من أهل الدار
تاريخ التسجيل: January-2014
الدولة: الجزائر
الجنس: ذكر
المشاركات: 2,529 المواضيع: 110
صوتيات:
14
سوالف عراقية:
0
مزاجي: متفائل
المهنة: موظف
أكلتي المفضلة: كل انواع الطعام
موبايلي: NOKIA
آخر نشاط: 28/July/2021
الإنسان الحائر بين العلم و الخرافة (من إعداد بلخيري حسن) من الجزائر
إضغط على مفتاح Ctrl+S لحفظ الصفحة على حاسوبك أو شاهد هذا الموضوع
الإنسان الحائر بين العلم و الخرافة
مثل المجتمعات البشرية في نموها و إدراكها، كمثل طفل جاء إلى الحياة ليمر بمراحل عديدة، فيتطور فيها نموه، وتزيد تجاربه، و تتسع مداركه، صحيح أن الإنسان كفرد يولد وينمو و يتعلم و يتزوج و يهرم ثم يموت، لكن المجتمعات لا تندثر و لا تموت، فهيا دائما تجدد نفسها عن طريق التناسل و التكاثر، ومن هذا التجدد تأتي أجيال من وراء أجيال، وبذلك ينتشر النوع و يشتد عوده في الزمان و المكان.
و إذا كانت مراحل عمر الفرد منا تقاس بالسنوات أو بالعشرات السنوات فإن المراحل التي تمر بها الدول و المجتمعات تقاس بمئات أو ربما بآلاف السنين، في كل مرحلة من هذه المراحل يكتسب أفرادها مفاهيم جديد و خبرات جديدة ...الخ، حتى تقع بين أيدينا –في النهاية- على هيئة تراث بشري تمتد جذوره في أعماق الزمان.
إن المجتمعات البشرية،وأنماط سلوكها، وضروب أفكارها، حتما ستجد الأفكار الغريبة و التقاليد المثيرة، ومعظمها قد نبعت من تفاعل الإنسان مع البيئة الطبيعية التي يعيش فيها...فلقد رأي الإنسان القديم مثلا من ظواهر الطبيعة أمورا حيرته أشد الحيرة، فأثارت مخاوفه، وشحذت خياله، ومن ثم فقد بدأ في استنباط تفسيرات تتلاءم إدراكه البدائي البسيط، ومن هذه التفسيرات الخاطئة للظواهر الكائنة، نبتت الخرافات و ترعرعت الخزعبلات و انتشرت الأساطير في كل المجتمعات.
مما لا شك فيه أن الإنسان القديم – وحتى إلى عهد حديث نسبيا – قد اصطدم بظواهر طبيعية وبيولوجية و فلكية كالتي نرها في عصرنا الحاضر، فرأى رياحا وبرقا يلمع، ورعدا يجلجل، وصواعق تشعل النيران في الأشجار و الغابات فتحرق و تدمر وسحبا تنطلق وتمطر، ومياه تندفع كالطوفان فتكسح وتغرق ... ثم إذ بالأرض – بين الحين و الحين – وترتجف تحت قدميه في زلزال يهزه فتشق الأرض و تدمر الجبال و البراكين تثور هنا وهناك و تتصاعد أدخنة إلى السماء.. كل هذه الأمور و غيرها قد أفزعته و أخافته و طبيعي أنه لا يستطيع أن يدرك مغزاها و معناها كما ندرك نحن ذلك في أيامنا الحاضر، ومن هنا تجسدت في خياله قوى أسطورية أكبر منه، فأرجع ما رآه إلى آلهة و أشباه آلهة تمسك بمقاليد الأمور تتحكم في الأمطار و البرق و الرعد و الزلازل و البراكين و الرياح...الخ، و من ثم فقد اخترع لكل ظاهرة من هذه الظواهر إليها، فكان إله البرق و الرعد وإله النيل و إله الخصب...الخ.
