عندما تشاع كلمة الديمقراطية داخل مجتمعاتنا العربية، فأن الكثير منهم يقفز به الخيال الى مفاهيم وتصورات عدة (احزاب، تعددية، حرية، انتخابات حرة وادارة نظام حكم سلمي يختاره الشعب...الخ)، الديمقراطية مفهوم ونظام حديث نسبياً على مجتمعاتنا العربية التي مازالت بعيدة كل البعد عن هذا النظام السياسي، فهي ليست ثوباً يفصله المفكرون ويلبسه الاخرون لتمشية امورهم في تنظيم حياتهم السياسية، ولا هي شيء طبيعي ياخذ بها الناس كـ"موضة" ولا هي عصا سحرية يمكن الاستعانة بها لحل أزمات الدول، ولا هي الغيث المنهمر من سماء العولمة لتروي بها ضمأ المجتمعات المتخلفة والقابعة تحت الظلم والاقصاء والتهميش من ممارسة الحق الطبيعي في الحياة السياسية.
من خلال ما ذكر آنفاً يمكننا القول ان الديمقارطية: تعني فلسفة سياسية اجتماعية قائمة على اساس التعايش المشترك في الحياة بشكل حضاري وسلمي، وبالمفهوم العام يمكن اختزال كل التعاريف والمعاني لكلمة "ديمقراطية" ونقول هي (حكم الشعب للشعب)، اي بمعنى اختيار الشعب لمن ينوب عنه ويمثله في الحياة السياسية في ادارة الحكم، وهنا تعني ممارسة الحكم بواسطة غالبية الشعب، من خلال تنظيم الانتخابات الحرة والنزيهة القائمة على المنافسة الحرة وحق الترشيح مكفول للجميع، ولانجاح فكرة النظام الديمقراطي لابد من وجود أساس وتقبل لهذه الفكرة، ويجب ان يتوفر عنصر هام هي "الثقافة الديمقراطية" والتي تساعد على القيام بمثل هكذا نظام، لذلك من الضروري وجود ثقافة نابعة من بيئة اجتماعية سياسية مناسبة تؤمن بمفهوم الديمقراطية.المجتعات العربية كما ذكرت فكرة "النظام الديمقراطي" تكاد تكون حديثة وغير مطبقة فيه، وذلك لانها محكومه من انظمة شمولية ودكتاتورية جاءت وصعدت الى سدة الحكم بطرق غير الطرق السلمية والدستورية المعمول فيها في الدول الغربية التي تتمتع بنجاح تتطبيق العملية الديمقراطية، لا على العكس فقد جاءت عن طريق الفوضى والانقلابات العسكرية، واصبحت الشعوب العربية قابعة تحت رحمة حكمها، لا وجود لفكرة ادارة حكم الشعب للشعب، بل اصبح الشعب خادم للحاكم المتسلط الذي يفرض رأيه على الشعب بالقوة، وعدم القبول بفكرة الرأي الاخر، الذي يعد تجاوزا على رمز البلاد (الحاكم)، اصبح الانسان العربي اسير بيد حُكامه والثقافة السياسة التي يتمتع بها هي من صنع وفكر الدولة الشمولية، ان حداثة التجربة في مجتمعاتنا العربية جعلت الحكام يستخدمون الديمقراطية ويعتبرونها هبة منهم فحوروها وقسموها وجعلوا منها شماعة يعلقون عليها كل فشلهم وفسادهم واصبح الشعب يحمد الحاكم على الهامش.هذه هي البيئة التي عاش ومازال يعيش بها المواطن العربي، هذه البيئة لا تساعد على نجاح النظام الديمقراطي، هذه البيئة تجعل من الديمقراطية نظام نظري فقط ولا وجود تطبيق عملي فعلي لها، فالثقافة الديمقراطية يجب ان تكون سمة اساسية لدى الفرد في المجتمع المتطلع للنظام الديمقراطي، وتتلخص الثقافية الديمقراطية بأستقلالية الفرد وحريته وعقلانيته وسلوكه المتحضر مع بقية الافراد في مجتمع منظم، هذه الثقافة تنمو بشكل تدريجي بالفكر والتجربة والتطبيق والمقارنة مع تجارب شعوب أخرى وصلت إلى مراتب عالية في الحياة الديمقراطية بفضل الوعي الثقافي والسياسي لدى المجتمعات الغربية التي اصبحت نموذجاً حياً للحياة السياسية في العالم العربي الذي يعيش فترة التغيير والتحولات السياسية.أصبحت الديمقراطية في هذه الايام تجربة إنسانية ونظام في العالم الغربي المتقدم، بحيث ترسخت لكل فرد من هذه المجتمعات فكرة تعكس فيها تصرفاته بما يفيد تطبيق الديمقراطية كأفراد مجتمع تتسم بالفهم العالي للثقافة الديمقراطية، اصبحت سلوك جماعي يحتاج الى ركيزة واسعة من المواطنين الواعين لأمورهم ويريدون العيش بحرية وعلنية دون خوف من سلطة تهددهم بشكل اعتباطي، لذا من الضروري ان يقبل الجميع بالديمقراطية كقاعدة أساسية لحل جميع الصراعات بشكل سلمي عن طريق الحوار العقلاني المنفتح، بعيداً عن العصبية والسلطوية الموجودة بكثرة في مجتمعاتنا العربية.