بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

لقد قدم القران الكريم نماذج من النساء الصالحات، وبيّن سلوكهن وصفاتهن، ومن بين هذه الصفات الحياء، يقول تعالى:
﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (24) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (25) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (26)﴾1.
تقص هذه الايات قصة لقاء موسى عليه السلام مع ابنتي شعيب عليه السلام، وتظهر صفة هاتين الصالحتين وحياءهما بشكل واضح في مسألتين، الأولى: ﴿... قّالّتّا لا نّسًقٌي حّتَّى يٍصًدٌرّ لارٌَعّاءٍ...﴾.
حيث امتنعتا عن الدخول بين الرجال وفضّلتا الانتظار حتى يخلو المكان لهما، وهذا له ارتباط واضح بالحياء ورفض الاختلاط. والثانية: ﴿فّجّاءّتًهٍ إحًدّاهٍمّا تّمًشٌي عّلّى *سًتٌحًيّاءُ...﴾.
فهنا يوجد تصريح بالحياء الذي كانت تتحلى به هذه المرأة الصالحة.
فلماذا الحياء؟
أهمية الحياء:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «الحياء والإيمان في قرن واحد فإذا سلب أحدهما أتبعه الاخر»2.



وعن الإمام الصادق عليه السلام: «لا إيمان لمن لا حياء له»3.
يظهر من هذه الروايات أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الإيمان والحياء، حتى صار الإيمان غير ممكن التحقق من دون الحياء!.
وهذا يعني أن عدم وجود الحياء سينعكس على سلوكيات الإنسان في هذه الدنيا بحيث يجعله بعيداً كل البعد عن سلوك الإنسان المؤمن الملتزم، وحيث إن أعمال الإنسان وسلوكياته ستنعكس في الاخرة، فإن صورة عدم الحياء ستكون في الاخرة خسراناً مبيناً!.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «من لم يكن له حياء في الدنيا لم يدخل الجنة»4.
إن الحياء مطلوب من الإنسان بشكل عام، ولكنه مطلوب من النساء بشكل اكد، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: «إن الله قسم الحياء عشرة أجزاء فجعل في النساء تسعة وفي الرجال واحداً»5.
الحياء ممن؟
أ- من الله تعالى:
قيل للنبي صلى الله عليه وآله: أوصني، فقال صلى الله عليه وآله: «استحي من الله كما تستحيي من الرجل الصالح من قومك»6.
ب- من النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام:
فعن الباقر عليه السلام: «إن أعمال العباد تعرض على نبيكم كل عشية خميس فليستحي أحدكم أن يعرض على نبيه العمل القبيح»7.
وعن يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: ﴿... وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ...﴾8، قال عليه السلام: «هم الأئمة عليهم السلام»9.
ج- الحياء من الملائكة:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «ليستحِ أحدكم من ملكيه اللذين معه كما يستحي من رجلين صالحين من جيرانه وهما معه بالليل والنهار»10.
د- الحياء من الناس:
عن علي عليه السلام: «من لم يستحِ من الناس لم يستحٍ من الله سبحانه»11.
هـ- الحياء من النفس:
عن علي عليه السلام: «أحسن الحياء استحياؤك من نفسك»12.
الحياء ممّا؟
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «الحياء هو الدين كله»13.
وعن علي عليه السلام: «الحياء يصد عن فعل القبيح»14.
وعنه عليه السلام: «الحياء مفتاح كل خير»15.
إن هذه الروايات بمجملها تشير إلى أن على الإنسان أن يستحي من ارتكاب المعاصي، عليه أن يستحي من ترك الواجبات وفعل المحرمات! لأن الذي يستحي من الله تعالى لا يمكن أن يعصيه وهو ينظر إليه، وكذلك الذي يستحي من النبي‏ صلى الله عليه وآله لا يمكن أن يقع في المعصية وهو يعلم أن معصيته هذه ستعرض على النبي صلى الله عليه وآله ... نعم إن الحياء هو الدين كله! ومتعلقه هو الدين كله. فكلما ازداد الحياء ازداد الدين، وعن علي عليه السلام: «على قدر الحياء تكون العفة»16.
ولكن على رغم ذلك هناك بعض الأمور التي نشير إليها كمفردات للحياء:
أ- الحياء في الستر:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه نظر إلى رجل يغتسل بحيث يراه الناس فقال: «أيها الناس إن الله يحب من عباده الحياء والستر فأيكم اغتسل فليتوارَ من الناس فإن الحياء زينة الإسلام»17
ب- الحياء في النظر:
يقول تعالى: ﴿قٍل لٌَلًمٍؤًمٌنٌينّ يّغٍضٍَوا مٌنً أّبًصّارٌهٌمً...﴾18.
ج- الحياء في القول:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذي‏ء قليل الحياء لا يبالي ما قال وما قيل فيه»19.