وعندما كان الإنسان البدائي يهجع إلى كهفه لينام، تأتيه الرؤى و الأحلام، ولاشك في أنه قد تحير لهذه الظاهرة أعظم حيرة، فأرجع ما يراه أثناء نومه إلى روحه التي تترك جسمه و تجول هائمة على حريتها وقد يرى – ضمن ما يراه في منامه – أمواتا كأنما هم قد عادوا إلى الحياة، وإنسان ربما يكون نائم قد أزهق روحه فيعود إليه في منامه ليعاتبه أو يطارده أو يهجم عليه ليقتله، وعندئذ قد يقوم النائم فزعا لما رأى، قد يقص ذلك على أترابه ويبدأ الخيال في نسخ أساطير تشرح تلك الظاهرة الغريبة فيعتقد أن هذه الأرواح لا تترك دنيها، بل تجيء بين الحين و الحين لتزور الأحياء و هم نيام ... إلى آخر هذه التفسيرات التي تتناسب بقدر ما تطور العقل وإدراك.
ومن حصيلة هذه الظواهر المتباينة، سيطرت على الإنسان القديم أوهام شتى، لكن هذه الأوهام لم تختفي حقا في عصرنا الحاضر...ذلك أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يتخيل...إنه مخلوق بطبعه خيالي... صحيح أنه لا يستطيع أن يهضم كثيرا هذه التفسيرات الساذجة التي جائته من أسلافه القدامى، ولا أن يرتاح كثيرا لأساطيرهم الغريبة إلا أنه اصطدم أيضا ببعض ظواهر طبيعية وبيولوجية وفلكية و صناعية(أي من صنع يده هو) حديثة، ولجهله بطبيعتها بدأ يفسرها تفسيرات هي أقرب للأساطير القديمة منها إلى التفسيرات العلمية الحديثة.
أي أن لكل عصر خرافاته...ولكل بيئة أساطيرها، لكن ما وقر في عقول عصرنا الحاضر خرافات حديثة اتخذت ميدان العلم لها ستارا لتصول فيه وتجول، رغم أن العلم بريء.
الخرافات الحديثة
الخرافات الحديثة هي – بلا شك – نتيجة للأنشطة المختلفة التي يعيش فيها الإنسان الحالي. وقد يكون لهذه الخرافات جذور قديمة، لكنها اتخذت نغمة أخرى لتساير عصرنا هذا.
فالذي يتحدث عن الخرافات ويرجعها إلى ما يسميه بالمعجزات، لا يدرك شيئا من نواميس الكون و الحياة فالمعجزة في نظره شيء خارق أو خارج عن المألوف، و المعجزة أيضا كما وقر في عقول من لا يفقهون – أمر لا يخضع لقانون و لا يسري بناموس و لا يتتبع سنن الله في خلقه، ومن هنا تبدو لهم المعجزة كشيء خارق و معطل للنظم المتقنة البديعة التي يراها رجل العلم في كل أمر من أمور هذا الوجود العظيم، بداية من نظم الذرات الدقيقة إلى إتقان خالق السموات العظيمة و ما بينها من أرض وكواكب ومخلوقات لا نستطيع أن نحصيها عدا، ومن أجل هذا لا يرتاح رجل العلم كثيرا الأمور الكرامات و المعجزات التي ينادي بها عامة الناس.
صحيح أن العلم تجابه بعض التحديات، وصحيح أن هناك ظواهر لم يعرف كل أسرارها بعد، و صحيح أننا لم نصل إلى نهاية المعرفة، وأن ما لا ندرك سره اليوم قد ندركه غدا، فكل شيء يتطور و يصقل، و التطور يحتاج إلى زمن، و في كل يوم نرى إنجازات علمية جديدة، ونضيف إلى معارفنا ما لم نعرفه، كل الأجيال السابقة، لكن ذلك لا يعني أن ما نعجز عن إدراكه الآن نعيده إلى المعجزة، بل يعني أن الوقت لم يحن بعد لإدراكه، لقصور نسبي في مفاهيمنا الحالية.
إن الراسخين في العلم يدركون تماما أن كل شيء في الأرض و في السماء يسير على هدي التشريع لا استثناءات فيها و لا فوضى، و لو حدث الاستثناء لفسد كل ما في الأرض و السماء. لكننا – و الحق يقال- لا نلحظ إلا ما هو بديع و منظم و متقن و جميل. و لو جاءت المعجزات التي يتحدث بها الناس في هذا الزمان لتستثني من القوانين الطبيعية بشرا أو خلقا أو شعوبا أو أجراما، لكن معنى ذلك أنها ليست كذلك. إذ ليس أدل على صحة ما نرمي هنا إليه مما جاءت به هذه الآية الكريمة (سنة الله التي قد خلت من قبل * ولن تجد لسنة الله تبديلا)..س الفتح الآية 23.
