بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
ينبغي للمجاهد أن يخلو قلبه من بعض الأمور التي تحرمه من ثواب الجهاد أو تمنع من تحقيق الهدف السامي، والمصلحة التي توخاها الشرع الأقدس من هذه الفريضة العبادية المباركة...
وسنذكر بعض الأمور النفسية التي ينبغي على المجاهد الحذر منها وهي العجب بالنفس، والكسل، والعصبية بكل أشكالها...
1- العجب بالنفس‏
إن من المفاسد الخلقية التي أكد أهل بيت العصمة والطهارة عليه السلام على لزوم خلوّ النفس منها الإعجاب بالنفس وبأفعالها بغض النظر عن كونها إيجابية أو سلبية، وإن كان بعض أهل الذنوب يعجب حتى بما يحمله من الطباع السخيفة والسقيمة...


فقد ورد في كتاب الإمام علي عليه السلام للأشتر لما ولاه مصر: إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين1.
أي أن الشيطان يكون متأكداً من قدراته وواثقاً من نفسه بإمكانية إضلال المعجب بنفسه.
وفي حديث آخر: سأل موسى بن عمران على نبينا وآله وعليه السلام الشيطان: أَخبرْنِي بِالْذَّنْبِ الَّذي إِذَا ارتَكَبَهُ ابنُ آدَم إِسْتَحْوَذتَ عَلَيه، قال: إِذا أَعْجَبَتْهُ نَفْسُه، واسْتكْثَر عَمَلَهُ، وَصَغُر فِي عَيْنِه ذَنْبُه2.
منشأ العجب بالنفس‏
يقول الإمام الخميني قدس سره في "الأربعون حديثاً":
إعلم أن رذيلة العُجب تنشأ من حب النفس، لأن الإنسان مفطور على حب الذات، فيكون أساس جميع الأخطاء والمعاصي الإنسانية والرذائل الأخلاقية، حب النفس. ولهذا فإن الإنسان يرى أعماله الصغيرة كبيرة، وبذلك يرى نفسه من الصالحين ومن خاصة الله، ويرى نفسه مستحقاً للثناء ومستوجباً للمدح على تلك الأعمال الحقيرة التافهة، بل ويحدث أحياناً أن تلوح لنظره قبائح أعماله حسنة وإذا ما رأى من غيره أعمالاً أفضل وأعظم من أعماله فلا يعيرها أهمية، ويصف أعمال الناس الصالحة بالقبح، وأعماله السيئة


القبيحة بالحسنة. يسيى‏ء الظن بخلق الله ولكنه يحسن الظن بنفسه، وبسبب حبه لنفسه يرى بعمله الصغير الممزوج بآلاف القذارات المبعدة عن الله، أن الله مدين له وأنّه يستوجب الرحمة3.
العجب مضيّع للحسنات‏
عن الإمام الصادق عليه السلام: قال الله لداود عليه السلام: يا داود، أنذر الصدّيقين ألا يعجبوا بأعمالهم فإنه ليس عبد أنصبه للحساب إلا هلك4.
وذلك لأن الإنسان مهما يحاول أن يؤدي حق الله بلزوم طاعته فإنه يبقى مقصراً بل لا يفي حق شكر نعمة الوجود التي منّ بها عليه، فكيف ينجو يوم القيامة بعمل ممزوج بالعجب وليس خالصاً لوجهه الكريم؟!
ولذلك كانت السيئة التي يرتكبها الإنسان جاهلا، والتي تترتب آثارها عليه خيراً من عمله الحسن الممزوج بالعجب لأن الله تعالى لا يريد من الإنسان مجرد العمل، بل العمل الذي يقربه إليه؛ ففي الحديث عن الإمام علي عليه السلام: سيئة تسوؤك خير عند الله من حسنة تعجبك5.
وهذه كناية عن شدة مبغوضية العجب بالنفس والعمل الممزوج به.
فعلى المجاهد في سبيل الله أن لا يضيع أجر جهاده بأن يرى نفسه قد قدمت غاية الطاعة لله عز وجل، بل يرى التقصير ماثلا بين عينيه

