للانتظار ألوان، وربيع، وأحلام
كانت تنتظره، هي هنا وهو هناك في الطّرف الآخر من الشّاشة.
انتظرته وهي تتصفّح متفرّقات على الشّبكة العنكبوتيّة وتُطلّ على البريد من حين لآخر. لم تظهر أيّ رسالة منه. ولم تفكّر في لفت انتباهه برسالة إليه.
قال سيتأخّر فأحبّت الانتظار في صمت، يحدوها الأمل. وبالأمل تُزيح بعض الحزن، فيبتعد قليلا وتُطلّ صورتُه بين سطور ما تتصفّحه، وتسمع صوتَه. تمتلِئ فرحا. ولكنّ الحقيقة تعود لتحتلّ حيّزا من تفكيرها ومن الصّور المرتمية في فوضى على شاشة أحلامها، ورأت فراغَ الانتظار فعاد الحزن يطأ على صدرها بوحشيّةٍ.
رَسَمَتْهُ بألوان شتّى، فراغا من سواد قاتم، لا يدوم، ولكنّ وطأته على القلب مريعة، وفراغا من بياض يبتلع في بياضه كلّ الألوان. لا تحبّ هذا البياض المفترس للصّور. رسمت الفراغ بالأخضر في لون عشب البراري فتمدّدت أحلامها على خضرتها.
وأضافت بالأصفر لون الشّمس. مسحتها سريعا، ففي صفرتها توهّج لا تحتمله العين وتغيم فيه الصّور الّتي تُريد رسمَها. لون الغروب أجمل. على ضوئه الخافت تظهر الأشياء كلّها في هيئة من يصارع الموت بأنفاسه الرقيقة الذّاوية، ثمّ يستلّ الحياة بنوم هادئ حتّى يحين إشعاع فجر جديد.
مع انشقاق السّماء بلون الغروب وجدَتْ فرصةً لترسم الأزهار هنا وهناك وحول مياه جدول صغير يجري كما الخائف بين الأعشاب الطويلة. واختلطت الألوان، ولكنّها تناسقت لتكون أجمل صورة للانتظار، لم تَنسَ رسم شجرة. قالت: "لعلّ الانتظار إن طال استَظَلّ بها ظلّي."
ارتفع جذع الشّجرة أكثر وتغيّر شكل أغصانها وأوراقها، صارت نخلة، وسمعته يقول: "هذه هي النّخلة"، هزّت جذعَها وانتظرت أن يتساقط الرّطب جنيّا. لم يكن حينها موسم الرّطب، ولكن سمعت لها صوتا شجيّا، صوت طفلة يأتي من بعيد، من تشقّق وقت الانتظار بالأمل،
وتقدّم سواد اللّيل، وغشيها ببرد وظلام، وابتلع الألوان. كان لا بدّ أن تفتح نافذةً للنّور، قمرا يشرف على ساحة الانتظار ويؤنس الحزن، وانفتحت الشّرفة، ومرّ منها، والوردة والقصيدة كالعادة تحتضنهما كفّاه.
لم تسأله عن شيء. كان الصّمت أجمل ما بينهما وهما ينتظران، هو هناك، وهي هنا في الطّرف الآخر من الشاشة.
منقول