من مشرق المجد والرسالة بزغ في ربوع مكة نور ساطع في بيت سيد البطحاء ( عليه السلام )
حيث ولد جعفر ( عليه السلام ) بعد وليدين هما طالب وعقيل وكان منهم يكبر أخاه بعشر سنين
وبعده بعشر سنين ولد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وبناءاً على هذا تكون ولادة جعفر بثلاثة
وثلاثين سنة قبل الهجرة ـ على التقريب ـ ولا شك أن شخصية جعفر أزدحمت فيها كل الفضائل
والمكرمات ولم لا وهو قد نشأ في مدرسة أبي طالب سيد البطحاء والمحامي الأول عن الرسول
( صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته لا ينكر ذلك إلا جاحد وجاهل فقد امتلأت كتب الأدب والتاريخ بأشعاره الصريحة
التي توضح عمق إيمانه بالنبي ( ص ) ورسالته فقد جاء في السيرة الحلبية أن أبا طالب (ع )
خطب في زواج أبن أخيه محمد ( ص ) من خديجة وقال :
وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل .
أما أمه فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم التي كانت للنبي " ص " بمنزلة الأم وهي أول هاشمية
تزوجت هاشمي وولدت له وأدركت النبي " ص " فأسلمت وحسن إسلامها . فقد كانت حادية عشر
يعني السابقة إلى الإسلام وكانت بدرية وهاجرت وبايعت معه وعن الزبير بن العوام قال سمعت
رسول الله " ص " يدعوا النساء إلى البيعة حين أنزلت هذه الآية ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات
يبايعنك ) .
أسلم جعفر بعد أخيه علي " ع " بقليل وكان إسلامه قبل أن يتخذ النبي " ص " دار الأرقم مركزاً له ففي الرواية عن علي بن إبراهيم فأسلمت خديجة ( عليها السلام) فكان لا يصلي إلا رسول الله " ص " وعلي " ع " وخديجة خلفه فلما أتى لذلك أيام دخل أبو طالب إلى منزل الرسول " ص " وعلي بجانبه يصليان فقال لجعفر : يا جعفر صل جناح بن عمك فوقف جعفر من الجانب الآخر وصلى عن يساره وحينها قال أبو طالب لأبنيه علي وجعفر أن علي وجعفر ثقتي عند ملم الخطوب والركب والله لا أخذل النبي ولا يخذله من بني ذو حسب لا تخذلا وأنصرا أبن عمكما أخي لأمي من بينهم وأبي .
بعد الانتصارات الإسلامية الكبيرة أخذ النبي " ص " يرسل الدعاة إلى أطراف الجزيرة العربية وقد أرسل سنة 8 ه الحارث بن عمير الأزدي إلى بلاد الشام فقتله شرحبيل بن عمر الغساني الذي كان عاملاً للروم في بلاد الشام وما أن وصل الخبر إلى مسامع رسول الله " ص " حتى أعد جيشاً قوامه 3000 آلاف مقاتل ووجهه إلى البلقاء في بلاد الشام وأستعمل عليهم جعفر مع زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحه فلما كانوا بنحو البلقاء فلقيتهم جموع هرقل من الروم فأغار المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها وأقتتلوا قتالاً شديداً وكان اللواء يومئذ مع زيد بن حارثة فقاتل حتى أستشهد فأخذه جعفر فقاتل قتالاً شديداً وعقر فرسه وكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر فرسه في الإسلام وأثناء ذلك أصيب جعفر بإصابات عديدة من رماح وسهام الروم فكان ينتزع السهم تلو السهم وجسده غير مكترث بالآلام والجراح ولا مبال بدماءه الزكية التي تسيل من جراحاته وكان يتطلع في تلك الساعة إلى لقاء الله والفوز بنعيمه فكان يرتجز ويقول يا حبذا الجنة وأقترابها طيب وبارد شرابها والروم قد دنى عذابها كافرة بعيدة أنسابها علي إذ لاقيا ضربها .
يقول المأرخون : أن جعفر ( ع) أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فأحتضنه بعضديه حتى قتل فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث يشاء وفي طبقات أبن سعد عن عمر أنه قال : وجدنا ما بين صدر جعفر ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحه بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح .
قال النبي " ص " لقد رأيته في الجنة ـ يعني جعفر ـ له جناحان مضرجان بالدماء مصبوغ القوادم , وفي حديث آخر : لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة . وروي أن النبي " ص " نعى جعفر وزيداً قبل أن يجيء إليه خبرهما نعاهما وعيناه تذرفان وقال " ص " اللهم أخلف جعفر في أهله كما خلفت عبداً من عبادك الصالحين .
ولما أتى النبي " ص " إلى أمرأته أسماء بنت عميس فعزاها بزوجها ودخلت فاطمة " سلام الله عليها ) وهي تبكي وتقول : واعماه فقال " ص " على مثل جعفر فلتبك البواكي .
هكذا أنطوت صفحة مشرقة من صفحات تاريخنا الإسلامي متمثلة في سيرة الشهيد جعفر الطيار " رض " فسلام عليه يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حياً
يقع مرقد الشهيد جعفر في بقعة تبعد عن موقع معركة مؤتة حوالي ( 75 كم ) ولقد عرفت المنطقة التي تضم رفات شهداء مؤتة بـــ
( المزار ) نظراً لوجود مراقد ومزارات أولئك الشهداء ولعل أبرز تلك المراقد هو مرقد جعفر الطيار