بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
عرفوا النفس : جوهره علامه دراكه , وشبهوها بالمرآة , فاذا كانت المرآة مستويه ( لا مقعره ولا محدبه ) ومجلوه فان الاشياء تبدو فيها بكاملها وبحجومها وتفاصيلها الحقيقيه .
كذلك النفس .. وهذا ما يعبر عنه بالكشف ( معرفة حقائق الاشياء ) لان نفوسنا محل لظهور صور الحقائق , فمتى ما كانت نفوسنا صافيه مجلوه مستويه فستبدوا الصوره فيها كامله وحقيقيه وبجميع تفاصيلها ..
بالمقابل اذا كانت النفوس مخدشه فان الاشياء لا تبدوا على حقيقتها ولا بحجومها ولا بتفاصيلها الحقيقيه .
ان الفيض الالهي عباره عن نور صافٍ شفاف طاهر , اذا كان القلب مجلوآ بان النور على حقيقته , واذا كان صدئآ بان النور متسخآ مشوهآ لاجل حلوله في الظرف غير المجلو .
وبعباره آخرى : ان الحال عين المحل , والمحل عين الحال , فلا يتميز احدهما من الاخر فيظهر كل منهما انه الاخر .
ومن هنا صارت الصفه للمعصومين - عليهم السلام - عين الموصوف , وذلك لصفاء انفسهم , فصاروا هم الاسلام والاسلام هم . ومن الشواهد على ذلك قول الله - عز وجل - لنبيه الاكرم محمد - صل الله عليه واله - : { ومآ ارسلناك الا رحمه للعالمين } .. فعبر عنه بالرحمه , ولم يقل رحيم , وكذلك في ايه اخرى يقول جل وعلا : { هدى وبشرى للمؤمنين } . فجاء ذكره بانه ( هدى ) وليس ( هاديآ ) و ( بشرى ) وليس ( بشيرآ ) .
اعرفت لماذا لم نطلع على حقائق الاشياء - ومنها الوجود المقدس للامام صاحب الامر -عليه السلام - لا لخفاء فيها , بل تقصير فينا , فالخلل ليس في الفاعل , وانما في القابل ( فينا ) ,فلو عرفنا حقائق الاشياء لبان شخصه - عليه السلام - فكيف نرى مع هذه النفس الصدئه والقلب المشوب ؟ .
ان الذنب - مهما كان صغيرآ - فانه يخدش هذا الوعاء الصافي , فلو اعتبرت قلبك زجاجه في غاية الرقه - وهو كذلك - فاي شيء حتى لو كانت حبة رمل سوف يخدش هذه الزجاجه . والذنب ياتي نتيجة تسلط الشيطان على الانسان . وللشيطان على الانسان نوعان من السلطه :
1 - سلطة المس : وهي ليست بسلطه حقيقيه لان الممسوسين يتذكرون دائمآ ومباشره , كما قالت الايه الكريمه : { ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون } .
2 - سلطة الأز : وهي السلطه الحقيقيه للشيطان على الكافرين , بحيث صاروا مظهر للسيطره والهيمنه الشيطانيه , قال تعالى : { الم تر انا ارسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزآ } .
ولعلاج النفس الصدئه والقلب المشوب هي التوبه , والرجوع الى الله - عز وجل - بالتوبه النصوح .
مقدمه عن التوبه : عن احمد بن خالد , عن محمد بن علي , عن محمد بن الفضيل , عن ابي الصباح- الكناني قال سالت ابا عبد الله - عليه السلام - عن قول الله عز وجل : { يا ايها الذين ءامنوا توبوا الى الله توبه نصوحآ } قال (( يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود فيه ))
التوبه النصوح هي التوبه القويه الثابته التي تمنع صاحبها من العوده الى الذنب بعدها ابدآ . وهذا التفسير يؤيده ما قيل من انها توبه تنصح صاحبها فيقلع عن الذنوب ثم لا يعود اليها ابدآ او تنصح- الناس اي تدعوهم الى ان ياتوا بمثلها لظهور آثارها الجميله في صاحبها ,
وقيل : هي توبه خالصه لوجه الله سبحانه من قولهم عسل ناصح اذا كان خالصآ من الشمع بان لا تكون لرياء ولا نفاق .
وقيل : اسناد النصوح الى التوبه من باب المجازي , لان صفة النصح صفه للتائبين اي توبه تنصحون بها انفسكم بان تاتوا بها على اكمل الوجوه وافضل الشرائط حتى تكون قالعه لآثار الذنوب من القلوب وذلك باذابة النفس بالحسرات ومحو ظلمة السيئات بنور الحسنات .
وقيل : هي ان ستغفر بالسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن .
وقيل هي المقبوله ولم تقبل ما لم يكن فيها ثلاث : خوف ان لا يقبل ورجاء ان يقبل وادمان الطاعه .
وقيل : هي من النصح بمعنى الخياطه لان العصيان يمزق الدين والتوبه ترقعه .
وقيل لانها جمعت بينه وبين اولياء الله كما جمع الخياط الثوب والصق بعضه ببعض .
وقيل : لانها احكمت طاعته واوثقها كما احكم الخياط الثوب واوثقه .
والحمد لله رب العالمين