من أهل الدار
المستغاب بك يا بن ا
تاريخ التسجيل: October-2013
الدولة: بغداد
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,461 المواضيع: 799
صوتيات:
0
سوالف عراقية:
1
مزاجي: جيد
أكلتي المفضلة: خبز وبصل
موبايلي: A50 كلاكسي
آخر نشاط: 5/May/2024
"ومن كان عاقلا كان له دين ومن كان له دين دخل الجنة" الإمام الصادق (ع) الاعتدال والا
|
"ومن كان عاقلا كان له دين ومن كان له دين دخل الجنة" الإمام الصادق (ع) الاعتدال والانحراف
الغرائز قوى فطرية تسوق إرادة الحيوان إلى العمل، وتظهر في الإنسان على أشكال ميول ورغبات، ولذلك فالخلق النفسي مدين في وجودة للغريزة قبل أن يكون مديناً للعادة (لأن الغريزة هي الدافع الأول إلى إيجاد العمل. والعادة هي الدافع الثاني إلى تكراره ) والغريزة تبذر الخلق في النفس لتنمية العادة، والغريزة تعين الغاية التي تتوجه إليها الإرادة ثم. تتبعها العادة ويتكون الخلق.
من الواضح أن الناس مختلفون في إتباع ميول الغريزة فإن بعضهم يتبعها بأعماله إلى حد الإفراط، وبعضهم يتجافى عنها إلى حد التفريط، فإذا تكرر العمل من هؤلاء وهؤلاء نشأت لهم عادات منحرفة وأكسبتهم العادات أخلاقاً غير مستقيمة.
وفريق من الناس يعتدلون في إتباع هذه الميول فتنشأ لهم العادات المعتدلة، ويكتسبون منها الأخلاق السوية. ومن البين أيضاً أن هذه الغرائز لم تجعل في الإنسان ليتبعها في كل ما تأمر وتنهى، ولو كان الأمر كذلك لم يرتفع الإنسان عن درجة الحيوان، ولا ليزهد فيها كما يزهد في الشيء التافه؛ لأنها أودعت فيه لضرورات يقتضيها بقاؤه وبقاء نوعه، وإذن فالأعمال التي يتجاوز بها الناس حد الاستواء أعمال غير صالحة، والأخلاق التي يكتسبونها من تكرار هذه الأعمال أخلاق غير صحيحة، وإذن فأمراض الأخلاق انحرافات، وصحتها استقامة وتوازن، وبعد الخلق الفاسد عن الصحة بمقدار انحرافه عن التوازن العادل,
ويرى القدماء من علماء الأخلاق أن للإنسان قوى أربعاً، يسمونها بالصورة الباطنة للإنسان على قياس الصورة الظاهرة وهذه القوى هي قوة العقل، وقوة العمل، وقوة الشهرة، وقوة الغضب. ويقولون إن هذه القوى هي أصول الأخلاق عليها تفرع، وإليها تنسب فبإعتدال كل واحدة من هذه القوى تحصل إحدى الفضائل الأربع التي يسمونها أمهات الفضائل أو الفضائل الرئيسية، ويقابل كل واحدة من هذه الفضائل رذيلتان تنشئان من انحراف القوة إلى طرف الإفراط أو إلى حد التفريط. ولا يحصل هذا الشذوذ إِلا إذا ضعفت سيطرة العقل على القوى وقصر نفوذه عن إرادة الحكم.
يشذ بعض القوى حينذاك ويثور به الطمع ولكنه لا يستطيع أن يصل إلى غايته إلا إذا استخدام قوة العمل؛ وهو بعد جاهل بأسباب النجاح؛ فهو محتاج إلى مرشد يمهد له الطريق ويرفع دون غايته الحواجز. وقوة العقل لا تمديداً لمساعدة ظالم ولا تعين مستأثراً على بلوغ أهدافه مهما بلغ بها الضعف؛ ومهما بلغت بذلك المستأثر القوة. إلا ان يعود العقل حمقاً، وينقلب العلم جهلاً.