و هذا هو القول الفصل الذي يجد هوى عظيما في عقول من يتعاملون مع سنن هذا الكون الصامد العظيم...فكل شيء فيه يسير إلى قدر معلوم، و على حسب سنن لا تلاعب فيها و لا تبديل!
إذن فالمعجزة هي كل ما عجز العقل البدائي أو العادي عن تعليله، فإذا درست الظاهرة التي يظنها الناس معجزة أو خارقة، فإنه يمكن – في أغلب الأحيان تفسيرها على أساس من دراسة و بحث و علم.و عندما تفسر، و يدرك سرها في الحال معجزاتها و لهذا يقولون: إذا بزغ نور العقل ولى زمن المعجزات!
و الواقع أن هناك مئات من الظواهر الطبيعية و البيولوجية والفزيائية...الخ، التي مازلت تتجلى للإنسان العادي في وقتنا الحاضر، و هو لقصور في فهمه لهذه الظواهر لا يجد أمامه من تفسير مريح و مثير وجذاب إلا أن يرجعها إلى مخلوقات غريبة أو صحون طائرة أو جاءت من كواكب أو خوارق لبعض الناس في العلاج و إجراء عماليات بدن أي ألام و...الخ.
ومعظم هذه الظواهر التي يجري ورائها يرجع سببها في قصور في الإدراك أو جهل أسبابه، أو السعي نحو سراب خادع بغية الإثارة أو تحقيق مكاسب مادية و أدبية على حساب الحقيقة المفترى عليها، و لو رجع هؤلاء إلى العلماء المتخصصين في مثل هذه الظواهر، لا أدركوا كم كانوا بها جاهلين، فمثل متا يدعون كمثل معجزة.
وبعض الوسائل الإعلامية و المجلات التي تنشر هذه المعلومات فوقعوا في أخطاء و أوقعوا الناس معهم في تصديق الخرافات و القوى الخفية و بعض الصور و يذهب التضليل إلى منتهاه و يعلنون عن تصوير قوى خفية بآلات تصوير و أجهزة علمية حديثة كالهالات المضيئة فوق رؤوس القديسين و القوى التي على أيادي المعالجين الروحانيين.
و من المزاعم و الخرافات الحديثة أيضا شدت انتباه الناس حقا – تلك التي تشير إلى أن للنباتات أحاسيس أرق من أحاسيس البشر و عواطف أرقى من عواطف الإنسان سيد المخلوقات. فهي تحزن و تبكي و تفرح و تكره، وكأنما جاءت بعقل مدرك كعقول البشر...و الواقع أن هناك كتبا كثيرة غير علمية بطبيعة الحال.
وهنالك أيضا لغط كثير حول بعض أفراد امتلكوا طاقات أسطورية و بها يحركون الجماد، و يثنون الملاعق و السكاكين بمجرد تركيز عيونهم عليها و أمور أخرى كثيرة و مثيرة.
و بعض من يؤيدون هذه الأفكار و الخرافات و يؤكدون أن العلم قد حقها ، وعجز عن تفسيرها و أضطر مرغما إلى الاعتراف بها و تبنيها و كل هذه إدعاءات باطلة. فالعلم منهج عقلي و تجريبي واضح، لأنه يستقي قوته و صموده من خلال النظم الطبيعية و البيولوجية و الكونية التي دائما يحاول أن يعرف الأسرار الكامنة فيها ومن خلال هذه المعرفة ندرك أن هذا الكون و الحياة قد جاءا بنظم لا يأتيها الباطل و لا يمكن أن تتخللها الفوضى، إنما الفوضى قد تنبع من العقول التي تقفز إلى الاستنتاجات دون تقصي الأسباب التي تؤدي إلى مسبباتها.
