بين تلاطم الأمواج ولثمها لرمال الشاطئ وصخوره والصخب والهدوء , حلق يلتمس طريقاً بين تلك الأمواج الصاخبة حيناً والمشحونة بالحنان أحياناً يخاطب إياها فلعلها تفتح إليه درباً يسير عليه , إنه يعيش دوامة الحياة التي ما فتئت تدور وتدور إلى ما لا نهاية , فكثير مــــا بحث عن الأمن عن الراحة عن الإخلاص والوفاء من خلال دورات الحياة وفي كل مـــرة يصطدم بالواقع إنه يعشق التفاني ويفتح طرقاً للحب الإنساني لكنه يقابل دائماً بالعداء يحاول أن يكون شخصاً آخر لا يستطيع يتعذب من جراء ذلك إن في داخله شحنات عظيمة من العواطف , تكاد تكفي جميع الناس فما بال هؤلاء لا يشعرون بذلك ؟ وكانوا دائماً يقابلونه بعكس ما يكنه لهم فلم يقل يوماً بأن فلاناً قابل عمله بالإساءة إليه بل ما كان يقوله هو : إنه إنسان ومن طبيعة الإنسان أن يخطئ , كان حسن الظن بكل الناس , يأمل بأنهم ربما عادوا عن الخطأ وأصابهم الندم على ما عملوا معه , ورغم تكرر الأخطاء من ناحيتهم إليه , فإنه لم يزل يترقب بأن يمحي الزمن ما بقلوبهم من غل لعلهم يفيقون من سباتهم ويدركون بأنهم كانوا على خطأ , الكل ينصحه بالابتعاد عن أمثالهم لكنه لا يريد , حتى وإن باعدته الأيام عن طريقتهم , فهو لم يزل يتذكر الساعات بل الثواني يسترجع الأشياء الجميلة ليحجب تلك الأحداث الحاسمة التي فرقت بينه وبينهم . كان هذا دأبه دائماً إلا في المرة الأولى والحاسمة أيضاً بالنسبة إليه فهو ولأول مرة يشعر ويؤكد بأنه لا يود لربط أن يربط نفسه بالآخرين لقد مل منهم بل من أفعالهم تجاهه فهو قد قرر إذاً أن يعيش لنفسه فقط وها هو يجرجر أقدامه , يتحرك ببطء شديد ليعود إلى حياته الروتينية ثم تكر الأيام مملة لا حياة فيها , مملوة بالوحدة , موحشة كئيبة , تمر وكأنها جمود محجرة , مملؤة باليأس القاتل إذاً أين هي حياتي ! ؟ هذا ما كان يخاطب به نفسه . لقد أردت أن أرسم لنفسي طريقاً فريداً , بعيداً عن المشاكل فكفاني ما نلته على أيدي أصحابي أصدقائي معارفي لكنني حينما ابتدأت المشي على هذا الطريق تبين لي أخيراً بأنه طريق مسدود غير نافذ فتملكتني الحيرة ماذا أفعل ؟! هل أعود لنفس الطريق الذي هربت منه ؟ ! لقد صار من الصعب علي أن أعود للسير فيه بعد أن اعتادت رجلاي ألا ترتادانه من مدة طويلة ! ؟ وهل بمقدوري أن أتحمل قساوة من حولي ونكرانهم من جديد ؟ ! إنني حقاً في حيرة لا أدري كيف وبأي طريق أخرج منها ! فهذه الحياة المملة أيضاً صار الخروج منها صعب جداً هو الآخر , إذاً فكما رسمت من قبل طريقاً وتعذر علي النفاذ منه فقد توجب علي الآن أن أبدأ برسم طريق آخر مخالف لسابقه حتى ابتدئ السير عليه من جديد فمن الآن وصاعداً سوف أعلق على وضع الخطوط الواضحة لتهديني إلى ما أريد . وبينما هو في طريقه عائد يرسم في ذهنه الخطوط المهمة وكأنه في عالم غير هذا العالم وإذا به أحس بيد تشد على يده بقوة وحرارة وإخلاص , فأمعن النظر إلى صاحب اليد , وإذا به صديقه , إنه محسن أعز صديق لديه , باعدت بينهما الأيام , والذي تألم كثيراً لفراقه أيما تألم ولم يستطيعا مغالبة الظروف القاسية التي أجبرتهما على ألا يرى كل منهما الآخر طوال سنوات , وهذه السنين كلها حصلت فيها أشياء كثيرة لكل منهما لكنها جميع الحوادث التي حدثت لهما لم تنسهما صداقتهما الحميمة الصادقة , فهذه اليد الممتدة للمصافحة بقوة وإخلاص أعادت كل الأيام وجميع الساعات والثواني مجسدة الوفاء الذي عز وجوده في هذه الأيام فما كان منه إلا أن هتف بفرح وود قائلاً محسن ! لا أصدق ما أرى ! هل حقاً أنت هو أخي الذي مضت سنوات لم نر فيها بعضنا ! يا للأيام ! رغم مرورها فنحن لم نزل إخوة تربطنا المودة الصادقة البعيدة عن الأغراض المادية . نعم ! هذا ما كنت أبحث عنه طوال هذه السنوات الماضية , بدون جدوى ! إنه الله تعالى الذي أعادك إلي يا صديقي لنلتقي على نفس الطريق فهيا هيا يا صديق العمر فليس لنا بديل وها هو اليوم تملأه الفرحة بعودة صديقه الوفي , لقد عادت الأيام عاد الوفاء والإخلاص والتفاني ومشينا الدرب متكاتفين من جديد .