عودة إلى جماليات الطبيعة
04/02/2014 07:48
في عمان وعلى مدار أكثر من أسبوع أقام الفنان العراقي وسام زكو معرضا لرسوماته الأخيرة تحت عنوان (دراما الطبيعة) فاجئنا فيه بتطلعاته نحو الطبيعة ومنها الأشجار تحديدا، فلم نعتد منه إلا التعبيرية المحصنة بغاية واتجاه فني يدعو للتأمل وكسب مزيد من التطلع نحو عوالم الفن، ولكن الأمر اختلف كثيرا هذه المرة، وهو يصب جم حنينه واشتياقه إلى الأرض..الشجرة وكأنه يعيد لأذهاننا الارتباط الروحي بين الأرض والإنسان والطبيعة.
شخصيا لم استغرب من فنان تعمد المغايرة واشتغل على المعرفة الحسية حينا والجمالية حينا آخر، ولم استغرب من نحات زاوج في أعماله النحتية بين شتى المدارس ولكن الملفت للآخرين التوجه الجمالي الذي يعود بنا إلى فترات سابقة من الفن العراقي.الأعمال التي صيغت بطبيعة حركية واقعية تزاوجت بينها وبين التجريدية اشتدت في مؤثرات بصرية تبعث الدهشة. وكانت المظاهر المرنة في استكمالها الشكلي تنم عن وعي غريزي يربط الإنسان بقاعدته الأم، وهي الأرض (الوطن) وكأن مخيال الرسم وتصاعده وآثار عودته الى الطبقات الشكلية من جذور الشجر والتفافها ما هو إلا استثمار يتخطى حدود الذاكرة ليكون الإغراء البنائي في العمل وثيماته الواقعية تحت تأثير الاتجاه النفسي الذي دعا إليه وسام في هذه الأعمال.
بعض من مركبات العمل وتداعياته الشكلية انخرطت تحت طائلة التدفق المجرد أو ما يسمى التمثيل المركب. وهذا الأخير هو إضاءة لإدراك حسي، وليس خطا صوريا يقف إزاء تحريك البنى الجمالية في العمل. ولا أجد ضيرا من استخدام أو استعراض التمثيل المركب طالما اندفعت بنية الأعمال إلى اتجاهاتها الدلالية الصحيحة التي تفرض نوعا من الولاء بين الرسم وبين المدلول الفكري، وهذه المتوالية من التراكيب تجذبنا للمواجهة الفعلية بين حرفة الرسم والجدل الموضوعي لمدارها الجمالي والفكري.
وإذا ما أجرينا مسحا للبنى المتشكلة داخل المنظومة الجديدة لإعماله في هذا المعرض، لتجلى لنا الرسم في أبهى غليانه وانبثاقه، فالطرائق الدالة على قامات الأشجار وانجذاب جذورها وتشابكها ما هي إلا نداء داخلي أراد الوعي الجمالي لوسام زكو أن يضفي سياقه الدلالي ضمن ملكات الوعي (الانتمائي أولا.. والإنساني ثانيا) وهذا التقديم على التمسك بالأرض وببركانها وما فوقها من زروع ما هو إلا دلالة تجلب المتلقي نحو فهم نفسية وسام قبل أن نفهم الصيغ الدلالية لأعماله في هذا المعرض. وهناك التفاتة شكلية أقيمت على أحادية لونية الأصفر والبرتقالي أو الأحمر الصارخ في كل لوحة، تنبئ عن جذرية وتماسك وحدوي قائم على تعميق فهم الذات وانجذابها لغرين البسيطة. في تكوينات مثل التي قدمها وسام مؤخرا لا بد من الانصياع إلى نداءاتها الداخلية السامية فهي لم تذهب لكشف السمة النفسية لوحدها بل تعاملت مع الغائية في الرسم على حسابات دقيقة واحدة من بين تلك الحسابات تبينت في العودة إلى الأرض والى الجذر، وهي جدلية ذات علاقة تنم عن وجهة واحدة مثالها الحي وليد منظومة تحفر عميقا في قدرة الإنسان على التمسك بخطاب الهوية، وهنا يبدو الاهتزاز الحي لجوهر إنسانية هذا الفنان يثير فينا الرغبة لاكتشافه ومعرفة منابعه. رسومات وسام الأخيرة في عمان قبل أكثر من خمسة عشر يوما مثلت حقلا دلاليا يغري المتلقي بإشارة واضحة وصريحة على العكس من رسوماته السابقة التي وظف فيها الصليب ورابط فيها بين الديني والتاريخي معا، ولكن نجاحه هذه المرة ذهب باتجاه الإنسان والوطن في ثنائية احتكمت للتراكيب البنائية والعلاقة الضاجة بأسلوبية جديدة تنفتح جماليا وتعبيريا على بواعث وجدانية.