المزاعم الرخيصة و الأفكار الساذجة و النكسات الفكرية التي تدعو الناس إلى العودة إلى الوراء – إلى عصور السحر و الشعوذة و الدجل و الخوارق و المعجزات – مرفوضة في الأوساط العلمية رفضا باتا، وهي لم ترفضها حبا في الرفض، و لا كذلك تتعالى عليها، بل لقد ثبت من خلال تحريات طبية و علمية دقيقة أنها خزعبلات قد تضر و لا تنفع.
العلاج بالخرافات في الدول العربية
ففي معظم الدول العربية كان الناس ولا يزالون يلجئون إلى الشيخ أو الوالي أو العارف (حيا أو كان ميتا )، أ, (سيدنا)، لاعتقادهم في كرامته و اعترافا ببركته التي تنساب من يديه و هو يتمتم بذكر الله و الرسول، وقد يطلق البخور، فيشيع حوله جوا من الطمأنينة و الهدوء و في تلك الأقوال و الأفعال و ردود الأفعال لا تنكر على حالة المريض المعنوية و هذا لا ينكره الطب النفسي الحديث...فالإنسان نفس و بدن و كلاهما بلا شك يؤثر في الأخر و قد يشفى و يبرأ اعتقادا منه في معجزات شيخه أو وليه أو قديسه...الخ، تستطيع أن تربط بين هذا المبدأ في العلاج على يدي الشيخ، و بين ما يقوم به المعالجون الروحيون في الفلبين و غيرهم أو المعالج المشعوذ الذي يقطن الأحراش و الغابات في المناطق التي تسكنها الشعوب البدائية... اختلفت الوسائل، لكن النتيجة واحدة، فالثقة و الاعتقاد القائم بين المريض و طبيبه وبينالمريض– أيا كانت هويته – من الأسباب الدافعة للشفاء من بعض الاضطرابات النفسية التي تنعكس على أمراض و وظيفية أو غير عضوية مثل الصداع و بعض أمراض الشلل المؤقت و الطفح الجلدي و المغص و القرح و كذلك ضيق التنفس و الاكتئاب...الخ.
و يقوم الطب الخرافي في أحيان كثيرة على تعاويذ أو أحجبة و وضع يد الشيخ المداوي على موقع الجزء المريض مع تمتمة و دعوات قد تكون غير واضحة و مفهومة، لكن ذلك لا يجدي شيئا في الأمراض العضوية التي لها أسباب محددة يعرفها الطب في أغلب الأحيان، و من هنا و جب على كل ذي عقل رزين أن يتبع حديث الرسول الكريم (عباد الله تداووا، فإن الله عز و جل لم يضع داء إلا وضع له دواء، إلا الهرم)...أي فيما عدا الشيخوخة فليس لها دواء و هذا ما نعرفه أحق المعرفة.
هذه التعاويذ العصرية لا تختلف كثيرا في المضمون و الاعتقاد – عن التعويذة التي كان يكتبها القدماء منذ الآف السنين، فقد يكتب الشيخ (الطبيب) في التعويذة على سبيل المثال (لا إله إلا الله)، أذنت الحمى و غارت، لا إله إلا الله، و في علم الله سارت ...الخ) و قد تجد في الحروز رموزا و أرقام و مربعات مثل ( أ ح أ ك ك ح ع ح م م خ) ... فهذا على حد زعمهم يميت العفريت أو الروح الشريرة التي دخلت الجسد و إصابته بالرجفة، رغم أن الرجفة قد تكون من الحمى أو أي مكروب آخر وهذه لن تميتها صلوات الشيخ و دعواته، و إذا حدث و شفي المريض، فإن شفاءه لا يرجع إلى البركات الشيخ ومعجزاته، بل يرجع ذلك أولا إلى النظام البديع الذي أسراه الخالق في الأجسام على هيئة أجهزة دفاعية على درجة هائلة من الكفاءة و التعقيد...أي أن المعجزة تكمن حقا في تكوين أجسامنا و لا يعرف خبايا هذه الحقيقة إلا الدارسون المتعمقون.
