الزنكيون
الزنكيون
حكم الزنكيون أو بنو زنكي في شمال سوريا و العراق مابين 1127-1174 م (في الموصل حتى 1262 م). كانت عاصمتهم الأولى حلب، ثم دمشق منذ 1154 م.
مؤسس السلالة آقسنقر، كان من الجنود المماليك للسلاجقة. كان أتابكا (قائد عسكرى) على حلب من قبل القائد السلجوقي تتش. أصبح ابنه عماد الدين زنكي (1127-1146 م) واليا على العراق، تمكن بعدها من غزو الموصل (1127 م)، حلب (1128 م) و مدن أخرى في الشام. بفضل سياسته الحكيمة و حملاته الناجحة ضد الإمارات الصليبية في الشام، استطاع أن يحكم قبضته على كامل العراق و أجزاء مهمة من الشام. خلفه ابنه نور الدين (1146-1174 م) في بلاد الشام، تمكن من الإستيلاء على دمشق (1154 م). بعد وفاة أخيه سيف الدبن (1146-1149 م) ضم بلاد العراق إلى دولته. اتخذ من الموصل عاصمة له. استمر هذا الفرع حتى 1262 م.
قاد نور الدين زنكي دولة بنى زنكي إلى أوجها، تميز عهده بتطور حركة العمران و ازدهار اقتصاد الدولة. تمكن من أن يمد حدوده حتى مصر، حيث قضى قائده صلاح الدين على الخلافة الفاطمية فيها. سنة 1174 م أنهى صلاح الدين و الأيوبيون حكم ابنه اسماعيل و برز هؤلاء إلى الواجهة بعد أن كانوا في خدمة الزنكيين.
قامت فروع عديد للعائلة كتلك التي في سنجار (1170-1220 م) و الجزيرة (1180-1250 م)، قضى عليها الأيوبيون جميعا. استمر فرع الموصل حتى 1262 م و أنهى الإلخانات وجودهم نهائيا.
دولة آل زنكى
تعد دولة آل زنكى من أقوى الدول الإسلامية التى ظهرت خلال القرن السادس الهجرى، فقد واجهت خطر الصليبين وحققت عليهم انتصارات كثيرة مهدت لرحيلهم النهائى عن ديار الإسلام بعد ذلك. وكان أمراء آل زنكى حتى وفاة نور الدين محمود على درجة كبيرة من الحماسة للإسلام والإخلاص له والجهاد فى سبيله، ولم تكن لهم أطماع فيما جاورهم من الدول الإسلامية؛ إلا أنهم ضموا إليهم بعض الإمارات الصغيرة بهدف توحيد بلاد الشام لمواجهة خطر الصليبين . ولقد أسهب المؤرخون فى وصف شخصية عماد الدين زنكى وابنه نور الدين محمود ، وما قدماه من نموذج طيب فى الجهاد والتضحية والدفاع عن أراضى المسلمين. ورغم انشغال آل زنكى فى معارك مستمرة مع الصليبيين إلا أنهم لم ينسوا الاهتمام بالإصلاحات الداخلية فى الدولة، وكان منها على سبيل المثال: توسع نور الدين محمود فى إنشاء المدارس والمساجد فى كل أنحاء الدولة، والتى كان لها أثر كبير فى نشر العلوم الإسلامية فى ذلك العصر. وكان نور الدين محمود يجتمع بعامة الشعب ويدرس أحوالهم ومشاكلهم، بل قام بإزالة المكوس والضرائب الزائدة عن الحدّ. وتوسع نور الدين كذلك فى إنشاء البيمارستانات -المستشفيات-وأنشأ نور الدين كذلك دارًا للعدل يجلس فيها بنفسه لسماع شكاوى الناس ضد رجال الدولة. وكان نور الدين يعتمد على مجموعة خيرة من المستشارين من القضاة والعلماء، وإلى جانب ذلك كان من أبرز قادته العسكريين آل أيوب، وهم نجم الدين أيوب وأخوه أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين بن يوسف الأيوبى .
