صديقتي الكاذبة
منال عبود
في مجتمعاتنا القذرة فكرياً ، والمنحطة منطقياً يخلق كلّ يوم اطفال جدد، من الصبيان والبنات… ومن البديهي انهما مع مرور السنوات يكبران.. “الاثنين يكبران” حجماً وعقلاً وعاطفةً..
لكن مجتمعنا يظلّ عالقاً بقوقعة أن هذه الفتاة ما زالت بلهاء، مهما كبرت، وعلى الرجل – الكامل العقل – أن يُشرف عليها، ان يمنعها ويسمح لها، وهي تبقى عالقة بين كلمة “حرام” و”عيب” و”شو حيقولو الناس”
إلى ان اتى ذاك اليوم المشؤوم، بدأت تلاحظ أنّ اخيها الذي يصغرها يفتح الباب ويرحل، دون ان يخبر احداً انه ذاهب اصلاً! وهي تبقى قابعة بين تلك الحيطان، لا تخرج الا بعد ان يقتنع اهلها بكل المبررات، وقليلاً ما يقتنعا!
تتساءل، أيعرف اخاها الصغير تقييم اصدقائه والأمكنة التي يرتادها اكثر منها؟
بدأت تكبر في داخلها ثورة “أنا اريد الحياة”..
صرخت “أريد الخروج”، وظلت لعام كامل تصرخ، وكلما صرخت كانت تضرب، او تشتم وتتهمّ بالعهر والفلتان!
تراجعت.. فالوضع الى أسوأ، لم تنل ما تريد، لم تنجح ثورتها! والى اين ستذهب بفشلها هذا؟ لا دولة تحميها ولا قانون! عاشت والثورة في داخلها، لا حل لها الا بإلغاء عائلتها او الغاء مجتمها!
وكيف تلغي الاخرين وهي من تطالب بالحرية؟!
وجدت الحل، انه اكثر واقعية من الغاء الغير، واكثر سلاماً وحباً، وسيرضي الجميع… ستكذب! ستبدأ بزيادة دوام جامعتها منذ الغد، بزيادة أيام عملها… أخيراً ستتنفس!
أصبح الكذب من يومياتها، فبِهِ لا تفضح اهلها، وتمنح نفسها القليل من الحرية..
وبعد… تعرفت صديقتي بشاب جميل، ووجدا بينهما انسجاماً غريباً!
لكن هذا “عيب وحرام”. يجب ان يخطبها او يتزوجها! فكرت في الامر قليلاً، وثارت قائلةً لي: “لا اريد هذه الشكليات! أريد أن احبه ويحبني ولربما يكون الزواج خيارنا يوماً ما، لكن لن أقوم بخطوة كهذه كفرضاً اجتماعياً تافهاً!” لكنها تريد أن تقضي معه يومها، كيف؟ ستكذب أكثر.. فقد اعتادت الكذب ولن يعرف احد، هذا خيارها الأوحد والأفضل لتلبية طموحات الجميع. ستبدأ من الغد، ستخلق صديقة جامعية وهمية لأهلها، ودوامات اضافية اكثر.
مرّت الأيام، فرحةٌ هي بعدم مضايقة اهلها، وبكسب حبها، لكن..
لكن ايهما هي؟ أتلك الفتاة التي خلقتها لترضي أهلها؟ ام تلك العاشقة؟ ام…
بدأت الصراعات داخلها. تريد ان تعرف من هي!
كانت تظن انها بما تفعله لا تؤذي أحداً، لكنّ الأيام أظهرت لها انها لم تؤذي سوى نفسها، بل ودمرتها. لم يبقَ منها سوى صراعات.
فكرّت بالانتحار يائسةً من مجتمعها واهلها، لكنها لا تملك الجرأة اللازمة، حاولت مرة ابتلاع حبوب دواء كثيرة ولم ينجح الأمر.
وماذا عن الذي تحبّه؟ أتشكو له؟ تشك في انه سيفهم معاناتها! كيف يفهمها وهو رجل، كل شيء بالنسبة له مباح، منذ الطفولة..
صديقتي، اتعرفين أفضل ما يمكنكِ فعله؟ أكل لوح شوكولا، والنوم !:)