إن معظم المعتقدات الغريبة التي نشهدها اليوم في بعض طرق العلاج البدائية يرجع تاريخها إلى الأفكار التي راودت عقل الإنسان القديم الذي عاش قبلنا بآلاف السنين...اعتقد أن ما يصيب الإنسان من أضرار أو أمراض، قد تكون نتيجة خبيثة أو مس أو الجن أو من عمل سحري ضار أو أي قوى خفية أخرى و الغريب أن هذه الاعتقادات القديمة لا تزال تعشش حتى الآن في عقول كثير من الناس ... ليس فقط في أوطاننا العربية بل في الشرق و الغرب.
و لنشأة المرض و طرق العلاج ارتباط خاص بالبيئة و لهذه قصص طويلة و مثيرة، من ذلك مثلا أن كهنة بابل يصيفون التهاب العين تقول عليك أن تنزع أحشاء ضفدعة صفراء و تخلط مرارتها بجبن و تضعها على العين، و من وصفات القدماء المصريين أن تأتي بمرارة سلحفاة و أثناء طحنها بالعسل لصنع مرهم يوضع على الجفن لعلاج سحابة العين و كذلك في المغرب العربي لهم وصفات غريبة...الخ، هذه الوصفات الغريبة و الحديثة نسبيا ليست جديدة تماما و يبدو أنها تسير على نفس الفكرة التي سار عليها القدماء، كما كان بعضها لا يزال ساريا حتى اليوم.
مثلا ما تكتبه الصحافة شيء و ما يقوله العلم شيء آخر فحقيقة الأمر أن الإبر الصينية وجدوها تعالج بعض أمراض الصداع النصفي و ألام المفاصل...الخ، فحقيقة الإبر الصينية لا تستخدم في العلاج كما جاء، ولكنها وسيلة من و سائل التغلب على الألم الذي يصاحب المرض...أي أنها تخدير مؤقت، لعلاج ناجع و من هنا وجب التنويه و التحذير من هذا الخطأ الشائع حتى يجري المرضى و راء سراب خادع.
و الواقع أن الإبر الصينية نشأة من اعتقاد خرافي قديم و في الاعتقاد يفترض الصينيون القدامى أن الإنسان ليس إلا صورة مصغرة للكون الكبير و لهذا يتأثر الجسد بالظواهر الكونية التي تسري على الأجرام السماوية و يعتقد حكماء الصين أن الكون يسير على هدي قوتين هما : يين yin و يانج yang.
و هذا أن كلمة (يين) في الاعتقاد الأسطوري تمثل العنصر الأنثوي و تتميز بصفات سالبة، في الحين أن كلمة (يانج) تعني العنصر الذكري و ذوا صيفات موجبة و يرجعون كل ما يصيب الجسم ترجع إلى اختلال الموازين بين اليين و اليانج، ثم أنه لا يهم أن تضع الإبر في الموقع الذي حل به المرض و من شأن هذه الإبر تصلح الخلل.
فإن فكرة الإبر الصينية قد نشأت عن قصة قديمة تذكر أن جنديا صينيا كان يعيش هناك منذ ثلاثة ألاف عام، ثم أصيب بسهم أستقر في جسده، فلاحظ أن دخول السهم في منطقة قد أحدث ما يشبه التخدير أو فقدان الحس في منطقة أخرى.
وما نريد أن نصل إليه أن ما يتردد بين الناس عن معجزات الإبر الصينية و سحرها، ثم قولهم بعجز العلماء عن فهم هذا اللغز و تقييمه، ليس له ما يبرره... فحقيقة هذه الإبر أنها لا تستخدم على الإطلاق كطريقة من طرف العلاج، بل هي تنفع في تخفيف بعض الآلام عند بعض الناس و قد يتأتى ذلك في جدواها أو بلإحاء أو ما شبها ذلك.
ثم لماذا يجري الناس وراء شيء مشكوك في أمره حتى الآن و أمامهم و سائل العلم الحديث للقضاء على الآلام؟
خاتمة
بقيت لنا كلمة أخيرة في نهاية هذا العرض حول بعض الخرافات الطبية التي التصقت بأذهان الناس و كان لأجهزة الإعلام النصيب الأكبر في نشرها و الدعاية المضللة التي صاحبتها ...فكل ما كتب في هذا الموضوع من أوهام لم يكتبه علم أو طبيب فاحص مدقق، درس طبيعة الجسم البشري و عرف الكثير من أسراره و خباياه، إنما يجيء ذلك عن طريق مشاهدة يلعب فيها التمويه و الخداع النصيب الأكبر، و يجوز ذلك على كل من لا يعرف من أساسات العلم و الطب شيئا يذكر، ثم يكتب و يتفلسف فيما لا يعرف !