وإذن فليس لتلك القوة المتطرفة غير قوة الوهم التي تخلق الحيل وتستنبط الأعذار[26][27][17] فتستعين بها على إخضاع قوة العمل ويتم لها ما تريد.
أما العقل فهو يرصد هذه الفوضى بعين الناقد النزيه. يحفزه رشده على الوثبة، ويقعد به ضعفه عن الاصطدام بقوة لا قبل له بها؛ ثم يلجئُهُ الموقف إلى السكوت؛ ولا بد للضعيف ان يخفت صوته أمام القوة فتشذ الأخلاق ثم تشذ وتسقط النفس في صفاتها ثم تسقط وتذهب في سقوطها إلى حد بعيد.
ولضعف القوى أثر في جفاء الأخلاق؛ وسقوط الملكات لا يقل خطراً عن أثر الإفراط في القوة.
يقف بالضعيف شعوره بالنقص، ويقعد به عن بلوغ حظه من الكمال. وليت الضعف يقف به عند هذا الحد، ولكن الإنصاف غير منتظر من عدو غادر، سيتناهى به إلى أبعد حد، ويستولي عليه الشعور بالنقص حتى تأنس به نفسه، وحتى تتوهم ان لها من الضعف قوة، ومن النقص كمالاً وتنطبع الحالة فيها ملكات.
وقد يحصل التوازن العادل في القوى فيتولد منه الاعتدال في الأخلاق والعدالة في النفس، وإنما يتكون هذا التوازن إذا عمت سلطة العقل على الغرائز، وأذعنت لحكمه جامحات القوى، فيتسلم زمام التدبير، ويستقل بإرادة الحكم. وللعقل في تدبير هذه المملكة الصغيرة أنظمة قد يخطئها مدير مملكة واسعة. وليس للعقل وراء هذه القوى والغرائز جنود أخرى يخضع بها الجائر ويهدئ بها الثائر، ولكنه بحكمته يضرب بعض القوى ببعض ،فيضع الشهوة بالغضب ويكسر الغضب بالشهوة ويستعين على ذلك بنواميس الشرع وتقاليد العرف.
تسكن الفوضى وينقاد الصعب ويتقوى الضعيف ويتماثل المريض بفضل الحكمة والإرشاد وبتدبير الحاكم المصلح ،ويعم التوازن العادل بين الحاكم وأفراد الرعية فلا طمع ولا استئثار.
هذه هي الحكومة المثالية والعادلة، والعدالة الخلقية بأسمى معانيها والفضيلة الكبرى التي ترسم للإنسان طرق الفضائل الفرعية، وذلك هو الدين الذي يقول عنه الإمام الصادق (ع): " من كان عاقلا كان له دين دخل الجنة "[27][18]أجل من كان عاقلا كان له دين، وهل الدين غير التوازن في الأخلاق، والأعمال والعقائد؟ وهل العقل إلا رائد الخير ودليل السعادة؟
ويقول في كلمة أخرى: (أكمل الناس عقلاً أحسنهم خلقاً)[28][19]وفي كلمة ثالثة: (العقل دليل المؤمن)[29][20]على ان الإمام الصادق (ع) يجري في تقسيم الأخلاق مجرى آخر. فيرى ان الفضيلة الكبرى هي العقل، وان جميع الفضائل الأخرى متفرعة منه يسقيها من ينبوعه ويمدها من حكمته، وان الرذيلة الأولى هي الجهل، وبقية الرذائل فروع منه ولذلك فهو يقول في حديث طويل: (اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده تهتدوا)[30][21]ثم يعيد الأخلاق السامية في جنود العقل، والصفات الوضيعة في جنود الجهل.
وهو يريد من العقل الكامل الذي لم تخف به كفة التوازن إلى حد التفريط، ولم تتعد به إلى حد الإفراط. وهو الذي يقول عنه في الحديث المتقدم: (من كان عاقلاً كان له دين)، وفي الحديث سيأتي: (وهو ما عبد به الرحمن وأكتسب به الجنان)[31][22]ويريد من الجهل ما يقابل هذا العقل المتوازن.
|