صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 1 23 الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 21
الموضوع:

‎شرح خطبة المتقين للأستاذ بناهيان - الصفحة 2

الزوار من محركات البحث: 838 المشاهدات : 3839 الردود: 20
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #11
    من المشرفين القدامى
    ابو منتظر
    تاريخ التسجيل: March-2013
    الدولة: نيبور
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 16,168 المواضيع: 4,113
    صوتيات: 164 سوالف عراقية: 2
    التقييم: 6186
    مزاجي: الحمدلله والشكرتمام
    المهنة: موظف حكومي
    أكلتي المفضلة: ارضئ بما قسم الله
    موبايلي: Nokia
    آخر نشاط: 1/September/2021
    الاتصال: إرسال رسالة عبر MSN إلى عماد الحمزاوي
    مقالات المدونة: 18


  2. #12
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: January-2013
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 609 المواضيع: 210
    التقييم: 146
    آخر نشاط: 22/June/2017

    شرح خطبة المتقين للإستاذ بناهيان الجلسة 3

    هذا الذي بين يديك أيها القارئ العزيز هو الجلسة الثالثة من سلسلة أبحاث سماحة حجة الإسلام والمسلمين بناهيان في شرح خطبة المتقين لأمير المؤمنين(ع) حيث ألقاها في جمع من طلاب وأساتذة الجامعة في مسجد جامعة طهران. تمت ترجمتها لما تنطوي على أبحاث بديعة في مختلف المواضيع الأخلاقية. أسأل الله تعالى أن يوفقنا لترجمة جميع الأبحاث تماما كي لا تقتصر فائدتها على من له معرفة باللغة الفارسية. وأسأله كذلك أن يتقبل هذا العمل القليل خدمة للإسلام والمسلمين ويعصمه من آفات النفس الأمارة والشيطان الرجيم، إنه أرحم الراحمين.

    بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا وحبيبنا أبي القاسم المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين.

    نظرة قصيرة أخرى إلى روائع هذه الخطبة

    بودّي أن أشير مرة أخرى إلى إحدى خصائص هذه الخطبة المباركة كمدخل للبحث، ثم ننتقل إلى تكملة الأبحاث. من الضروري لكل إنسان أن يستعرض هذه الخطبة لما تتصف به من الشمولية بمستوى كبير. فأحيانا نحن نملك الحافز اللازم للصلاح، وكذلك نحظى برأس مال جيّد لنيل الصلاح، ولكن لم نُحص الفضائل ومصاديق هذا الصلاح كي لا تفوتنا واحدة منها. فمرور الفضائل معا حال كونها مجموعة منتظمة واحدة أمر ضروري لكل من أراد أن يحصل على هذه الفضائل. كما أن لهذه الخطبة إنجازات وآثارا أخرى سأشير إليها لاحقا إن شاء الله.
    في الواقع إن خطبة المتقين هي أمطار الفضائل، فكل من يقف تحت فيضها وتسقط قطرات فضائلها على فكره ومشاعره، تنبت أثمارا وأزهارا في وجوده.