والمعالجون الروحانيون في كل أنحاء الدنيا – بما في ذلك اللمسات و البركات التي تنساب من بعض الشيوخ الطرق الصوفية، أو كل من له مكانة دينية خاصة بين الناس، يدعون أن القدرة على العلاج تأتيهم من مصادر شتى، يعطونها تعريفات تختلف باختلاف بيئاتهم و عقائدهم، و الأطباء يعالجون أيضا كثيرا من الناس، و لكنهم لا يقحمون هذه القوى الخفية في مجالاتهم الطبية، وإلا كان أمرهم كأمر المشعوذين...ذلك أن الطبيب أو الجراح يظل طول عمره يدرس أسرار الجسم البشري...جزيئاته، خلاياه، أنسجته و أعضائه و يبحث جادا أسباب الخلل النفسي أو العضوي أو الوظيفي أو البيوكميائي أو الوراثي ...الخ، التي حلت بالجسد فيجري جراحة لها أصول و يصف دواء قام على أساس من بحث و تجربة و إدراك و يعطي مضاد حيويا يناسب المكروب الذي غزا الجسم و هو في كل هذا لا يدعي أنه أتى بمعجزة، ولا قام بأمر خارق و لا تدخلت قوى خفية و لا هي انسابت من بين أصابعه، بل إن المعجزات و القوى الخفية تكمن في الخلق المبدع و النظام المتقن الذي و ضعه الخالق في خلقه من قديم الأزل، ليسري كل شيء إلى قدره المعلوم... و لهذا فإن العالمين ببواطن الأمور يدركون تماما أن المعجزة الحقيقية في داخلنا نحن كما قال تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)..( الذي خلق فسوى و الذي قدر فهدى) .. قدرها و هداها جزيئات متفاعلة و خلايا مترابطة و أنسجة متآلفة و أعضاء متكاملة ليخدم بعضها بعضا و فوق كل هذا تمتلك الوسيلة أو الوسائل التي تصلح بها ما عطب و ترمم ما تهتك.
فلو أن طبيبا قد تقبل حالة أصيبت بجرح غائر و قام بما تمليه عليه مهنته، والتأم الجرح في سلام، فأنه لا يدعي لنفسه الفضل في ذلك بل أن الجسم حقيقة هو الذي قام بالعملية من أولها إلى آخرها و كل عمل الطبيب هنا أن يساعد فقط على عدم تلوث الجرح بالمكروبات و يحد عن النزيف بوسائل شتى ...الخ أما التئام الجرح ذاته تعود إلى الجيوش من خمائر وبروتينات و كرات دماء و تفاعلات و استعدادات ضخمة لتبني سدا جديدا يفصل بين عالم الجسم الداخلي و الخارجي .
و ما يجري على الجروح يجري على العظام المكسورة، فالكشف بالأشعة يوضح للطبيب طبيعة الكسر و موقعه، فيقوم بتسوية العظام المكسورة و إعادتها إلى وضعها المناسب، ثم يلفها بجبرة حتى يضمن بقائها في و ضعها، و يترك للجسم الباقي، لان الجسم هو الذي يقوم بعد ذلك بعملية اللحام بين العظام، و هي أيضا عملية طويلة و معقدة...إذن فالمعجزة ليست للطبيب، بل ترجع أساسا للاستحكامات الدقيقة التي لا تظهر إلا إذا حدث الخلل.
و الواقع أن الإنسان و الحيوان قد عاشا من قديم الأزل على هذا الكوكب و كان الفضل في صمودهما ضد الميكروبات التي تحوم حولهما ليل نهار، يرجع إلى خطوطهما الدفاعية المحكمة، و لولها لما بقي إنسان أو حيوان.
من إعداد بلخيري حسن الجزائر