أخذت ساعات عقد القران تقترب أكثر فأكثرفصارت السماء تزخر بجمالها وسكونها .
إذ أخذ يتسلل من بين طبقاتها همسات الحور وضحكاتهن .
فهبط جبريل بحلته النورانية , حاملاً معه حريراً من الجنة متلألأً بالأنوار , يفوح منه عطر الجنان .. ثم وضعها بين يدي الرسول وقال : ـ ( إقرءها يا خير المرسلين ) . . . فألتمعت عيون النبي بنور رائع , وابتسم للملك ابتسامته العذبة ثم فض الحريرة .
. . لكنه التفت إلى الأمين , وهو يستفسر منه ـ ( ما الذي كتب فيها يا جبرائيل ) ؟ ؟ ! أنهما سطران من نور يسطعان , وكأنهما الشمس حينما تبزغ بين جبلين شامخين , ينضح ضوئهما في آفاق السماء . . . فعبر النبي مرة أخرى ــ ( ما لهذا النور من شأن ) ! . . . فقال جبرائيل ـ ( أنهما سطران من الذهب , كتب عليهما اسم النورين ( فاطمة وعلي فلقد زوج الله النور من النور , فقال الله عز وجل ) : ( الحمد ردائي , والعظمة كبريائي , والخلق كلهم عبيدي وإمائي , زوجت فاطمة أمتي من علي صفوتي اشهدوا ملائكتي ) . . ثم ختم جبرائيل كلامه : ( إنني أُمرت أن أعرضها عليك واختمها بخاتم من المسك الأبيض وادفعها إلى رضوان خازن الجنان ) . أجل : مولاتي يا زهراء فلقد أوحى الرحمن رب العرش العظيم القدير , إلى ملكه } جبرائيل ( أو ) راحيل { : ان اعقد عقدة النكاح , فأني زوجت علياً بفاطمة أمتي بنت محمد رسولي . . فعقد وأُشهدت الملائكة وكتبت شهادتهم في هذه الحريرة ) . . . فهنيئاً لك يا سيدتي يا حبيبة رسول رب العالمين , وهنيئاً لعلي وصي رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " . وهذا هو علي لا تسع فرحته الدنيا . فسيدة النساء وبضعة المصطفى , صارت زوجة له . . وأن السماء والأرض لتبارك له بهذا الاقتران , الذي جعل الملائكة يهبطون أفواجاً أفواجاً , ليزفوا تهانيهم ويعبروا عن مدى سعادتهم . وهذا هو ( فسطائيل ) الملك المقرب من عرش الرحمن , والموكل بإحدى قوائمه يستأذن ربه . فينزل إلى الأرض .. وتغطي جناحاه المشرقتان بالنور بدن نبيه , فيخاطبه بأجمل التبريكات وأفصحها .. ليزف هو الآخر : ( بشرى نبأ اجتماع الشمل وطهارة النسل ) . أجل رفرفت الحور العين فوق رأس زكية المصطفى .. ينثرن عليها ورد الجنان .. ويغمرنها بزنابق الربيع الملونة .. ويرششن عليها من بلسم بخور شذى نسيم الفردوس .. ويهمسن في أذنيها آيات ( الشافية ) . .. ففاض محيا الزهراء خجلاً وحياءاً إذ يزيننها , استعداداً لملاقاتها بسيد الأوصياء ( علي ) . .. وكللتها أنوار الرحمن . فبدت رائعة الجمال .. في نورها الأزهر , الذي أخذ يتسرب إلى مدينة الرسول ... فتشرق البيوت به مستبشرة . قميص العرس يهدى لسائل :
..............................وفي يوم الزفاف طرقت الباب , فسمعت الزهراء صوتاً أجش تتراوح نبراته ببحة سعال في صدره إذ يردد قائلاً : ـ( أنني مسكين , عريان ) فرمت فاطمة ما في يديها .. وتوجهت صوب حجرتها علها تجد ما يكسو فقيرها أو يشبعه . فتأملت أطراف زوايا الغرفة , وبدتا عيناها ترسلان نوراً من أمل في أن تجد شيئاً ما , حتى أن وقع بصرها على قميصيها اللذان رتبا بجنب إحدى الرفوف , أحدهما القديم , والآخر هو قميص عرسها الجميل الذي أهداه علي لها بمناسبة زواجه منها . فتناولت قميصها القديم وخرجت تعدو نحو الباب لتقدمه إلى الفقير .. فما ان اجتازت حجرتها صادفت أمامها , الكتاب الصغير ( القرآن ) الذي تحفظه في محرابها. فتوقفت هنيئة . .. وابتلعت ريقها وأحست برعشة تسري بين عروقها . فاضطربت , فوقع القميص من بين يديها فكّرت إلى حجرتها وأصداء الآية التي تقول : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) . فلتقطت قميصها المحفوظ الجميل ( أحلى قميص وقعت عيناها عليه ) وهرعت راكضة نحو الباب وسلمت على الفور قميصها الجديد ( قميص عرسها ) . .. فسكنت أوداجها , وارتاحت خوالجها , وأشرقت عيناها بأنوار الملكوت إذ حفتها .