    خصائص السؤال الجيّد

    لقد قال لي الإخوة إنه كان أثر أبحاث الجلسة الماضية هو أن نمتنع عن طرح السؤال تماما، وعليه فاقتضت الضرورة على أن نؤكد الجانب الإيجابي في السؤال ونذكر مواطن الحسن والصلاح في إبداء السؤال. مع أنّي لم أرفض في الجلسة الماضية السؤال الحسن، بل إنما قلت: لابدّ أن نتجنب السؤال السيئ. إن ما أردت أن أؤكد عليه هو أن نقوم بتقييم أسئلتنا ونبحث عن دوافعه وحوافزه حتى أن ندرس أسئلتنا من الناحية النفسية. وهذا ما قام به القرآن بشكل دقيق جدا. من أهم الفوارق الموجودة بين القرآن والكتب العلمية هو أن الكتب العلمية تطرح السؤال وتجيب عنه، بيد أن القرآن لا يطرح السؤال والجواب وحسب، بل يطرح دوافع طرح السؤال أيضا وبكل جرأة. فبأمكاننا أن نخوض في معرفة النفس عبر دراسة أسئلتنا والبحث عن جذورها ودوافعها. إما بالإضافة إلى هذه النقاط التي ذكرناها في الجلسة الماضية، أردفنا نقطة أخرى وهي أنه لا داعي لطرح الكثير من الأسئلة الجيّدة، إذ إن «حسن السؤال نصف العلم».[1] إذن بإمكان الإنسان أن يحصل على النصف الباقي عبر الفكر والتأمل. ولهذا لا داعي لطرح السؤال الجيد والحسن أيضا في بعض الأحيان.
    ولكن اسمحوا لي في هذه الجلسة أن أثني على الأسئلة الحسنة في بضع جمل قصيرة كي نتدارك بها ما تركته الأبحاث السابقة من أثر سلبيّ ضدّ السؤال. وهي أن السؤال الجيّد ينشأ من مصدرين: فإما هو ناشئ من وحي العلم، وإما ناشئ من وحي الهمّ. ولا يمكن الحصول على الجواب اللازم بدونهما. فتارة تكون الأسئلة من وحي العلم وحسب وليس فيها شيء من الهمّ والألم. فلا أثر لها وللجواب الذي يحصل عليه الإنسان عبر طرحها ولا سيما في المجالات المعنوية. وتارة تصدر من وحي الهمّ والألم المجرد عن العلم. فلأضرب مثالا:
    اقترح عليّ بعض الإخوة قبل سنين أن أقيم هنا (في جامعة طهران) جلسات استشارية في المجالات المعنوية لطلاب قسم الطبيّة. فأقبل الطلاب يسجّلون لحجز الموعد لمدّة أسابيع، وفعلا بدأت الجلسات. أما اللطيف والملفت هو أن في تلك الأيام التي كنت بخدمة الطلاب كانت سبعين بالمئة من أسئلة الطلاب متشابهة ومن نمط واحد. كانت قد انطلقت أكثر أسئلتهم من همّ واحد ومشترك بلا أن يصاحبه علم مكمل لذاك الهمّ. إن همّهم الذي دفعهم لطرح أسئلتهم هو أنهم كانوا يريدون أن يعرفوا مدى شأنهم وقدرهم عند الله. فعلى سبيل المثال قال أحدهم: ارتكبت ذنبا وتبت بعد ذلك، فهل قد تقبلها الله أم لا؟ وقال الآخر: اتخذت برنامجا معنويا وتلكأت في تنفيذه فهل يقبلني ربي أم لا؟ وقال آخر: عزمت على القيام بالعمل الفلاني فهل سيجيبني الله أم لا؟ فكان همّهم هو أن يقضون على حالة الغموض في رؤية الله تجاههم. وأنا كنت أشير إلى نقطة في مقام الجواب وأشعر أن لو كانت هذه الحقيقة في علم الإخوة الطلاب لغضوا الطرف عن طرح أمثال هذه الأسئلة. وهي أن الله سبحانه قد أحاط علاقته مع عباده بهالة من الغموض. فلماذا تريدون أن تزيلوا هذا الغموض برمته؟ ولماذا تعتبرون هذا الغموض عائقا في مسار حركتهم المعنوية؟ ولماذا ترون هذا الغموض دليلا على عدم رضا الله عنكم؟
    كما سألني صبيحة اليوم أحد الطلاب وقال: أحيانا أفقد الحال المعنوي، وهذا ما يحكي عن عدم رضا الله عني... . فقلت له: لماذا تعتقد بأنك يجب أن تشعر برضا الله عنك وتلمس ذلك؟ فقال لي: لا أريد أن أشعر به من الناحية المادية، بل أريد أن أشعر بذلك عبر حالي المعنوي وروحيتي وبهجتي في العبادة. فقلت له: إنك تأتي بكلمة «المعنویة» ولكنك تريد أن تشعر به من الناحية النفسية والوجدانيّة. بينما يجب أن نفرّق بين المعنى والمسائل المعنوية وبين الحالات والمشاعر النفسيّة. فلا داعي لأن يشعر الإنسان برضا الله. وهنا يأتي دور الإيمان بالغيب. وهنا يأتي دور العقل. ولكنه استغرب هذا الكلام!

    يتبع إن شاء الله...

    [1]. بحار الأنوار، ج1، ص224.



