ليست مباراة بين السُنة والشيعة
علي حسين* تاريخ النشر 26/01/2014 06:27 PM
بالامس امتلأت صفحات الفيسبوك بشحن طائفي، رافق مباراة العراق والسعودية، البعض اعتقد ان فوز العراق هو فوز لحكمة المالكي وقدرته على ادارة شؤون البلاد ومنها الرياضة ، ما دفع احدى الصحف الى وضع صورة لرئيس مجلس الوزراء يرتدي ملابس المدرب حكيم شاكر، واخرون اعتبروا الفوز على السعودية فوزا على الارهاب باجمعه، فشاهدنا كيف اداروا ظهورهم للمعركة الحقيقية مع الارهاب والفساد ليوهموا الناس، ان معركتهم هي مع الفريق السعودي حصرا.
للاسف كل هؤلاء شركاء فى جريمة خداع العراقيين، باصطناع معركة غبية يدوسون من خلالها على كل المعاني الوطنية، ويجيشوا الجيوش، لا لشىء إلا لأن البعض اعتبر المباراة معركة لاشاعة جو مقيت من الكراهية .
هكذا يريد البعض تحويل كرة القدم من لعبة جميلة إلى حروب ومعارك طائفية ، صحف وفضائيات حشدت الناس للقتال، وليس للعب مباراة رياضية.. في مقابل معارك الفيسبوك ومروجي الشحن الطائفي.. كنت انظر الى وجوهمجموعة من الجالسين في احد المقاهي.. شباب وشيوخ ، كان الجميع يتنفسون نفسا واحدا مع تصاعد وتيرة المباراة، وكأنهم في مهمة وطنية يستمعون الى معزوفة "ياموطني" فتلمع عيونهم بالشجن. حتى يُخيل للناظر اليهم انهم يكتشفون معنى المواطنة للمرة الاولى، او يكتشفون العراق الكبير الذي يريد له زعماء الطوائف ان يظل تحت ركام الفساد والانتهازية والطائفية المقيتة والمعارك السياسية سيئة السمعة.
تستمع الى تعليقات المتابعين للمباراة وهم يرددون كلمات التشجيع لأعضاءالمنتخب بخشوع، فتشعر معهم ان الجميع يستحضر ذكريات سنوات جميلة وسعيدة من حياته، أو لعلها أشبه بنوبة حنين إلى العراق كما ينبغي له أن يكون، كبيرا، فتيا، شامخا، مرفوع الجبين ، متدفقا شبابا وحيوية، لايتحسس الضربات التي نالت منه ، ولا ينشغل بالنظر في المرآة طويلا ذعرا من تجاعيد الزمن وقسوة السنين، وألاعيب صبيان السياسة.
وانا انظر الى هذه الوجوه تمنيت على ساستنا ان يعترفوا ولو متأخرين بإخفاقهم والجلوس في منازلهم، تمنيت لو أن جنرالات الطائفية والمحسوبية وسراق مستقبل وأحلام العراقيين، يستمعون للنصيحة ويغادرون المشهد غير مأسوف عليهم، ففراق بمعروف احسن وربما يغفر لهم ما اقترفوه من ذنوب لاتحصى بحق العراقيين.
واعتقد ومعي ملايين العراقيين إن هناك عشرات الأسباب التي تدعوهم إلىالتفكير في الجلوس في بيوتهم وتجعلهم يحكمون ما تبقى من ضمائرهم ويسألون أنفسهم عن حقيقة الدور الذي لعبوه في خراب هذه البلاد وسيجدون انه أشرف وأكرم لهم لو أنهم تواروا عن الأنظار. وانا انظر الى وجوه المتابعين للمباراة والتي انمحت منها علامات الطائفية والمذهبية.. وجوه تعيد اكتشاف جوهر هذا الشعب، وجدت نفسي أمام مواطنين بسطاء يريدون ان ينفضواعن هذا الوطن غبار الطائفية والمحسوبية والانتهازية، ولعل أجمل ما في وجوه المتابعين للمباراة أنها أثبتت أننا شعب لم يتفسخ بعد، رغم سياسة التنكيل والإفساد وشراء الذمم التي مورست خلال السنوات الماضية، شعب لم يفسدرغم محاولات البعض بإفساد مناخ الألفة وزرع قيم الطائفية فيها، وبثالفرقة بين أبنائه، وسياسة التخويف والقتل على الهوية، أدهشتني وأفرحتني هذه الاستعادة المبهجة لأصالة ووطنية الشخصية العراقية في لحظة تصور البعض أن أحزاب الطوائف استطاعت أن تحرق مساحات الفرح والخضرة فيها، أناس بسطاء يتحدثون عن الضمير فنشعر بنبرة الصدق تشرق في ملامح وجههم، لا فرق بين مسلم ومسيحي، بين سُنّي وشيعي، كردي وعربي، الجميع انصهر في بوتقة واحدة اسمها العراق، هذا الشعب قفز فوق أحزابه الكرتونية، وسياسييه المتعجرفين.
من ينظر الى وجوه متابعي المباراة سيكتشف ان كل الدعاوى والادعاءات بأن المناوئين للحكومة يتآمرون على العراق، وانهم ينفذون أجندات خارجية علىالعراق، مجرد نكتة سخيفة، تلوكها ألسنة صغار الساسة من هنا وهناك، مناجل إعلاء مناخ الطائفية الذي يغوي كل من يجد في نفسه ميول زعامة سهلة ومريحة وكاذبة.
ياجنرالات الطائفية انتم مهزومون حتما.. سيهزمكم عراق واحد يدافع عن نفسه ضد إرهابكم ، ويرفض أبناؤه ان يختبئوا خلف طوائفهم