حكاية أبي راجح الحمامي


ذكر المجلسي (ره) في (البحار) نقلاً عن كتاب (السلطان المفرج عن أهل الإيمان) تأليف العالم الكامل السيد علي بن عبد الحميد النيلي النجفي قال علي بن عبد الحميد عند ذكر من رأى القائم (ع) السلام: فمن ذلك ما اشتهر وذاع وملأ بقاع وشهد بالعيان أبناء الزمان وهو قصة أبي راجح الحمامي بالحلة وقد حكي ذلك جماعة من الأعيان الأماثل وأهل الصدق الأفاضل ومنهم الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون سلمه الله تعالى قال: كان الحاكم بالحلة شخصاً يدعى مرجان الصغير وكان ناصبياً فرفع إليه أن أبا راجح هذا يسب الصحابة فأحضره وأمر بضربه فضرب ضرباً شديداً مهلكاً على جميع بدنه حتى أنه خرب على وجهه فسقطت ثناياه وأخرج لسانه فجعل فيه مسلة من الحديد وخرق أنفه ووضع فيه حبل من الشعر وشد فيه حبل آخر وآمر بأن يجر منه فيدار به أزقة الحلة فداروا به والضرب يأخذ من جوانبه حتى سقط إلى الأرض وعاين الهلاك. وأخبر الحاكم بذلك فأمر بقتله فقال الحاضرون إنه شيخ كبير وقد حصل له ما يكفيه وهو ميت لما به فاتركه يموت حتفه أنفه ولا تتقلد بدمه وبالغوافي ذلك حتى أمر بتخليه وقد انتفخ وجهه لسانه ولسانه فنقله أهله ولم يشك أحد أنه يموت من ليلته. فلما كان من الغد غدا عليه الناس فإذا هو قائم يصلي على أتم حالة وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت واندملت جراحاته ولم يبق لها أثر والشجة قد زالت من وجهه. فعجب الناس من حاله وسألوه عن أمر فقال: إني لما عاينت الموت ولم يبق لي لسان أسال الله تعالى به فقد كنت أسأله بقلبي، واستغثت بسيدي ومولاي صاحب الزمان (ع) فلما جن علي الليل إذا بالدار قد امتلأت نوراً وإذا بمولاي صاحب الزمان قد أمر يده الشرفة على وجهي وقال لي: اخرج وكد على عيالك فقد عافاك الله تعالى فأصبحت كما ترون. وحكي الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال وأقسم بالله تعالى إن أبا راجح هذا كان ضعيفاً جداً ضعيف التركيب أصفر اللون شين الوجه مقرض اللحية وكنت دائماً أدخل الحمام الذي هو فيه وكنت دائماً أراه على هذه الحالة وهذا الشكل فلما أصبحت كنت ممن دخل عليه فرأيته وقد اشتدت قوته وانتصبت قامته وطالت لحيته واحمر وجهه وعاد كأنه ابن عشرين سنة ولم يزل على ذلك حتى أدركته الوفاة. ولما شاع هذا الخبر وذاع طلبه الحاكم وأحضر عنده وقد كان رآه بالأمس على تلك الحالة وهو الآن على ضدها كما وصفناه ولم ير لجراحاته أثراً وثناياه قد عادت فداخل الحاكم في ذلك رعب العظيم. وكان يجلس في مقام الإمام (ع) في الحلة ويعطي ظهره القبلة الشريفة فصار بعد ذلك يجلس ويتقلبها وعاد يتطلف بأهل الحلة ويتجاوز عن مسيئهم ويحسن إلى محسنهم ولم ينفعه ذلك بل لم يلبث في ذلك إلا قليلاً حتى مات.