  3. #13
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: November-2013
    الدولة: Iraq/Amara
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 3,378 المواضيع: 45
    صوتيات: 31 سوالف عراقية: 2
    التقييم: 2589
    مزاجي: مروگ
    موبايلي: iPhone
    آخر نشاط: منذ 6 دقيقة
    الاتصال: إرسال رسالة عبر ICQ إلى Ali Al-musawi 
    مقالات المدونة: 4
    شكرأ ع الموضوع سلمت يداك

  4. #14
    صديق فعال

    شرح خطبة المتقين 2

    وفي المقابل إذا كان السؤال منطلقا من العلم فحسب دون أن يصاحبه همّ وغمّ، عند ذلك يتلاعب السائل بالجواب، أو لن يوفّق للحصول على الجواب الصحيح، وإذا حصل على الجواب الصحيح ولم يتلاعب به ولم يجادل فيه، لن يطبّقه ولن يعمل بمقتضاه.
    إذن لابدّ لأي سؤال حسن وجميل أن يكون نابعا من مصدري العلم والهمّ. فهذه أسئلة جيدة فإن طرحت في محلها، يكون ذلك علامة على أن الجواب في الطريق وسيصل للسائل إن شاء الله. كما لا يخفى أن التطور المعنوي لكل شخص مرهون بمستوى الأسئلة التي تتبلور عنده عن علم وهمّ في مسار حركته التكاملية.

    شهود وإدراك الجمال ومستلزماته

    لقد كان سؤال همام عن وصف المتقين لينظر إليهم ويشاهدهم ولا بأس أن نقف قليلا عند موضوع «المشاهدة» في هذا المقام. إن المشاهدة هي حاجة حقيقة وليست آلية. إذ ليس المقصود من النظر إلى الزهرة هو شراؤها. ولكن عادتنا ومقتضى حياتنا الدنيوية هي أننا عندما ننظر إلى الوردة ننظر إليها لنشتريها ثم لنضعها في البيت في سبيل أن نتفاخر بها. وقلّ ما نجد إنسانا يشتري الوردة لينظر إليها ولا يقصد وراء النظر أية غاية أخرى. إن النظر لدى أهل المعرفة هي الغاية بحد ذاتها وليست مقدمة لشيء آخر.
    إن المشاهدة بحاجة إلى إدراك الجمال في بداية الأمر، وبعد ذلك تحتاج إلى شعور روحي. إن إدراك الجمال وطلب الجمال غير متوفر لدى كثير من الناس. حيث إن علماء النفس لا يعتبرون النزعة إلى الجمال في عداد الاحتياجات الأولى لدى الإنسان. فهم يقسمون الحاجات إلى أربعة أقسام: على رأس قائمة احتياجات الإنسان هي الحاجات الحياتية التي تؤمن حياته وتقيه من الموت والهلاك. ثم تأتي في الدرجة الثانية الحاجة إلى اللذات، وبعد ذلك نصل إلى الحاجة إلى العاطفة والمشاعر. ويعتبرون آخر احتياجات الإنسان هي حاجته إلى الجمال. ولكن ترى بعض الناس قد شغفوا بحبّ الجمال قبل أن تتوفر لديهم احتياجاتهم الأولى.
    إن سألني أحد عن سبب تديني أقل له: أنا التزم بديني لكي لا أذوق عذاب القبر، ولا أدخل نار جهنّم. يعني قد انطلقت في الالتزام بالدين من احتياجاتي الأولى ولم ارتفع للمستوى الذي أقول فيه قد اضطرّني إلى الالتزام بالدين جمال الله وحب مشاهدة المزيد من جماله.
    إن الله سبحانه قد نهى عن الغيبة بذكر قبحها لا أضرارها. حيث قد صورّها كعمل قبيح جدا يشمئز منه الإنسان. ومن المهمّ أن تمتنع عن الغيبة لقبحها وحسب، وإلا فنستطيع أن نمتنع عنها فرارا من نار جهنّم. فإن امتنع أحد عن الغيبة لقبحها فقط، هذا إنسان يحبّ الجمال، والذي ينتهي عنها لخوفه من نار جهنّم فهو إنسان نفعي. ومقام حبّ الجمال أسمى من مقام النفعيّة بلا ريب.
    ولعله لهذا السبب قد دعانا الإسلام إلى تجنب الشهوات. إذ أن الشهوات تعمي بصر الإنسان لرؤية مظاهر الجمال الإنساني فيصبح الإنسان بعد هذا العمي ينتهز أنواع الجمال في سبيل تلبية شهواته. أما الجمال الإنساني فهو ذو معان عميقة جدا حتى الجمال المادي السطحي فضلا عن الجمال المعنوي الذي هو أصل الجمال ورأسه وذو عمق واسع جدا. وما يجري الآن في الأفلام مع الأسف هو انتهاز واستغلال الجمال في سبيل مصالح ومنافع أخس منه رتبة وأدون منه ثمنا.
    إن طلب المشاهدة هو في سبيل أن يرى الإنسان ذاك الجمال ويتمتع به. والتمتع بالجمال يتم بمرحلتين: الأولى هي إدراكه والثانية هو عيشه والشعور به. يجب ان تعيش جمال الشيء الجميل.
    المشكلة كل المشكلة هي في الشعور بالجمال ولمس الجمال المعنوي، وإلا ففي مرتبة العلم والإدراك لا يعوزنا شيء. نحن لا نحتاج في سبيل إدراك جمال الله والعلم بجماله أكثر من قوله: «قل هو الله أحد». ولكن ما يعوزنا هو الإحساس والشعور بهذا الجمال. نحن بحاجة إلى ما يجعلنا نشعر ونلمس جمال ما نعلمه من الله عز وجل. طبعا لا أنكر أثر بعض الكلمات اللطيفة والبديعة في مزق بعض الحجب الرقيقة ما قد تهزّ قلب الإنسان وتمهّده لتذوق بعض أنواع الجمال، ولكن لا تنحل المشكلة بشكل عام بإلقاء واستماع المحاضرات. لابدّ من تفريغ القلب لذلك.
    كان أحد الشباب الجامعيين يتلو القرآن بجوار الكعبة فقال لي: قد اعتراني شعور أثناء تلاوتي لا أستطيع وصفه، وإن وصفته لا يدركه أحد. قال: أثناء ما كنت أتلو القرآن وجعت رجلاي إذ كنت أتلوه بلا وقفة لساعة أو ساعتين. فبينا أنا أتلو القرآن وإذا اعتراني شعور جعلني أبكي إلى الصبح. فقلت له لماذا؟ قال: رأيت فجأة كم أن الله قد تكلم عني وشؤوني مع نبيّه في القرآن، وكم قد صرف من وقته لذلك. فكدت أهلك من البكاء من كوني موجودا مهما لدى الله سبحانه ولهذا قد أنزل من أجلي هذا القرآن.
    إن العلم هو الخطوة الأولى لإدراك الجمال، وما يحدث بعده هو الشعور. وهذا ما يقتضي شرح الصدر لإدراك جمال الله وأسمائه.