نشأتها
(521هـ-576هـ) - مؤسس دولة آل زنكى هو عماد الدين بن آق سنقر الملقب بآل زنكى، ظل عماد الدين وفيًا للدولة السلجوقية التى نشأ فى ربوعها، وتولى والده آق سنقر فى ظلها ولاية حلب إلى أن قتل عام (487هـ). - عاش عماد الدين فى الموصل ، وكان مقربًا من ولاتها، خاصة الأمير آق سنقر البرسقى الذى انضم إليه فى عام (507هـ) وكان آق سنقر يقاتل الصليبين ومعه عماد الدين الذى أبلى بلاءً حسنًا، فطلب السلطان محمد السلجوقى من والى الموصل تقديم عماد الدين واستشارته فى المهمات.
وفى عام (521هـ) قام السلطان محمد السلجوقى بتعيين عماد الدين زنكى على ولاية الموصل لمواجهة الصليبيين الذين استأسدوا بعد وفاة آق سنقر البرسقى عام (520هـ). وفى عام (522هـ) تقدم عماد الدين زنكى إلى حلب ودخلها. وكان عماد الدين زنكى يريد توحيد بلاد الشام التى كانت موزعة على مجموعة أمراء، وذلك بهدف مواجهة خطر الصليبيين من منطلق القوة، فضم إليه جزيرة ابن عمران عام (521هـ)، وحلب عام (522هـ)، وسنجار والخابور وحران عام ( 523هـ)، وأربيل عام (526هـ)، والرقة وحماة سنة (529هـ)، وضرب الحصار على مدينة دمشق فى السنة نفسها. وكان الصليبيون فى عام (529هـ) يقاسمون سكان حلب ضواحى المدينة الغربية، ويقومون بغارات دائمة عليهم من خلال حصن الأثارب، فاتجه عماد الدين زنكى إلى ذلك الحصن وحاصره؛ فاتجه الصليبييون نحوه بقوات كبيرة، فترك عماد الدين حصار الحصن والتقى بهم بعيدًا عنه فى معركة كبيرة انتصر فيها المسلمون وأسروا عددًا كبيرًا من الصليبين. وبعد ذلك وفى العام نفسه اتجه عماد الدين إلى الحصن-الأثارب- وفتحه عنوة، وفتح كذلك معرة النعمان وكفر طاب.
- وفى عام (531هـ) حاصر عماد الدين مدينة حمص فاتجه نحوه الصليبيون بحشود كبيرة يقودها الملك "فولك" وأمير طرابلس الصليبى "ريموند" فالتقى بهم عماد الدين فى معركة كبيرة انتصر فيها المسلمون وأسروا ريموند وعددًا كبيرًا من الصليبيين. - وفى عام (539هـ) تسلم عماد الدين حصن بعرين و إمارة الرها الصليبية. - وفى عام (541هـ) قُتل عماد الدين بن زنكى وهو يحاصر قلعة جعبر على نهر الفرات . وخلفه على الموصل ابنه سيف الدين غازى ، بينما خلفه على حلب ابنه الثانى نور الدين بن محمود آل زنكى الذى سار على خطا والده واتجه إلى محاربة الصليبيين من خلال توحيد أراضى الشام. - وفى عام (545هـ) فتح نور الدين مدينة إعزاز وأسر القائد الصليبى جوسلين. - وفى (549هـ) اتجهت الحملة الصليبية الثانية نحود دمشق؛ فسارع نور الدين محمود بدخولها لينقذها من الصليبيين، وبذلك فوت عليهم الفرصة ورجعت الحملة الصليبية الثانية إلىأوروبا دون أن تحقق أهدافها. - وفى عام (550هـ) سار نور الدين إلى مدينة بعلبك ودخلها. - وفى عام (552هـ) أخذ مدينة شيرز. - وفى عام (558هـ) فاجأت القوات الصليبية المسلمين عند حصن الأكراد ؛ واضطر المسلمون إلى الانسحاب.
