خراب الشناشيل يهدد الهوية المعمارية لتراث البصرة
بعض بيوت الشناشيل استغرق العمل على بنائها أكثر من 3 أعوام لكثرة تفاصيلها، وقد اعتمد في ذلك على خشب التوت (التكي) أو خشب السدر (النبق) وغيره من الأخشاب المحلية المتوفرة.
العرب ـ عباس محسن:البصرة – مدينة البصرة العراقية مدينة جميلة لا حدود لجماليتها فكل من سكنها أو زارها لابد له أن يسحر بشناشيلها الباسقات كنخيلها. لكن تلك الشناشيل لم يبق منها الكثير، حيث هدم الناس جزءا منها وتكفلت عوامل الزمن بجزء آخر.
تعتبر شناشيل البصرة من الآثار المتبقية من فترة زمنية تمثل تاريخ المدينة العراقية. وهذه الآثار مجتمعة في منطقة واحدة. وتشير المصادر التاريخية إلى أن أصل كلمة شناشيل فارسية مركبة من (شاه ناشين) وتعني: محل جلوس الشاه الأعظم أو خير المجالس.
ويوجد هذا الطراز في البصرة و بغداد وباقي المدن العراقية التي تختلف من حيث أنواع مادة البناء.
وتحتوي الشناشيل – وتعرف في بعض البلدان بالمشرفية – على شرفات خشبية مزخرفة بشكل ناتئ إلى الأمام وتمتاز بصناعة نقوشها يدويا، ويكون هذا البروز بالخشب عادة وبزخارف هندسية مطعمة بالزجاج في الشبابيك أو الأبواب في حالات أخرى.
وتباينت الآراء حول ما إذا كان تأثير البناء على الشناشيل تركياً أو هنديا، إذ يشير د. جنان محمد علي في كتاب “ذاكرة البصرة – من ذاكرة المعمار” إلى أن الكثير من الآراء التي تنسب إليها نشأة وابتكار هذا النوع من البناء تقول بأنه من التأثيرالتركي أقرب منه إلى التأثير الهندي.
وأشارت أيضا من حيث المصطلح أنه قد جاء في لسان العرب بأن الشـرفة هي أعلى الشيء وهـي مـا يوضـع على أعالي القصـور وتذكـر بـعض المصــادر الـعربية بأن الـ”رواشن” ومفردها “روشن” وهو الخشب الذي يخرج من حائط الدار إلى الطريق ولا يصل إلى جدار آخر يقابله وهو ربما – يدل على مصطلح “بالكون” أيضاً.
بعض بيوت الشناشيل استغرق العمل على بنائها أكثر من 3 أعوام لكثرة تفاصيلها، وقد اعتمد في ذلك على خشب التوت (التكي) أو خشب السدر (النبق) وغيره من الأخشاب المحلية المتوفرة والتي تعرف في البصرة بالاسم المحلي الـ”جندل” نظرا لغلاء الحديد أو “الشيلمان”، إضافة إلى أن هذا الخشب يوضع فوقه الـحصير والذي يحاك من خوص النخيل وكذلك يعرف بالبصرة بـ “البارية”.
الشناشيل تعكس فترة ازدهار فن المعمار في تاريخ المدينة العراقية
وقد أشارت المصادر الالكترونية الموثقة على أن تأثر الغرب في العصور الوسطى بالمشربيات، فبنوا المشربيات الحجرية ذات النوافذ في بعض قلاعهم وهي لا تزال قائمة إلى حد الآن. ويقال أن المشربيات من مخلفات الميسورينالتي تدل على ثرائهم، ولطالما كان يعرف الثراء من خلال الشناشيل لما تتطلبه من أموال كثيرة وكلفة عالية، إضافة إلى أن بعض المشربيات التي بنيت في بغداد في العشرينيات والثلاثينيات من القـرن العشرين تأثرت بحركتـي “الآرت نوفـو، والآرت ديكـو” الغربيتين ويظهر ذلك في النقـوش والزخـارف.
وتمتاز الشناشيل ببرودة الجو داخلها وخصوصاً في الصيف اللاهب التي تمتاز به محافظة البصرة، إضافة إلى الألفة الاجتماعية التي تخلقها هذه الأجواء، كما أن هذه الشرفات تمنح بعض الخصوصية للنساء تحديدا للنظر إلى الشارع المطل وخصوصا في بعض المناسبات كالأعراس وبعض الاحتفالات و التي –ربما – تكون حكرا على الرجال دون النساء. وكل هذا يعطي المشربيّة بعداً نفسيّا رائعا ويمنح الساكن شعورا بالاطمئنان. وتنتشر الشناشيل بكثرة في محافظة البصرة، ابتداء من أبي الخصيب والتنومة والسبيلات والرباط والبصرة القديمة والكثير من المناطق الأخرى.
لكن قلّة من هذه المدن بقيت محافظة على هذا المعمار، فقد وقع التخلّي عنها في أغلب المدن وتم تغيير ملامحها، أو تحولت في أحسن الأحوال إلى ملكية الحكومة كما حصل في البصرة القديمة – محلة نظران – مع منزل الشيخ خزعل والذي حُوّل إلى “البيت الثقافي”، ومنزل الوالي المعروف بمنزل “المناصير” إلى المكتبة الإسلامية. أما منزل السفير اليوناني فتحول إلى متحف آثار البصرة، إضافة إلى أن أحد البيوت ألأخرى أصبح مقرا لاتحاد الأدباء
كاردينيا