    يتبع إن شاء الله...


  5. #15
    صديق مشارك
    ابوحسين البصراو
    تاريخ التسجيل: February-2014
    الدولة: Iraq's Basra
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 55 المواضيع: 7
    صوتيات: 1 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 14
    مزاجي: دائما فكاهي الحمد لله
    المهنة: Wage earner
    أكلتي المفضلة: سمك مسكوف
    موبايلي: Dawes Galaxy
    آخر نشاط: 11/May/2014
    مقالات المدونة: 6
    بارك الله بيك ياطيب

  6. #16
    صديق فعال
    شكرا جزيلا لكم
    تقبلوا تحياتي

  7. #17
    صديق فعال

    شرح خطبة المتقين 3

    كتب لي شابّ آخر وقال لي قد أهلكتني عبارة واحدة من عبارات دعاء الجوشن الكبير في جلسة إحيائنا في ليلة القدر، ما جعلتني أجهش بالبكاء إلى صباح تلك الليلة وهي عبارة «يا ذا العهد والوفاء». قال: شعرت فجأة بهذه الحقيقة وهي أنه ليس لأحد في هذه الدنيا أن يعطيني كلاما ويعاهدني على شيء، إذ ليس بيد أحد شيء ولا يوجد ذو وفاء في هذا العالم. فالشخص الوحيد الذي عهد ويوفي بعهده هو الله سبحانه، إذ شاهدت عهده ووفاءه.
    فإذا طالبتم هذا الشابّ أن يشرح لكم هذه العبارة لتدركوا جمالها وحرارتها فلا يمكن. فلا تعالج المشكلة بالشرح، بل نحن بحاجة إلى عملية تشريح في صدورنا وقلوبنا ليتمكن القلب من مشاهدة هذا الجمال.
    في سبيل كسب هذا الشعور وتعزيزه الذي يجعل الجمال على رأس حاجات الإنسان ويمكنه من إدراك جمال الله، لابدّ اجتياز بعض المقدمات والمراحل.