العفة
معنى العفة:
العفة هي صفة نفسية في الإنسان يمكن التعرف عليها من خلال اثارها التي تظهر على الإنسان، هذه الاثار التي ذكرتها بعض الروايات بأنها الصبر عن الشهوة.
عن علي عليه السلام: «الصبر عن الشهوة عفة»20.
وهي الزهد أيضاً، عنه عليه السلام: «العفاف زهادة»21.
وهي صون النفس وتنزيهها عن كل أمر دني، عنه عليه السلام: «العفاف يصون النفس وينزهها عن الدنايا»22
هذه كلها من اثار العفة التي تشير إليها.
العفة عن أي شي‏ء؟
متعلقات العفة كثيرة نشير هنا إلى بعضها:
أ- العفة عن إظهار الحاجة المادية:
يقول تعالى: ﴿لٌلًفٍقّراءٌ لاَّذٌينّ أٍحًصٌرٍوا فٌي سّبٌيلٌ لالَّهٌ لا يّسًتّطٌيعٍونّ ضّرًبْا فٌي الأّرًضٌ يّحًسّبٍهٍمٍ لاًجّاهٌلٍ أّغًنٌيّاءّ مٌنّ لاتَّعّفٍَفٌ...﴾23.
وعن علي عليه السلام: «العفاف زينة الفقر»24
ب- العفة في تشديد الحجاب:
يقول تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾25.
ج- العفة عن الشهوة: يقول تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ..﴾26.
وهذه العفة يجب أن تزداد كلما ازدادت المرأة جمالاً، وعن علي عليه السلام: «زكاة الجمال العفاف»27.
د- العفة عن أكل الحرام:
عن علي عليه السلام: «إذا أراد الله بعبدٍ خيراً أعف بطنه وفرجه»28.
وهذا ينعكس على طلب الإنسان للدنيا، فعن علي عليه السلام: «على قدر العفة تكون القناعة»29.
ثمرات العفة:
لقد أشارت الروايات إلى العديد من الثمرات والبركات التي تترتب على العفة نذكر منها:
1- حسن المظهر:
فعن علي عليه السلام: «من عفت أطرافه حسنت أوصافه»30.
وعن أبي جعفر عليه السلام: «أما لباس التقوى فالعفاف، إن العفيف لا تبدو له عورة وإن كان عارياً من الثياب، والفاجر بادي العورة وإن كان كاسياً من الثياب، يقول الله ﴿...وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ...﴾31»32.
2- الوقاية:
فعن علي عليه السلام: «لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة»33.
فهذه الرواية تشير إلى أن العفة سبب في ترك المعاصي والقرب من الله تعالى بحيث يصبح سلوكه كله طاعة لله تعالى وكأن العفيف ملك من الملائكة، وكلمة أمير المؤمنين عليه السلام: «ثمرة العفة الصيانة»34. تشير إلى ذلك أيضاً.
3- الثواب العظيم:
فعن علي عليه السلام: «طوبى لمن تحلى بالعفاف».
وعنه‏ عليه السلام: «ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممن قدر فعف»35.
من منافيات الحياء والعفة:
1- التشبه بالرجال:
ذكرنا فيما سبق أن هناك أموراً تناسب الرجل وأخرى تناسب المرأة، وقد أكد الإسلام على ضرورة أن يلتزم كل منهما بما يناسبه، فلا يقتحم الرجل ما يناسب المرأة ولا تقترف المرأة ما يناسب الرجل ولا يتناسب مع حيائها وعفتها، لأن ما يصلح لأحدهما قد يكون مفسداً للاخر، وقد شدد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله على ذلك حتى لعن المرأة التي تتخلى عما يناسبها لتتشبه بالرجال فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله: «لعن الله المتشبهات بالرجال من النساء ولعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء»36.
وفي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: «لا يجوز للمرأة ان تتشبه بالرجال، لان رسول الله صلى الله عليه وآله لعن المتشبهين من الرجال بالنساء ولعن المتشبهات من النساء، بالرجال»37.
والتشبه له الكثير من النماذج، وهو يشمل كل ما خالف طبيعة المرأة ووافق طبيعة الرجل، ومن أوضح هذه النماذج التشبه باللباس بحيث تلبس المرأة لباس الرجل أو يلبس الرجل لباس المرأة!.
2- تقليد الغرب:
إن الضياع وفقدان الهوية هو من أخطر الأمراض التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان، لأنه المرض الذي يهدم الكيان والشخصية والخصوصية، بل هو في الحقيقة انهيار لكل القيم السائدة في المجتمع، وتضييع للأساس الذي يبني عليه الإنسان مجتمعه، ومجتمع بلا موازين ثابتة وأساسيات واضحة هو مجتمع متخلف إلى ابعد الحدود، طفيلي يعيش على فتات المجتمعات الأخرى...
