يكاد لا يخفى علينا مدى الأهمية العظيمة التي حازها محرك بحث (جوجل) في حياتنا اليومية فـ الكثير يعتبره بوابة لدخول وتصفح الشبكة العنكبوتية. أصبح يُعتبر جزءا لا نستطيع الاستغناء عنه لدى استخدامنا للانترنت فقد أصبح الآن هناك ما يزيد عن مليار مستخدم مختلف يستخدم “جوجل” للبحث عن معلومةٍ ما ، زاد من ذلك بالطبع سهولة الوصول إليه سواء كان عبر أجهزة الكمبيوتر أم حتى عبر الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية “التابلت” بل إن من المفارقات العجيبة الاحصائية التي ذكرها عبدالرحمن طرابزوني – مدير الأسواق العربية الناشئة في جوجل – في كلمته في مؤتمر موبايلي للمطورين بأن ٩٠٪ من مستخدمي جوجل في السودان يبحثون فيه عن طريق الجوال!

ولكن هل سألتم أنفسكم عن مدى تأثير جوجل على حياتنا – ولأكون دقيقا فإني أعني مدى تأثيره على طريقة عمل عقولنا في حفظ ومعالجة المعلومات – ؟ ذاكرتنا أصبحت مختلفة وتغيرت ملامحها بعد حلول عصر جوجل ومحركات البحث الأخرى مثل Bing و Yahoo! فقد وجد الباحثون بأننا -وأعني مستخدمي الانترنت- قد نتذكر طريقة البحث عن المعلومة على الانترنت أو مكانها أكثر من تركيزنا على المعلومة نفسها!
بدأت البروفسورة المساعدة لعلم النفس في جامعة كولومبيا بيتسي سبارو مع زميليها دانيل واجنر من هارفارد وجيني ليو من جامعة وسكنسن بمحاولة الإجابة على السؤال المحير ألا وهو “هل بدأ الناس يميلون فعلا لتذكر المعلومة التي يسهل إيجادها على الإنترنت بنفس فعالية عقول الطلبة في تذكر المعلومات التي يتوقعون بأنها ستكون في الامتحان؟ ”
* خلاصة ما توصلت إليه الدراسة بأن جوجل – إلى جانب محركات البحث الأخرى على الإنترنت – تٌغيّر فعليا الطرق التي تتعامل بها عقولنا في معالجة والمحافظة على المعلومات.
في سلسلة تجارب قام بها الباحثين على المشاركين عنونت بعنوان “تأثير جوجل على الذاكرة” فقد وُجد بأنهم يتذكرون تلك المعلومات التي هم على يقين بأنهم لن يستطيعوا إيجادها على الإنترنت. وأيضا أشارت نتائج الدراسة بأنه عندما أعطي المشاركين معلومات وأسماء للمجلدات التي تحويها هذه المعلومات تفاجأوا بأن المشاركين تذكروا بمرونة أكثر أسماء المجلدات ومكانها أكثر من تذكر المعلومات الموجودة داخلها.
وقد وصفت بيتسي سبارو (الإنترنت) بأنه أصبح يُعتبر كـ ذاكرة خارجية نستطيع الوصول إليها بأي وقت. وأيضا ذهبت سبارو بعيدا لتذكرنا بأن “تأثير جوجل” كما أسمته ليس بالضرورة أن يكون سيئا بل من الممكن بأن الأشخاص الذين تعلموا ذلك سيجدون أنفسهم أقل اهتماماً بالحقائق المعروفة ولكن أكثر تفاعلاً وتركيزاً في محاولة إجابة “الأسئلة العظيمة” التي تتطلب جهدا استثنائيا. بل وقد ذكرت سبارو بأنها تفاجأت أثناء عمل التجارب بأن المشاركين قد أظهروا (ذكاءاً) في كيفية إيجاد المعلومة بإستخدام التقنية
دعوني أسرد لكم في نقاط سريعة بعض ما توصلت إليه الدراسة التي عنونت بـ “تأثير جوجل على الذاكرة” :
*الإحتمالات الآن تُرجّح بأن عقولنا تميل إلى حفظ ومحاولة تذكر المعلومات التي نظن بأنها غير متوفرة على الإنترنت ، بل وقد نذهب لأبعد من ذلك بأننا نمتاز بأفضلية في تذكر “مكان” المعلومة التي نبحث عنها في الإنترنت بقدرٍ أكبر من تذكر “المعلومة”. عقولنا “المعتادة على استخدام التقنية” أصبحت تحفظ وتتذكر المعلومات التي تعلم أنها لن تستطيع إيجادها لاحقاً في “جوجل” !
*من احدى التجارب في هذه الدراسة بأن طٌلِب من المشاركين كتابة ٤٠ جملة قصيرة على الكمبيوتر وقد وجد بأن المشاركين الذي أُخبروا بأن ما كتبوه سيتم حذفه قد تذكروا أغلب الجمل ولكن وُجد بأن النصف الآخر الذين اعتقدوا بأن ما كتبوه سيكون محفوظا قد وجدوا صعوبة أكبر في التذكر.
*تفكيرنا الآن في معظم الوقت ينصب على إيجاد إجابة لسؤال الـ “أين أجد المعلومة؟” وليس تذكر ” ما هي المعلومة؟”
*من الأسئلة التي سؤلت: “كم عدد الدول التي يحمل علمها لونا واحدا فقط؟” هل فكرت بالبحث عن الاجابة في جوجل أم فكرت فعليا بأعلام الدول وعددها؟
*من المشاركين في التجربة مجموعة بلغ عددها (١٠٦ شخص من خريجي هارفارد) ومجموعة أخرى تكونت من (٦٢ طالب من جامعة كولومبيا)
*شبهت بيتسي جوجل والانترنت ككل على المبدأ الذي يسمى بـ (Transactive Memory) وهو الذي يتحدث عن نظرية تقول بأننا نعتمد على المعلومات التي يعرفها أزواجنا آو أصدقائنا ولا نجد ضرورة ملحة لحفظ المعلومات ما دامت لديهم. تقول بيتسي سبارو “أحب لعبة البيسبول ولكني لا أبالي بحفظ أي حقائق عنها لأني عندما أحتاج لمعرفة شيء ما كل ما علي فعلع هو أن أسأل زوجي. ”

والآن أنت هل ترى بأن الإنترنت قد أثرت على طريقة عمل ذاكرتك في تجاوبها مع السيول المعلوماتية التي تأتينا كل يوم؟ ان كانت الإجابة بنعم فهل استفدت من ذلك أم لا؟

فياض الحاج
المصدر من موقع جامعة كولومبيا
المصدر من المقالة المنشورة في مجلة Science
مصدر الصورة