الصراع على مصر
وفى عام (559هـ) طمع الصليبيون فى مصر وساروا لها بأعداد كبيرة؛ فهاجمهم نور الدين محمود فى شمال مصر بينما أرسل قائده أسد الدين شيركوه إلى مصر فدخلها، وتحصن فى بلبيس بالشرقية. وكان سير المعارك كالتالى:
فى شعبان (559هـ) حاصر نور الدين حصن حازم فجمع القائد الصليبى "رينو دى سان" كل ما لديه من الجند لملاقاة نور الدين، واستعان ببعض القادة فى الإمارات المجاورة؛ فجاءه "بوهيمند" صاحب أنطاكية و"رايمون" صاحب طرابلس و"تورمى" ملك الأرمن و"قسطنطين كولومان" قائد الحامية البيزنطية . - وعندما علم نور الدين بتجمع كل هذا الحشد لملاقاته انسحب عن حصن حازم وعسكر فى أرتاح وأعد جنده وفرقه فى كمائن داخل شعاب الجبال. - وعندما هجم الصليبيون تراجع أمامهم نور الدين حتى توسطوا الكمائن؛ فانقض عليهم المسلمون فقتلوا وأسروا عددًا كبيرًا، وفر الباقون، وكان من بين الأسرى "بوهيمند" و"ريموند" و"قسطنطين" فرُبطوا فى حبل واحد وسيقوا إلى حلب . - حاصر "شاور" -الوزير الفاطمى- هو وحليفه القائد الصليبى "أمورى" صاحب إنطاكية حصن بلبيس الذى تحصن فيه أسد الدين شيركوه ومعه ابن أخيه صلاح الدين الأيوبى، واستمر الحصار ثلاثة أشهر صمد خلالها أسد الدين، ولما علم أمورى بانتصار نور الدين فى أرتاح خاف على إنطاكية فقرر العودة إليها وفك الحصار على أن يخرج منها أسد الدين شيركوه؛ فقبل نور الدين هذا. - وفى عام (562هـ) أعد نور الدين جيشًا قويًا بقيادة أسد الدين شيركوه للسير نحو مصر، وقرر هو أن يوجه ضربة جديدة للصليبيين بالشام، فسار بجيش كبير نحو "بانياس"، وأعلن أنه متجه نحو "طبرية"، فتجمع الصليبيون هناك فتركهم فيها واستولى على حصن بانياس، فدخله وحصنه بالذخيرة والعتاد والرجال . - وفى ربيع الثانى (562هـ) بدأ أسد الدين شيركوه زحفه الثانى نحو مصر، ولما علم أمورى بذلك عجَّل بالخروج لملاقاته هناك، وخف الفاطمى الخائن شاور لملاقاة القائد الصليبى أمورى وتحالف معه لمواجهة أسد الدين، وبدأ أمورى فى عبور النيل، وكان قائد المقدمة صلاح الدين الأيوبى قد تراجع قليلاً فَحَسِبَ أمورى ذلك هزيمة أو انسحابًا، واندفع بمن معه فى أثره، وهناك أطبق عليهم شيركوه بجناحى الجيش، وأوقع فيهم القتل والأسر، ولم ينج من القتل سوى أمورى وحليفه الخائن شاور بصعوبة، وسميت هذه المعركة باسم البابتين. - وفى شوال (562هـ)، وعلى الرغم من انتصار أسد الدين فى موقعة البابتين إلا أن قوات التحالف الصليبى الفاطمى كانت ما زالت تتفوق على جيشه عددًا وعُدة، فأسرع قادة التحالف إلى حصار شيركوه مرة أخرى فى الإسكندرية، وطال هذا الحصار فتعب منه الجانبان؛ وعرض أسد الدين شيركوه الانسحاب من مصر بشرط أن ينسحب الصليبيون معه أيضًا، وتم ذلك.
- وفى عام (563هـ) استولى نور الدين على حصنى صافينا والعريمة وفتح الطريق إلى بيروت. - وفى عام (564هـ) سار الصليبيون مرة أخرى نحو مصر فأسرع نور الدين بإرسال أسد الدين شيركوه وصلاح الدين فى أعقاب الجيش الصليبى الذى كان بقيادة أمورى وكان أمورى قد اختلف مع حليفه الخائن الوزير الفاطمى شاور. - وفى (6صفر564هـ) استولى أمورى على بلبيس بعد مقاومة يسيرة، وحاول شاور أن يثنى أمورى عن مصر، ولكنه لم يتمكن فاستنجد بنور الدين محمود الذى وجدها فرصة لتخليص مصر من خطر الصليبين والتخلص من شاور الخائن. - وبينما كان أمورى يتقدم نحو القاهرة ، جاءت حملة صليبية أخرى عن طريق بحيرة المنزلة ؛ ولكن المصريين أحرقوا الكثير من سفنها وعرقلوا الباقى. وتبدد أمل أمورى فى الاستيلاء على مصر بسبب هجوم الأهالى المصريين على معسكراته واصطياد رجاله، فبدأ يساوم شاور على الانسحاب مقابل مبلغ من المال. وقد أرسل السلطان الفاطمى العاضد يستنجد به كذلك، وكان نور الدين قد أعدَّ الجيش فعلاً بقيادة أسد الدين شيركوه و صلاح الدين الأيوبى ، وكان الجيش فى طريقه إلى مصر .
وفى ربيع الأول عام (564هـ) عندما علم أمورى بقدوم أسد الدين شيركوه، أسرع إلى النجاه بنفسه، وبدأ الانسحاب هو وأسطوله إلى عكا، ودخل أسد الدين شيركوه مصر دون قتال، ودخل إلى قصر الخليفة العاضد الذى رحَّب به كما رحب بهم أهل مصر جميعًا. - وقد أراد شاور الغدر بأسد الدين شيركوه وصلاح الدين الذى علم بنية شاور، فقبض عليه قبل تنفيذ مؤامرة الغدر، ثم قتله بأمر من السلطان العاضد، وأقيم أسد الدين شيركوه وزيرًا بدل شاور، وبذلك أصبحت مصر تابعة لنور الدين محمود ودولة آل زنكى، وبعد وفاة شيركوه تولى الوزارة ابن أخيه صلاح الدين الأيوبى. - وفى (565هـ) اتفق الصليبيون و البيزنطيون على القيام بحملة مشتركة ضد مصر، وساروا بأسطولهم قرب دمياط، ولكن أهل دمياط مدوا سلسلة طويلة ضخمة تحول دون وصول السفن إلى المدينة، بينما وصلت إلى صلاح الدين إمدادات سريعة من نور الدين، وقام الأهالى بإحراق بعض السفن إلى جانب هطول أمطار غزيرة، وقيام نور الدين بمهاجمة أراضى مملكة بيت المقدس. كل هذه الأسباب أدت إلى فشل الحملة، وعجل الصليبيون والبيزنطيون بالرحيل. ونتيجة الحروب الطويلة لنور الدين ضد الصليبين انحصرت أملاكهم فى مملكة بيت المقدس وشريط ساحلى طويل يحيط به نور الدين من كل جانب.
وفى (569هـ) توفى نور الدين محمود وخلفه ابنه الملك الصالح إسماعيل. وبوفاة نور الدين بدأت دولة آل زنكى بالأفول شيئًا فشيئًا بسبب فساد ابنه إسماعيل، وبدأت أملاك الدولة تتوزع على أمراء آل زنكى، وهنا رأى صلاح الدين أن يستولى على هذه الأملاك حفاظًا على وحدة المسلمين، وسقطت دولة آل زنكى فى عام (576هـ) وحلَّت محلهم الدولة الأيوبية وسلطانها صلاح الدين الأيوبى الذى أكمل مسيرة الجهاد ضد الصليبين.