أسرار تألق جوناثان سويفت
29/01/2014 08:26
عن جامعة ييل الخاصة بولاية كنتيكت الأميركية صدرت مؤخرا سيرة جديدة عن الأديب والسياسي الإنكليزي الأيرلندي جوناثان سويفت حملت عنوان:" جوناثان سويفت: حياته وعالمه" من تأليف ليو دامروش الكاتب الأميركي والأستاذ البارز في جامعة هارفارد الذي طالعنا بداية بتقديمه لحياة سويفت الذي عاش بين القرنين السابع والثامن عشر للميلاد، مارا بطفولته وصباه وهو الفصل الأهم بين فصول سيرته، كما يقول دامروش، قبل أن ينتقل إلى مرحلة رجولته واختيار السياسة مع الأدب لتحقيق طموحاته التي حلم بها صغيرا والذي تحقق منها جانب الكتابة ليتحفنا بقصته الخالدة" رحلات جاليفر".
ولتحقيق الخلود الأدبي الحقيقي، لايوجد شيء أعظم من تأليف كتاب للأطفال يحوز على كل هذا الحب كما حازه هذا الكتاب، منذ صدوره العام 1726 وأصبح جزءا من ثقافة مشتركة لمرحلتي الطفولة والشباب، علقت فيها صورة جاليفر الفتى الذي كاد يوشك على الغرق يصحو بعدها ليجد نفسه ممددا فوق شاطئ غريب يحيط به عدد لايحصى من الرجال لايتعدى طولهم ست بوصات ليأخذنا معه في مغامرة لاتنسى، حيث يفاجئ بمكان آخر سكانه من العمالقة، هذه الشخصية الطريفة علق من خلالها في المخيلة هذان النوعان اللذان ارتبط بهما جاليفر، كما ارتبط بروبنسون كروز واكتشافه لآثار في الرمال تبين له بعدها أنها لبشر مثله يعيش على جزيرته الموحشة، أو توم سوير ودهان السياج الذي عرف من خلاله قيمة العمل، أوأليس التي دخلت إلى غابة مسحورة ضمت بلادا عجيبة فتصورت انها قد أصيبت بالجنون لامحالة.
ومع كل النجاح الذي حظيت به الرحلات، كان للكاتب والناقد الإنكليزي صموئيل جونسون الذي عايش فترة ظهورها رأي مغاير عنها قد لايعجب الكثيرين من محبيها، فهو لم يعجبه سويفت في تصويره لأحداثها خاصة في رحلة عودة جاليفر الرابعة والأخيرة حينما يذهب بخياله بعيدا ليصور أولئك المتوحشين ذوي الأشكال البشرية المثيرين للإشمئزاز، كما يقول، وأظن ان قلة من القراء يشاطرونه رأيه هذا، بينما الكثير منهم سوف تعجبهم حياته وعالمه كما قدمها دامروش البارع في كتابة السير الذاتية الذي قدم من قبل" سيرة حرجة واستثنائية لجان جاك روسو" ، فالكثير من حياة سويفت لايزال الغموض مخيما عليها وهناك حالة من عدم اليقين تجاهها بسبب أن جزءا كبيرا من الوثائق المتعلقة بها خاصة سنوات طفولته الأولى مفقودة أو شابها بعض التحريف، والعثور عليها يتطلب بحثا دقيقا في الأرشيف الحكومي والجامعات والصحف، وهذا ما جعل من مؤلفه يقضي الأيام والشهور في بحث دائم حتى أخرجها بالصورة التي ستعجب قارئها حتما،
وكما يعلم الجميع أن سويفت حقق انتشارا واسعا على صعيد الكتابة بسبب سخرياته التي تبدو في بعض الأحيان جزءا من حياته أيضا كما هو طبع الايرلنديين، ففي بعض كتاباته تلك اقترح على الفقراء الذين يتضورون جوعا في ايرلندا بيع أطفالهم إلى العوائل الإنكليزية لأنهم يصنعون أشهى الأطباق .
يخصص دامروش جزءا كبيرا أيضا من سيرته عن سويفت لانتماءاته السياسية التي بدأ بها يمينيا ثم تحول إلى حزب المحافظين الذي قال عنه روبرت هارلي السياسي الإنكليزي حينها: انه يسعى إلى الدعاية ويحب الإطراء والمديح ومغرور بدرجة كبيرة ومحاولا التقرب من الطبقة الحاكمة بإنكلترا بشتى الوسائل، لكن الذي بقي منه هو أدبه الذي شكل في نهاية المطاف قيمة عظيمة للأدب الإنكليزي بتفرده إسلوبا يمزج بين الوضوح والقوة وخفة دم تمثلت بسخرياته من المجتمع الذي كان يحيط به، عن هذا الجانب تحدث سومرست موم ذات مرة قائلا:
- لا أستطيع أن أتخيل ان اللغة الإنكليزية يمكن أن تكون بافضل حال لولا أن ساق لها القدر سويفت ليضفي عليها كل هذه العبارات الرائعة أو الصور البلاغية الجميلة والنثر المتحضر، لقد كان دائما على حق وهو يضع تعابيره في مكانها المناسب.
في الصفحات الأخيرة من السيرة يذكر دامروش أن سويفت كان يعلن لأصدقائه أنه سوف يموت بسبب ما كان يعانيه من دوار وغثيان شديدين، وكان يقول لهم بغضب ممزوج بالسخرية انه يشبه فأرا مسموما يهرول وسط حفرة بانتظار الموت .
رد مع اقتباس
