بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
قال الإمام علي عليه السلام :
أحذر الغضبَ ممّنْ يحمِلكَ عَليْهِ
فإنه مُميتٌ لِلخوَاطِرْ مَانِعٌ مِن التثبُت
أحذروا الدُنيا فإنها غدّارةٌ غرّارةُ خدُوعٌ
مُعطيَة ٌ مَنوعٌ، مُلبسة ٌ نَزوعٌ
لا يَدُومُ رَخاؤها
ولا ينقضي عَناؤها
ولا يركُدُ بَلاؤهَا
سبحان الله الخالق : منظر في لوحة أعدها مؤمنين طيبين رائق ، وفي الجمال علما ومعنى رائع وفائق ، ولو قيل من باب المبالغة أنه من مناظر الجنة لأمكن أن يقال أنه صادق ، فسبحان الله العلي العظيم الفالق ، بعد أن كل شيء في التكوين في أمره راتق .
لكن هيهات : هنا الدنيا وزينتها ، ولا أمان لأحد فيها إلا ممن يخرج نفسه من أبنائها ، ويتصرف فيها بالحكمة والعدل في عسرها ويسرها ورخائها ، ويشكر ربه على ما أنعم عليه حتى يكفيه عنائها ، وينجيه بفضله ورحمته من غرورها وخداعها وبلائها .
هذه الدنيا لا أمان لحد فيها إلا من عصمه الله ، وتتقلب فيها الأحوال بين اليسر والعسر ، وبين الصحة والمرض ، وبين العافية والبلاء ، وبين السراء والضراء ، والأحوال من ضعف إلى شباب وطلب لها والكد فيها ، حتى يجمع من جمع وحين جمع ، يضعف عن الاستفادة منها إذ يرى أنه تتداركه الشيخوخة ، هذا إن نجى من الحوادث والبلاء في أيام الطلب .
وإلا فالدنيا : هي حقا تعطي شيء وتمنع آخر ، ويكون عندك الأمر معك كأنك لابسه ، ومتلصق بك فأنك أو كأنك صاحبه ، ثم تفارقه كأنك تنزعه ولم تلاعبه ، وتتركه كأنك لم تكن معه تداعبه .
عجيب : أمر الدنيا غريب تقلبها ، فيها آمال مقطوعة ممنوعة ، وأحوال بلائها و أضرارها غير مدفوعة ، لا صديق صدق حتى تدوم معك ، ولا عدو عن كل شيء من زينتها تمنعك ، فهي وقت حلوة عذبة تنفعك ، وفي آخر مُرة علقم تجرعك
فلا يجعل العاقل الدنيا تدنيه وتخاتله تخدعه وتغره ولا تغدر به ، لأن المؤمن في الدنيا بعمل المؤمنين المتقين ، لا يجعل الدنيا أكبر همه ، ولا أن يتركها فلا يستطيع أن يعبد ربه ويحتاج للخلق ويكون عالة عليهم ، فلابد أن يطلبها بجميل الطلب بدون حرص ولا بخل ، فيرى لذي كل حق حقه ، ويكفينا ما قدم الإمام عليه السلام من الشرح والتقديم من أحوال المتقين والعاملين للآخرة وجدهم في طلب الخير والصلاح وما يوصل للفلاح .
وأسأل الله تعالى لي ولكم : أن لا يجعل الدنيا تغدر بنا ولا تغرنا ولا تخدعنا ، وأن يدفع عنا عنائها وبلائها ، ويمتعنا في رخائها ، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين