نظرية التطور من وجهة نظر عربية
مسابقة أيام الإنترنت العربي
شادي محمد رمزي عبد الحافظ
“العالم كما خلقناه هو نتيجة لعملية تفكيرنا, لن نتمكن من تغييره إذا لم نتمكن من تغيير طرق تفكيرنا” – ألبرت أينشتين
” الناس لا يحبون التفكير, لو أن أحدهم فكر فسوف يؤدي التفكير حتما إلى نتائج, و النتائج غير محببة دائما” – هيللين كيللر
نظرية التطور هي واحد من الموضوعات التي تثير جدل كبير بين الشباب العربي, و ذلك هو
سبب اختياري لكتابة موضوع عنها, حيث قد يصل الأمر – عند التعامل مع النظرية – إلى أفكار تكفيرية تجاه مؤيدي النظرية , و في المقابل عملية “تجهيل” تام لمعارضيها, بينما المشكلة الرئيسية التي تواجهنا مع نظرية التطور ليست في النظرية نفسها, و لكنها في أسلوبنا – كمجتمع عربي – في التفكير, خلال السطور القليلة القادمة سوف أحاول – صديقي القارئ – أن أعرض عليك بعض النقاط الهامة التي تمكنك من الدخول للنظرية الشائكة, ثم بعد ذلك يمكنك أن ترسم طريقك بيديك.
هل تعتقد فعلا أنه لنظرية التطور أي دور في الصراع القائم بين الجبهتين؟
يمكن القول أن جموع المتناقشين في النظرية لا تعرف حتى أبسط الأساسات فيها كـ “السلف المشترك”, “الانتخاب الطبيعي”, “الطفرة”, إنهم غالباً لا يعرفون ما الذي تعنيه كلمة هامة مثل: “حفرية”, ذلك لأن المشكلة ليست في النظرية نفسها كما أسلفنا, و لكن في اعتقاد كل من المؤيدين و المعارضين أن (العلم= التطور صواب) و أن ( الدين= التطور خطأ), و اتخاذ ذلك كقاعدة يمكن الركون إليها هو ما يمكنه فعلا قتل فكرة “العلم Science” كما تعرفها القواميس العالمية لنرسخ في العقل العربي تعريف آخر بسيط “العلم: هو مصطلح ابتكروه لضرب الدين”, و ذلك ما يمكن اعتباره “هراء مكتمل” لأن كل من العلم و الدين هما طريقين لرؤية الأمور و الإجابة عن الأسئلة العظيمة من نوعية “كيف جئنا؟ و لماذا” .. لا أكثر.
دعنا نسأل بعض الأسئلة الهامة لتعرف إن كنت مهتم فعلا بمعرفة الحقائق أم مهتم أكثر بتحقيق وجهة نظرك:
1- هل تعتقد أن هناك نظرية مؤامرة؟ أن هناك مصلحة مجموعة من الأشرار الذين يرتدون الأحمر و الأسود بشعر كبير غير متناسق لهم رغبة حقيقية في ضرب انتمائك لدينك من خلال الزج بنظرية التطور داخل العلم, أو بالعلم كله لعالمك؟
2- هل تعتقد أن العلماء في الوسط العلمي لهم رغبة دفينة في أن يكون التطور صحيحا؟ و أنهم يقومون بدفن كل الدلائل التي تضرب النظرية؟ و لو تمكن باحث شاب من إيجاد دلائل قوية يمكنها أن تكسر قواعد النظرية فإنه قد يتخاذل عن عرض البحث؟
3- هل تعتقد أنه لنظرية التطور دخل بموضوع “وجود الله”؟
4- هل يمكنك تقبل فكرة أن غالبية المجتمع العلمي تتعامل مع النظرية على أنها “حقائق”؟ أنا أتحدث عن ما يزيد عن 90% من العلماء هنا!
5- هل تتناقش دوما في النظرية بينما أنت لا تعرف عما تتحدث تلك النظرية ؟
إذا كانت معظم إجاباتك على الأسئلة الخمسة السابقة بـ “نعم” فأنت لا تنقد النظرية, لا علاقة لك بها و لا تتعامل معها بأي شكل ممكن من أشكال الصحة, ذلك لأنك غالبا ما تحشر مشاعرك كطرف في القضية و تنحاز لطرف ما على حساب طرف آخر, بالتالي سوف تنحاز فوراً للجوانب الوهمية التي يمكنها القضاء على تفكيرك قبل أن تبدأ فيه, سوف تتصور أن هناك مؤامرات يمكن حياكتها و أن هناك مجموعة من الرجال يجلسون الآن في مبنى الـ CIA في اجتماع مغلق للسيطرة عليك عن طريق نظرية التطور, بينما ذلك ليس صحيحاً, ليس لأنه لا يمكن حدوثه و لكن لأنه لا دليل على ذلك, كما أنه من المفترض أن الشيء الوحيد الذي يمكنك الاعتماد عليه هو تفكيرك, و سلامة منطقك في البحث , و مهما كانت المؤامرات فممكن لتفكيرك أن ينقذك فقط لو اعتمدت على المنطق السليم, لذلك لست أتعجب من روعة جملة رينيه ديكارت المشهورة” أنا أفكر إذا أنا موجود”, فوجودك أنت غير مرتبط بمبنى “البنتاجون” مثلا و لكنه مرتبط بأفكارك أنت. أن مستقل إذا كنت تفكر.
ما تفعله هو أنك تضع خط سير لرؤيتك عن النظرية, تضع الأولوية للمشاعر و الأهواء, عندئذ حتى قبل الدخول إلى نقطة التفكير, فأنت ألغيت التفكير تماما و وضعته كمرحلة هامشية يمكن تخطيها للوصول إلى نتائج مرجوة , بينما في الواقع و في الحقيقة , أنت أعمى , أنت لا ترى إلا نفسك في المرآة, نظرية التطور ليست طرفاً في صراعك مع ذاتك فرجاءا لا تجعلها كذلك !
لا يمكن للباحث عن حقائق أن يضع تصورات أو يتمنى نتائج, إنما هو فقط ينحاز للدليل ثم الدليل الذي يليه, فكرة الحياد الذاتي في التعامل مع أي قضية حياتيه هي من أعمق النقاط التي يمكن أن تجعل منك مفكراً متميزا.
تعامل مع الواقع, لا يمكن بأي حال من الأحوال التعامل مع أي بيئة عمل أخرى, إذا كان المجتمع العلمي يتعامل مع النظرية على أنها صحيحة فلا مجال لإنكار أنهم كذلك, ألبرت أينشتين و نيوتن و كوبرنيكس و جاليليو لم يصلوا إلى نظرياتهم إلا بالتعامل مع واقع الأمور , حينما قاموا بالتعامل مع النظريات القائمة بشكل محترف, درسوها و تعلموها تماما ثم قاموا بالخروج عليها مع أول دليل حقيقي, التعامل مع واقع الأمور لا يقضي بالضرورة أن تتبع التيار لكنه يعطيك القوة لأن تبدأ طريقك في البحث بهدوء و سلامة.
للعلم منهج, يبدأ بالتساؤل عن مشكلة ما ثم ينتهي لافتراضات و حلول يمكن إخضاعها للتجارب, هذا المنهج هو ما يسير عليه العلماء في البحث و التنقيب, عليك أن تتعلمه إذا كنت ترغب في البحث و التنقيب معهم أو عندما تريد نقد أسلوبهم, تقول القاعدة أن القوانين خلقت لكي تكسر, لكنها لم توضح لك الجزء الأهم, هو أنه يجب عليك تعلم تلك القوانين و احترافها قبل أن تبدأ بكسرها, ذلك هو الطريق الوحيد لكسرها.
هل قرأت كتاب”أصل الأنواع” ؟
للعلم مصادر, كتب رئيسية يمكن الحصول عليها من مصادر معتمده, تختلف تماماً عن الكتب الترويجية للنظريات المشهورة من نوعية “هل كان دارون مخطئاً” أو “مالا يعرفه دارون” أو “الكون الأنيق” أو ” الكون في قشرة جوز”, بالتأكيد يمكن لكتب كتلك أن تعطيك شكل ما من أشكا المعرفة عن النظريات العلمية لكنها بالتأكيد لا تعبر عن مصادر موثوقة, إذا كنت جادا في بحثك – فقط إذا كنت جاد – يمكنك الدخول إلى العالم الحقيقي لموضوع “العلم”
هل يمكنك تفسير عدم وجود أي حفريات للحيوانات الموجودة حاليا؟
هل يمكنك تقبل فكرة نشوء الحياة من اللاحياة؟
السؤال الأول يقف في صف النظرية بينما لا يقف السؤال الثاني في صفها, ليس لأن الإجابات حتمية و لكن لأن من سأل السؤال يمكنه أن يستميلك لتياره من خلال أسئلة كتلك, لذلك لن ينقذك من الوقوع فريسة لأي تيار سوى أسلوب تفكيرك, و طريقتك في البحث عن الحقائق , لن ينقذك سوى معلوماتك الصحيحة و الأصيلة التي يمكنك جمعها من مصادر حقيقية معروفة, إذا لم تكن مهتما, قل : لا أعرف, لا أهتم.
لم تكن رحلتنا القصيرة سوى طريقة للدخول, لطرق باب النظرية لا أكثر, أو أي نظرية علمية أخرى خاصة تلك التي سببت جدلاً, كذلك – مما سبق – يمكننا أن نستنتج أن نظرية التطور شيء, و رؤيتنا لها شيء آخر, يمكن أيضاً أن نستنتج أن نظرية التطور من وجهة نظر عربية لا علاقة لها بأفكار النظرية أو أي نظرية أخرى ,و لا بموضوعها , المجتمعات التي تعاني من الجهل يمكنها أن تتعامل مع الأمور بمنطق واحد فقط: أبيض أو أسود , الواقع الحالي لبلادنا يجعلنا أكثر سطحية في التعامل مع الأمور, الخروج من الجهل يبدأ بإدارك وجوده , نحن لا نعرف أي شيء عن نظرية التطور و لا عن أسلوب نقدها, لا يوجد – في الأساس – عنوان يمكن أن نسميه “نظرية التطور من وجهة نظر عربية” , عنوان المقال خطأ , ككل شيء آخر من حولنا في بلادنا !