من غير الطبيعي أن يضيّع الإنسان هويته، فكيف إذا كانت هذه الهوية هي الإسلام وإذا كانت تلك القيم هي القيم الإلهية والعروة الوثقى التي لا هداية بعدها ولا خير في سواها! فكيف يتخلى الإنسان عن هداه: ﴿ذّلٌكّ لاًكٌتّابٍ لا رّيًبّ فٌيهٌ
هٍدْى لٌَلًمٍتَّقٌينّ﴾38.
ليتمسك بتقاليد مجتمعات وعادات اثبتت فشلها وانحطاطها وجرّت المجتمعات نحو الويلات على المستوى الأمني والأخلاقي.
ولشدة خطورة فقدان الهوية رفض الإسلام تقليد الاخرين حتى في أصغر الأمور، وحتى على مستوى الشكل فضلا عن المضمون. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: «غيّروا الشيب ولا تشبهوا باليهود والنصارى»39.
وعنه صلى الله عليه وآله: «وقلموا الاظفار ولا تشبهوا باليهود»40.
وفي رواية ثالثة عنه صلى الله عليه وآله: «اكنسوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود»41.
فلاحظ كيف أنه صلى الله عليه وآله يؤكد على ضرورة تربية المجتمع على عدم تقليد الغير والتشبه بهم. والخطورة في هذا التشبه هو تضييع الهوية كما يظهر من الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: حيث سئل عن قول الرسول صلى الله عليه وآله: «غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود».
فقال عليه السلام: «إنما قال صلى الله عليه وآله ذلك والدين قل، فأما الان وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار»42.
يعني المشكلة ليست في تغيير الشيب وعدمه، وإنما المشكلة في التشبه باليهود، فإذا كان التشبه حاصلاً فابتعدوا عنه حتى لو كان في الأمور التي لا مانع منها في نفسها.
يقول الإمام الخامنئي قدس سرهم: «الهجوم الثقافي الأكبر هو أنهم طوال السنوات المتمادية لقنوا الذهن... وعقائده أننا عاجزون وعلينا أن نتبع الغرب وأوروبا، وهذا هو الهجوم الثقافي، إنهم لا يدعوننا نثق بقدراتنا».
هذا في الأمور غير المحرمة، فكيف بالتقليد الذي يتعلق بالأمور المحرمة شرعاً والتي تخالف الإسلام وشرعه بل وتعتبر من الكبائر التي تفقد الإنسان التزامه وتجعله خاسراً لاخرته ومصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (2) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (3)
إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (4)﴾.
وفي هذا الإطار يجب أن نميّز بين الاستفادة من العلم والتقليد، فالعلم طريدة المؤمن أينما كان، وكما عن علي عليه السلام: «العلم ضالة المؤمن»43.
ولكن اكتساب العلم لا يعني التقليد كما يؤكد الإمام الخامنئي قدس سرهم حيث يقول: «الأوروبيون لديهم إلى ما شاء الله أعمال خاطئة وسلوك قبيح ؛ لماذا علينا أن نتعلم منهم هذه الأعمال؟... نحن مسلمون وعلينا أن نبقى مسلمين، هم لديهم علم أكثر منا، جيد، نذهب ونتعلم علمهم ولكن لماذا علينا أن نتعلم العادات والثقافة والسلوك واداب المعاشرة منهم؟ ما هذا المنطق الخطأ؟... لماذا نقلدهم في ثيابهم وسلوكهم واداب معاشرتهم وكلامهم وحتى لهجتهم؟ هذا ضعف نفس وشعور بالحقارة، لماذا عليّ أن اشعر بالحقارة... أنا أفتخر بلغتي، أنا أفتخر بثقافتي، أنا أفتخر بوطني وبلدي وتاريخي، لماذا علي أن أقلدهم؟».
إن الحياء مطلوب من الإنسان بشكل عام، ولكنه مطلوب من النساء بشكل اكد.لا بد للإنسان الملتزم أن يستحي:
1- من الله تعالى.
2- من النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام .
3- من الملائكة أي الذين يكتبون الحسنات والسيئات.
4- من الناس.
5- من النفس.

تشير الروايات إلى أن على الإنسان أن يستحي من ارتكاب المعاصي، لأن الذي يستحي من الله تعالى لا يمكن أن يعصيه وهو ينظر إليه، وكذلك الذي يستحي من النبي صلى الله عليه وآله لا يمكن أن يقع في المعصية وهو يعلم أن معصيته هذه ستعرض على النبي صلى الله عليه وآله .
إن العفة سبب في ترك المعاصي والقرب من الله تعالى وتجعل سلوك الإنسان منصباً نحو طاعة الله تعالى.
من اثار العفة:
1- الصبر على الشهوة.
2- الزهد في الدنيا ومتاعها.

متعلقات العفة:
العفة عن إظهار الحاجة المادية، العفة في تشديد الحجاب، العفة عن الشهوة ، العفة عن أكل الحرام.
من منافيات العفة:
1- التشبّه بالرجال.
2- تقليد الغرب.