    1ـ الابتعاد عن القبائح

    فعلى سبيل المثال لابدّ للإنسان أن يغضّ عين قلبه عن المشاهد غير الجميلة في العالم. لابدّ أن يكفّ عن إنتاج ما ليس بجميل. كيف يريد الإنسان أن يشعر بجمال الله وهو ينتج غير الجميل بأعماله وصفاته. فإذا كان الإنسان ينتج الأفعال القبيحة وغير الجميلة، عند ذلك تعجز روحه عن إدراك مصاديق الجمال في هذا العالم. فلا يشعر حينئذ بجمال الله. يجب أن يبتعد الإنسان عن الغيبة والكذب وباقي السيئات والقبائح حتى تتمهد روحه لإدراك الجمال.
    من مراقبات العطّار أنه لا يشتمّ أية رائحة، حتى يحافظ على شامته وذوقها. ومن هذا المنطلق تجدون الشيخ بهجت(رض) ما كان ينظر إلى كل شخص ولا يكلم كل إنسان، حيث كان يراقب نوافذ قلبه ولا سيما عينه وسمعه. فليس لنا بد من هذه المراقبات.
    قال لي أحد الشباب: نحن في أجواء هذه المدينة، فنتلوث بأشكال المشاهد والصور والأحاديث شئنا أم أبينا، فما نفعل؟ قلت له: اقرأ القرآن ليلا، وطهر أوساخ قلبك بجمال آيات القرآن. وهذا أمر لابدّ منه.
    وبالتأكيد ليست الأفعال القبيحة هي كلّ ما ينبغي الإنسان أن يجتنبه، فلابدّ من الاجتناب عن الأفكار القبيحة والرغبات القبيحة كالحقد على الآخرين. فلنحاول أن نبعد كل هذه الأمور عن قلبنا. ونفرّغه لإدراك الجمال. فإن الهجرة إلى الله بدافع الجمال لها طعم آخر.

    2ـ مصاحبة أهل الجمال

    الخطوة الأخرى التي لابدّ أن نخطوها في هذا المسار هو مصاحبة أهل الجمال. إن أئمتنا المعصومين هم «وجه الله»، فلنصاحبهم ونستأنس بهم، فعند ذلك تتغير ذائقتنا ونستأنس حينها بجمالهم.

    3ـ الخلوة مع الطبيعة


    كما ينبغي أن لا نمرّ مرور الكرام عن جمال الطبيعة. حيث يعتبر الفنانون بأجمعهم أن هذا الجمال الطبيعي هو مصدر إدراك الجمال بشكل عام. فلتكن لكم خلوة مع الطبيعة، مع الليل ونجومه، مع الصحاري والجبال والبحار. فإن الخلوة مع الطبيعة مستحسن جدا.
    أنا أعتقد أن ما قاله أمير المؤمنين(ع) أن: «النَّظَرُ إِلَى الْخُضْرَةِ يُسْر؛ صحفيفة الإمام الرضا(ع)، ص72»، لم يكن بغرض صحة الجسم وحسب. واستبعد أن تكون بعض إرشادات أمير المؤمنين(ع) ذات بعد واحد، ولا يمكن افتراض الحياة ذات بعد واحد. عندما يوصي أمير المؤمنين بهذه التوصية فلابدّ أن يكون في هذا النظر أثر خاص على روح الإنسان.
    على كل نحن بحاجة إلى مراقبة عامة في سبيل تطهير القلب من الأوساخ والقبائح لكي نتمكن من إدراك الجمال المعنوي في هذا العالم.

    يتبع إن شاء الله...



  8. #18

  9. #19
    صديق فعال

    ‎شرح خطبة المتقين للإستاذ بناهيان الجلسة 4

    إليك ملخّص الجلسة الرابعة من سلسلة أبحاث سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ بناهيان في شرح خطبة المتقين لأمير المؤمنين(ع) حيث ألقاها في جمع من طلاب وأساتذة الجامعة في مسجد جامعة طهران.

    دواعي وفوائد ابتداء الكلام بحمد الله

    لقد ابتدأ أمير المؤمنين خطبته بحمد الله والصلاة على نبيه وآله وهناك داعيان وفائدتان يمكن تصورهما لحمد الله في أول الكلام.

    الداعيان: مراعاة الأدب/ حبّ الله

    الداعي الأول هو مراعاة الأدب. فالذي يبتدأ كلامه بحمد الله والصلاة على نبيه فهو في الواقع قد عمل بمقتضى الأدب لله سبحانه وتعالى. ولكن هناك من يجتاز هذه المرحلة فيراعي الأدب إذ قد أشرب قلبه من حبّ الله. فهو في الواقع لا يستطيع أن يبتدأ كلامه بغير حمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيه وأهل بيته.
    فإذا استطعنا أن نبتدأ بحمد الله والصلاة على نبيه وآله بحافز الحبّ والعشق فطوبى لنا، وإلا فلنفتتح الحديث بذكرهم أدبا. إنه عمل صغير ولكن آثاره كبيرة جدا. لا بأس أن تلتزموا بهذا الأدب على مستوى القلب لا اللسان فقط وتضيفوا إلى ذكر الله حمده والصلاة على نبيّه وأهل بيته. وأتصور أن كل من داوم على هذا العمل والتزمه في حياته سوف يرى آثاره الجيدة.

    الفائدتان: تذكير الآخرين/ اتخاذ موقف

    وهناك فائدتان متصورتان لهذا العمل، وهي أنّكم بهذا السلوك تذكرون الآخرين بالله وبحمده وبالرسول(ص) والثناء عليه. فإن في هذا التذكير درسا كبيرا للآخرين الذين كانوا قد غفلوا عن هذا العمل. كما عندما يحضر الإنسان في صلاة الشيخ بهجت(ره) قد يتعجب من شدّة خشوع الشيخ وشدّة خضوعه أمام الله سبحانه، فلعلّه يتساءل في نفسه هل أن الله عظيم بهذا القدر ولابدّ من الخضوع والخشوع أمامه إلى هذا الحدّ، وهل يمكن أن يحبّه الإنسان بهذا المستوى ما يجعله يبكي في صلاته حبا وشوقا وخوفا وحشوعا؟! فانظروا كم يمكن لسلوك ما أن يشتمل على دروس وإشارات!
    وهناك أمر آخر لابدّ من إضافته كفائدة لهذا العمل وهو أن هذا النمط من الابتداء هو موقف في حد ذاته. فإنكم عندما تبدأون كلامكم باسم الله وبالصلاة على النبي وآله، سوف تُحرَمون من بعض الأساليب و الطرق العصرية والتي قد تبدو أنيقة وجذابة. فهذا الذي يبتدئ كلامه وعمله باسم الله وباسم الرسول وآله فهو في الحقيقة قد أفصح عن موقفه.
    أنتم تعرفون أنّ أحد أساليب المجاملة والتظاهر بالحيادية هو أن لا يصرّح الإنسان باسم الشخصيات والمسؤولين والأحزاب. وهو أسلوب متعارف ومطلوب في كثير من الأحيان. أما بالنسبة إلى الله والرسول وآله فلأننا نودّ أن ننخرط في حزبهم ولا نبغي أن نكون حياديّين فنصرح باسمهم لنعلن عن مبادئنا وموقفنا بشكل صريح. وإن هذا الإعلان واتخاذ الموقف الصريح يجعل الإنسان يتمتع بدينه وديانته ويشعر باللذة المعنوية.
    ليس من الفنّ والإناقة أن لا يذكر الإنسان اسم ربّه ونبيّه لكي يخفي موقفه تحرجا من بعض الأوساط، فإن أمثال هذه المواقف قد تسلب من الإنسان بركة دينه. من الجميل جدّا أن تبدأوا حديثكم في خطبتكم ببسم الله الرحمن الرحيم ثم اذكروا الإمام صاحب العصر والزمان(عج) مثلا بشكل أو بآخر. وأنتم تعلمون كم هو موقف كبير وقيّم من الشابّ في جلسة خطبته. وهنا سوف يعرف أهل الفتاة مدى علاقتكم بأهل البيت(ع). ومن شأن هذا الموقف أن يجلب البركات لحياتكم ويجرّ ألطاف الإمام الحجة(عج) إليها. إن في هذه الممارسات والمواقف لذة ومتعة خاصة، وحري بمن شاء أن ينخرط في حزب الدين أن يمارس هذه الأعمال ويتخذ مثل هذه المواقف.

    وقفة عند مقدمة الخطبة

    بعد ما انتهى أمير المؤمنين(ع) من حمد الله والثناء عليه، يقدم مقدمة قصيرة جدا في مقطعين ويشتمل كلا المقطعين على جزئين. فهي مقدمة مجملة جدا ومقسمة إلى أربعة أقسام. وكذلك ينبغي أن نقف عند جمالها ولحنها.
    قال(ع): «َ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ لِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ وَ لَا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَه مِنهُم‏» ولا يخفى عليكم أن العرب يدركون روعة هذه العبارة من مختلف أبعادها. وفي القسم الثاني من مقدمته قال(ع): «فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ وَ وَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُم‏»

    إن الله متكبر عظيم ولولا ذلك لما أمكنت عبادته ومحبته

    أول ما ابتدأ به أمير المؤمنين(ع) بعد الحمد والثناء هو تعظيم الله وبيان عزّته وغناه. إذ لا يمكن عبادة إله غير عظيم. ولا يمكن أن يعشق الإنسان إلها غير متكبّر. ولا يمكن عبادة إله غير واحد أو يتحمّل إلى جانبه موجودا غيره. كما لا يمكن عبادة إله يتنازل عن الشرك في عبادته ويقبل الصلاة من عبده حتى وإن كان قد أشرك غيره في واحد بالمئة من أجزائها وكان الباقي لوجهه. فلا يمكن عبادة إله يغضّ الطرف عن هذا الجزء الواحد بلا أن تأبى كبرياؤه وعظمته.
    فلا نصغّر الله في سبيل أن يسهل علينا إدراكه والارتباط به. ولا نصوّر رأفته ورحمته بالنحو الذي تتغارض مع عظمته وكبريائه.

