن ثِمارِ الجَهلِ». (غرر الحكم: 1280 ــ1281. ميزان الحكمة: ج3، ص1072، ح4993).
2ــ إذا كانت صورة المؤمن جميلة فليحافظ على جمالها بحسن الخلق، يقولون جميلا في الظاهر والباطن كما ورد ذلك في سفينة البحار عن جرير بن عبد الله قال: قالَ لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّكَ امْرءٌ قَد أحْسَنَ اللهُ خَلْقَكَ فأحْسِنْ خُلقَكَ». (سفينة البحار: ج1، ص410. ميزان الحكمة: ج3، ص1073، ح4998).
3ــ إذا ادعى شخص الإيمان فانظر إلى ما يستند عليه هذا لإيمان فإن كان له خلق حسن فنعم السند وإلا فلا، وهذا أشار إليه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «لَمّا خَلقَ اللهُ تعالى الإيمانَ قالَ: اللّهُمَّ قَوِّني، فَقَوّاهُ بحُسنِ الخُلقِ والسَّخاءِ ولَمّا خَلقَ اللهُ الكُفرَ قالَ: أللّهُمَّ قَوِّني، فَقَوّاهُ بالبُخلِ وسُوءِ الخُلقِ». (المحجّة البيضاء: ج5، ص90. ميزان الحكمة: ج3، ص1072، ح4986).
4ــ إذا رغبت في ثواب القائمين والصائمين عليك بالخلق الحسن لتنال درجتهم وهذا ما أشار إليه نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن حَسَّنَ خُلقَهُ بَلّغَهُ اللهُ درَجَةَ الصّائمِ القائمِ». (عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2، ص71، ح328. ميزان الحكمة: ج3، ص1074، ح5009).
5ــ إذا ضعفت نفسك عن العبادة ولم تتوفر لك مستلزماتها كصحة البدن وعدم الغفلة والنشاط البدني والإقبال القلبي، ليس لك دواء لدائك إلاّ حسن الخلق فلذا اسمع قول سيد المرسلين في ذلك إذ يقول: «إنّ العَبدَ لَيَبلُغُ بحُسنِ خُلقِهِ عَظيمَ دَرَجاتِ الآخِرَةِ وشَرَفَ المَنازِل، وإنَّهُ لَضَعيفُ العِبادَةِ». (المحجّة البيضاء: ج5، ص93. ميزان الحكمة: ج3، ص1074، ح5010).
6ــ إذا أردت لميزانك أن يكون ثقيلا يوم توضع الموازين عليك بالتحلي بالخلق الحسن، وهذا ما صرح به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «ما مِن شَيءٍ أثقَلُ ما يُوضَعُ في المِيزانِ مِن خُلقٍ حَسنٍ». (ميزان الحكمة: ج3، ص1074، ح5016. بحار الأنوار: ج71، ص383، ح17).