مهما علت همته في جهاد العدو، وتحلى به من شجاعة يقصر البيان عن وصفها، إذ من الشائن أن يضيع هذا الأجر العظيم بلحظة لا يرى الإنسان فيها سوى نفسه.
2- الكسل‏
يعتبر الكسل من الآفات النفسية التي تمنع الإنسان من التقدم والتفوق في إنجاز المشاريع التي يرجى منها النفع لنفسه، وللمجتمع.
ويكفي في قبح الكسل عدم رضا أي من الناس أن يوصف به، وقد نهى الإسلامُ المؤمنَ من أن يكون كسولاً في أموره؛ ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي إياك وخصلتين: الضجر والكسل فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق، وإن كسلت لم تؤد حقاً6.
أما في الجهاد فلا ينبغي الكسل أبدا لأنّ له من المساوئ ما لا يعد ولا يحصى منها، وما قد يترتب عليه من خرق لحصون المجاهدين، أو ضعف في تحصينها وغير ذلك من المفاسد.
والكسل تارة يكون عن أمور الدنيا وقد تقدم الحديث عن مساوئه، وفي الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: إني لأبغض الرجل أن يكون كسلانا عن أمر دنياه، ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل7.
وتارة يكون عن أمر الآخرة وهو الأخطر على روحية الإنسان المؤمن.
الكسل عن أمور الآخرة:
إن تهاون الإنسان بأمور آخرته وعدم التنبه لقرب الأجل، غرور في غير محله لأن الإنسان لا يدري متى تأتيه المنية ولا سيما المجاهد في سبيل الله الذي هو أقرب وأكثر عرضة من غيره للقتل، فينبغي عليه أن لا يتّبع تسويفات نفسه ويؤجل التقرب من الله بكل جهده؛ فقد ورد في الحديث عن الإمام علي عليه السلام: إن من أبغض الرجال إلى الله تعالى لعبداً وكله الله إلى نفسه، جائراً عن قصد السبيل، سائراً بغير دليل، إن دعي إلى حرث الدنيا عمل وإن دعي إلى حرث الآخرة كسل8.
فحتى لا نكون من المبغوضين عند الله عز وجل فعلينا المثابرة والنشاط بكل ما يسعنا للتقرب منه سبحانه وتعالى ونرغب فيما لديه كما تقول الرواية عن الإمام علي عليه السلام: المؤمن يرغب فيما يبقى، ويزهد فيما يفنى... بعيد كسله دائم نشاطه9.


3- العصبية
ويطلق عليها القومية تارة والطائفية، أو المذهبية أو العائلية تارة أخرى، والمقصود منها مجرد التعصب لا لأجل الحق، بل لمجرد القربى، أو الإنتماء، وقد ذمّها الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال:
﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾10.
إذ كان بعض أهل البدو ممن لم يعرفوا التدين وأحكام الإسلام يعتقدون بفضل العرب على غيرهم وغير ذلك من المفاهيم الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وقد نهى الرسول الأكرم وأهل البيت عليه السلام عن هذا النوع من الإنحراف الفكري في الكثير من الروايات التي غلّظت بالقول على من يعتقد بهذا اللون من الفكر، حيث ورد عن رسول الله: من تعصّب أو تُعصّب له فقد خلع ربق الإيمان من عنقه11.
وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم: من كان في قلبه حبة خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية12.



منشأ العصبية
يقول الإمام الخميني قدس سره مشيراً إلى منشأ العصبية: فاعلم أيها العزيز أن هذه الخصلة الخبيثة من الشيطان، وأنها من مغالطات ذلك الملعون ومعاييره الباطلة. إنه يغالط عن طريق هذا الحجاب السميك الذي يخفي عن النظر كل الحقائق، بل يظهر رذائل النفس كلّها محاسن، وجميع محاسن الآخرين رذائل، من الواضح أنه كيف يكون مصير الإِنسان الذي يرى جميع الأشياء على غير حقيقتها وواقعيتها13.
أما لماذا كان منشأ هذه الخصلة من الشيطان، فلأن الشيطان كان أول من استعمل العصبية من الكائنات ففي الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: إِنّ‏َ المَلائكَة كانُوا يَحْسَبُونَ أنّ‏َ إِبْليسَ منْهُمْ وَكانَ في عِلْم اللهِ أنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ فَاسْتَخْرَجَ ما فِي نَفْسِهِ بالحَمِيَّةِ وَالغَضَبِ، فقال: خَلَقْتَني مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طينٍ14.
النظرة الإسلامية
إن الإسلام يريد من الإنسان أن يحكم على الأمور من خلال العقل، ولذا نهى عن التعصب الأعمى الذي لا يريك المساوئ، حتى تستطيع من خلال إصلاحها أن تصلح نفسك وأمتك ومجتمعك فإنه لا يعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله.



----------------------------

هوامش

1- نهج البلاغة، الكتاب 53.
2- الكافي، ج‏2، الحديث الثامن.
3- الأربعون حديثاً، الحديث الثالث.
4- الكافي، ج‏2، ص‏314.
5- نهج البلاغة، الحكمة 46.
6- من لا يحضره الفقيه، ج‏4، ص‏355.
7- الكافي، ج‏5، ص‏85.
8- نهج البلاغة، الخطبة 103.
9- بحار الأنوار، ج‏78، ص‏26.
10- سورة الفتح، الآية: 26.
11- الكافي، ج‏2، ص‏308.
12- الكافي، ج‏2، ص‏308.
13- الأربعون حديثاً، الحديث الثامن.
14- الكافي، ج‏2، كتاب الإيمان والكفر باب العصبية.