    يتبع إن شاء الله...


  10. #20
    صديق فعال

    الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 4-2

    إن إدراك رأفة الإمام تقتضي معرفة عظمته

    كما أنكم إذا أردتم أن تدركوا رأفة الإمام الرضا(ع) ومدى شفقته بشيعته، لابدّ أن تراعوا منتهى الأدب في حضرته ولا تدخلوا حرمه إلا بعد ما تستأذنوه بقراءة إذن الدخول، فإن مراعاة هذا الأدب والعمل بمقتضى عظمة الإمام(ع) وعلوّ مقامه هو الذي يجعلكم تشعرون بمحبوبيته ورأفته.
    إن الطريق الوحيد الذي يعرفه الناس في كسب محبّة الإمام(ع) هو استماع القصص والكرامات التي تحكي عن مدى رأفته وقضائه حوائج الناس وحلّ الأزمات المعقّدة وشفاء الأمراض المستعصية. ولكن إلى جانب هذه القصص الجميلة والمؤثرة بحقّ في قلوبنا هناك طريق آخر يضاعف حبنا للإمام(ع) بشكل غير مباشر وقلّ ما يتحدث المحدثون عنه، وهو آداب الدخول في حرم الإمام وآداب زيارته. وهذا هو الذي جعل الشيخ بهجت(رض) يراعي شدّة الأدب عند الإمام(ع) حيث نقل عنه نجله قال: في أحد الأيام التي كان قد ذهب والدي إلى زيارة الإمام الرضا(ع) وقف أمام الضريح وبدأ يزور ويناجي الإمام لمدة ثلاث ساعات، فقد كادت رجلي أن تنكسر من شدة الوجع مع أنّي كنت شابّا!
    فالسبب غير المباشر في تعزيز حبّنا للإمام المعصوم(ع) ليس كراماته وقصصه، فإنها هي أسباب مباشرة، ولكن السبب غير المباشر في ازدياد حبّنا للإمام(ع) هو عظمة الإمام ما تجعل كبار الشخصيات وعظام العلماء يأتونه بكل أدب وخشوع.

    إن الله متكبر وهذا هو المدعاة لحبه وعشقه

    فخذوا هذا المثال وطبّقوه على علاقتكم بالله سبحانه. فبمقتضى عظمة الله وكبريائه إنه لا يجامل أحدا. ففي سبيل أن يُدخِل حبّه في قلوبنا فرض علينا الصلاة وجعل مستهلّها «الله أكبر» لا «الله أرحم». إنه أمرنا بصلاة تشتمل كل ركعة فيها على خضعات ثلاث؛ أي ركعة وسجدتين.
    لا يتكلم الله معكم كما تناغي الأمّ طفلها، إذ هو يعرفكم جيّدا، ويعرف أنه لا يحتلّ قلوبكم بطريقة مثل أن يفرض عليكم عظمته وأن يأمركم بتعفير جبينكم أمامه. فبهذا الأسلوب يزداد حبّنا لله؛ بالأدب لا بأدبيات الحبّ والغرام.
    اقرأوا سورة التوحيد وانظروا كم هي تحكي عن كبرياء الله. ففي هذه السورة قد فصل الله نفسه عن مخلوقيه تماما، ورفض أي شبه بينه وبين ما سواه. فهذه السورة بما تنطوي على مضامين كبرياء الله مدعاة لازدياد حبّنا له.
    ولهذا ترى أمير المؤمنين(بأمي وأمي) يشير إلى عزة الله وعظمته وغناه في مستهلّ حديثه قائلا: «فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حِينَ خَلَقَهُمْ غَنِيّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ آمِناً مِنْ مَعْصِيَتِهِمْ» لئلا يتصوّر أحد أنّه صاحب فضل على الله بتقواه وورعه، ولا یتوهّم متوهّم أنه ينفع الله بما يقوم به من طاعة وعبادة، ولا يزعم أحد أنه قادر على إلحاق الضرر بالله بمعصيته وفسقه؟!
    فلا بأس أن نقف عند شعور أمير المؤمنين(ع) عند بيان هذه العبارة، فكأنه أراد أن يشير إلى عظمة الله وكبريائه وعزته قبل أن يستعرض صفات المتقين الرائعة.

