ألمْ ترَ أنّ الشّمس قد ضمّها القبرُ؛
|
وأنْ قَد كفانا، فقدنَا القمرَ، البَدرُ |
وأنّ الحيَا، إنْ كان أقلع صوبُهُ، |
فَقَدْ فاض للآمالِ في إثْرهِ البحرُ |
إساءة ُ دَهْرٍ أحسنَ الفِعلَ بَعدَها، |
وَذنْبُ زمانٍ جاء يَتْبَعُهُ العُذْرِ |
فلا يَتَهنّ الكَاشِحونَ، فما دَجا |
لنَا اللّيلُ، إلاّ رَيْثما طلعَ الفجرُ |
وإنْ يكُ ولّى جهورٌ، فمحمّدٌ |
لعمرِي لنعمَ العلقُ أتلفَهُ الرّدى |
فبانَ، ونعمَ العلقُ أخلفَهُ الدّهرُ |
هَزَزْنَا بهِ الصّمصامَ، فالعزْمُ حَدُّهُ، |
وحليتُهُ العليا، وإفرنْدُهُ البشرُ |
فَتًى يَجْمَعُ المَجدَ المُفَرَّقَ هَمُّهُ، |
وينظَمُ، في أخلاقه، السّودَدُ النّثرُ |
أهابَتْ إلَيهِ بالقُلوبِ مَحبّة ٌ، |
هيَ السِّحرُ للأهوَاء، بل دونها السّحرُ |
سرتْ حيثُ لا تسرِي من الأنفسِ المُنى |
ودَبّتْ دَبِيباً لَيسَ يُحسِنهُ الخَمرُ |
لبسنا لدَيْهِ الأمنَ، تندى ظلالُهُ، |
وزهرة َ عيشٍ مثلَما أينعَ الزّهرُ |
وعَادَتْ لَنا عاداتُ دُنيا، كأنّها |
بها وسنٌ، أوْ هزّ أعطافَها سكرُ |
مَلِيكٌ، لَهُ منّا النّصيحة ُ والهَوى ؛ |
ومنهُ الأيادي البيضُ والنِّعمُ الخضرُ |
نُسِرّ وَفاءً، حِينَ نُعلِنُ طاعَة ً، |
فَما خانَهُ سِرٌّ، ولا رابَهُ جَهْرُ |
فقُلْ للحَيارى : قد بدا علَمُ الهُدى ؛ |
وللطّامعِ المغرورِ: قد قضيَ الأمرُ |
أبا الحزمِ! قد ذابَتْ عليكَ من الأسَى |
قلوبٌ مُناها الصّبرُ، لو ساعدَ الصّبرُ |
دَعِ الدّهرُ يَفجعْ بالذّخائرِ أهلَهُ، |
فما لنفيسٍ، مذ طواكَ الرّدى ، قدرُ |
تَهُونُ الرّزَايا بعَدُ، وهيَ جَلِيلَة ٌ؛ |
ويُعرَفُ، مُذْ فارَقْتَنَا، الحادثُ النُّكرُ |
فقدْ ناكَ فِقْدانَ السّحابَة ، لم يَزلْ |
لها أثرٌ يثني بهِ السّهلُ والوعرُ |
مساعيكَ حليٌ لليّالي مرصَّعٌ؛ |
وذكْرُكَ، في أردانِ أيّامها، عطرُ |
فلا تبعدَنْ ! إنّ المنيّة َ غاية ٌ، |
إلَيها التّناهي طالَ، أوْ قَصُرَ، العُمْرُ |
عَزَاءً، فدَتْكَ النّفسُ عنه، فءن ثوَى |
فإنّك لا الواني، ولا الضَّرَعُ الغُمْرُ |
ومَا الرّزْءُ في أن يودَع التُّرابَ هالكٌ، |
بلِا لرّزْء كلّ الرّزْء أن يهلكَ الأجرُ |
أمامَك، من حِفْظِ الإلَهِ، طَليعَة ٌ؛ |
وَحَوْلَكَ، من آلائِه، عَسكرٌ مَجرُ |
ومَا بِكَ مِنْ فَقْرٍ إلى نَصْرِ نَاصرٍ، |
كفَتكَ، مِنَ اللَّهِ، الكلاءة ُ وَالنّصرُ |
لكَ الخيرُ، إنّي واثقٌ بكَ شاكرٌ |
لمَثنى أياديكَ، التي كفرُها الكفرُ |
تَحامَى العِدا، لمّا اعتَلَقْتُكَ، جانبي، |
وقَالَ المُناوِي: شبّ عن طوْقه عَمرُو |
يلينُ كلامٌ، كان يخشنُ منهمُ، |
ويفتُرُ نحوِي ذلكَ النّظرُ الشّزرُ |
فصَدّقُ طُنوناً لي وَفيّ، فإنّني |
لأهْلُ اليَدِ البَيضاء مِنكَ، ولا فخرُ |
ومنْ يكُ، للدّنيا وللوفْرِ، سعيُهُ، |
فتقريبُكَ الدّنيا، وإقبالُكَ الوفْرُ
|