وشي بالامام علي الهادي ( ع) الامام العاشر لاهل البيت الى الملك العباسي المتوكل , بان في منزله كتبا وسلاحا , و انه عازم بالوثوب بالدولة, فبعث اليه جماعة من من الاتراك , فهاجموا داره ليلا فلم يجدوا فيها شيئا, ووجدوه في بيت مغلق عليه , وعليه مدرعة من صوف وهو جالس على الرمل والحصى , وهو متوجه الـى اللّه تـعـالـى يتلو آيات من القرآن , فحمل على حاله تلك الى المتوكل وقالوا له : لم نجد في بيته شيئا, ووجدناه يقرا القرآن مستقبل القبلة , و كان المتوكل جالسا في مجلس الشراب فادخل عليه و الكاس في يده , فلما رآه هابه وعظمه واجلسه الى جانبه , وناوله الكاس التي كانت في يده , فقال الامام (ع ) : ((واللّه ما خامر لحمي ودمي قط, فاعفني )) فقال له: أذن انشدني شعرا, فقال علي : ((انا قليل الرواية للشعر)) فقال : لابد من ذلك, فانشده الامام (ع):
باتوا على قلل الاجبال تحرسهم غلب الرجال فما اغنتهم القلل
واستنزلوا بعد عز من معاقلهم واودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا اين الاسرة والتيجان والحلل؟
اين الوجوه التي كانت منعمة من دونها تضرب الاستار والكلل؟
فافصح القبر عنهم، حين ساءلهم: تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طالما اكلوا دهرا وما شربوا فاصبحوا بعد طول الاكل قد اكلوا
وطالما كنزوا الاموال وادخروا فخلفوها على الاعداء وانتقلوا
اضحت منازلهم قفرا معطلة وساكنوها الى الاجداث قد رحلوا
وصوب الامام نظرة تتجلى فيها رحمة الانبياء:
سل الخليفة اذ وافت منيته اين الحماة واين الخيل والخول؟
اين الرماة اما تحمى باسهمهم لما اتتك سهام الموت تنتقل؟
اين الكماة اما حاموا اما اغتضبوا اين الجيوش التي تحمى بها الدول؟
هيهات ما نفعوا شيئا وما دفعوا عنك المنية ان وافى بك الاجل
فكيف يرجو دوام العيش متصلا من روحه بحبال الموت تتصل؟
ان السؤال الغامض عن الموت. وتحول العرش الى شاهدة قبر بائس، حيث يرقد الانسان بعد ضجيج السنين تحت التراب.. ويستحيل القبر الى ميدان تتصارع فيه الديدان... ويسال الراقد الذي يمتصه التراب وينهشه الدود، ولكن السؤال يبقىمن دون جواب. لم يعد هناك من فرق بين ملك و عبد و بين اسود و ابيض , ان جماجم الملوك عارية من التيجان.. والخدود المتوردة هي الان جزء من التراب الذي يلف جماجم الملوك النخرة. وتستحيل القبور الى عالم صمت... فالعالم فوق التراب يضج بالحياة.. والاشياء التي كانت في قبضة الملوك الموتى هي الان
في قبضة الاخرين.. القصور يسكنها الاخرون، والاموال في ايدي الاخرين.. انها
حركة الاجيال تصاعد من التراب، وتعود اليه ولو بعدحين.
تلك حكاية القرون.. القرون التي مضت.. فالانسان مهما ملا الدنيا ضجيجا له موعد يوما ما مع نومة في التراب.. مهما طغى و دمر و ساند رفاقه من الطغاة و مولهم بالاموال و اضطهد الاقليات من شعبه و كان ذا انف مترفع عن بقية عباد الله ! فلابد ان ياتي يوما لا يستطيع ان يدفع عن نفسه الدود الذي سينخر انوف الملوك و يحيلها
الى تراب؟