    لا تختص التقوى بمزاج خاص دون غيره

    ثم في المقطع الآخر قال أمير المؤمنين(ع): «فَقَسَمَ بَيْنَهُمْ مَعَايِشَهُمْ وَ وَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَوَاضِعَهُم». فعندما خلق الله الناس، جعلهم مختلفين في معايشهم ومواضعهم ومواهبهم وقابليّاتهم.
    ولا يخلو هذا الاختلاف من أسرار. واحد يولد في هذا تموز والآخر في شباط وخلق هذا في هذه الأسرة وجعل ذاك في ذاك المجتمع... وكل هذه الاختلافات مدروسة ومبرمجة. ففي هذه الأجواء «فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ‏ الْفَضَائِل‏» ومن هنا يبدأ الكلام.
    لعل مزاجنا يختلف عن مزاج زميلنا، فقد يكون دمنا حارّا ما يجعلنا نغضب بسرعة، أما الآخر فإنسان بارد لا يغضب. وقد تكون أنت من النوع الذي يظهر مودّته للآخرين، أما غيرك فلا يستطيع أن يبدي مشاعره ويظهر مودّته. فالناس مختلفون في طبائعهم وخصالهم وظروفهم، ولكن لا شكّ في أن الجميع معنيّون بمراعاة التقوى.
    فلا ينبغي أن نرى التقوى هي سلوك تنسجم مع بعض الطبائع والأمزجة دون غيرها، كما هو الحال في الغرب حيث يعتبرون التديّن ملائما لبعض الطبائع وحسب.

    إن انسجمت مقتضيات التقوى مع إحدى خصالنا في مرة فإنها سوف تعارضها في مرة أخرى

    إن كان تديّنك ناجما من بعض طبائعك وسجاياك، فإن الله سوف يسلب هذا الدّين منك. فإذا كان الإنسان ملتزما ببعض ظواهر الزهد بدافع سجاياه أو خصائصه الوراثية، يمتحنه الله بموقف ما يفرض عليه فيه أن يتخلّى عن التزامه بما اعتاد عليه. وفي الحقيقة لن يأمر الله بترك الزهد، ولكن يغيّر قوالب الزهد وظواهره.
    ما معنى التقوى؟ التقوى هي أن تترك ما يعزّ عليك تركه من أجل الله، وتقوم بما يعزّ عليك فعله من أجل الله. وبطبيعة الحال تختلف مصاديق هذه القاعدة بين الناس باختلاف طبائعهم وسجاياهم وظروفهم. ومن هنا تبدأ التقوى ويمتاز المتقي الحقيقي عن غيره.

    تختلف مصاديق التقوى من شخص إلى آخر

    «فَالْمُتَّقُونَ فِيهَا هُمْ أَهْلُ‏ الْفَضَائِل‏» يعني أنهم قد التزموا التقوى بالرغم من هذه الاختلافات الموجودة بين طبائع الناس. فليست التقوى سجية وخصلة في غرض خصلة المزاح والرأفة والشجاعة وغيرها، بل هي شيء وراء هذه الخصال وفوقها. فلعل أمير المؤمنين(ع) أراد من خلال هذه المقدمة أن يشير إلى إمكان التقوى للجميع مع كل الفوارق الموجودة بينهم.
    وكثيرا ما تختلف مصاديق التقوى من شخص إلى آخر. فعلى سبيل المثال يجب عليّ أن أتقي الله وأجاهد نفسي وأفرّ من مدح الآخرين وثنائهم عليّ لكي لا أغترّ ولا أتورط بالعجب، أما الإمام الراحل(ره) فكان تكليفه هو أن يتقي الله ويأتي إلى الناس من شرفة حسينية جماران ويحيي الناس ويسمع هتافاتهم في مدحه والولاء له. فإنه كان يفعل ذلك بسبب تقواه وإلا فلو كان يريد أن يعمل على أساس ما يهواه لاعتزل عن الناس وانشغل بالله بعيدا عما يجري في الدنيا. ولكنه كان يتّقي الله ويعمل بتكليفه.

    يتبع إن شاء الله...


صفحة 2 من 3 الأولىالأولى 1 23 الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال