السامانيون


قامت الدولة السامانية في منطقة ربما لا تدخل جغرافيا وسياسيا في منطقة الثقافة والحضارة الفارسية وهي المنطقة التي تسمى بلاد ما وراء النهر،ولكنها ما لبثت أن امتدت إلى المنطقة الفارسية فبسطت نفوذها على خراسان،كما ضمت طبرستان الري ،بلاد الجبل وسجستان.
وبالتالي كانت حصنا منيعا من الناحية الشرقية لكي تصد الخطر عن المسلمين ونخص بالذكر الأتراك الذين لم يستوعبوا الإسلام في تلك الفترة.
وينتسب السامانيون إلى جدهم سامان وهو من أسرة فارسية نبيلة ويعود أصله إلى القائد الفارسي المشهور«بهرام جوبين».
واتصل سامان هذا بالمسلمين،وأسلم على يد أسد بن عبد الله القسري الأمير الأموي ووالي بلخ،فسمى إبنه أسدا تبركا به.
وكان لأسد ابن سامان أربعة أبناء اشتهروا في عهد الخليفة هارون الرشيد(170-193 ﮬ/ 796-808م) وهم نوح،أحمد،يحي،إلياس.



وفي عهد المأمون(198-218ﮬ/814-833م) تولى أبناء أسد السلطة،فولى نوح على سمرقند،أحمد على فرغانة،الياس على إقليم الشاش وأعطى هراة ليحي.
ولما مات احمد سنة251 ﮬ/865م،خلفه ابنه نصرا وأصبح واليا على فرغانة وسمرقند وفي سنة261 ﮬ/875م،بعث الخليفة المعتمد(256-279 ﮬ/870-892م) منشور إمارة جميع بلاد ما وراء النهر باسم نصر ابن احمد فاتخذ من سمرقند حاضرة له. وأرسل أخاه إسماعيل واليا على بخارى وعين باقي إخوته على الولايات التي تنطوي تحت حكمه.
قوي نفوذ نصر بن احمد وأصبح باستطاعته أن يولي من يشاء على بلاد ما وراء النهر، وازدادت شهرة السامانيين في البلاد المجاورة ،حتى أن بخارى لما حدثت فيها اضطرابات وتمردات استطاع إسماعيل أن يقضي عليها بعد أن طلب منه أهالي بخارى المساعدة. فقوي مركز إسماعيل في بخارى فشك نصر فيه معتقدا أنه يريد الاستقلال عنه فساءت العلاقة بينهما واشتبك في حرب كان النصر فيها لإسماعيل ودلك سنة295 ﮬ/888م،لكنه صفح عن أخيه وعادت الأمور إلى طبيعتها.
واستمر حكم نصر إلى غاية عام 279 ﮬ/893م،فألت الأمور إلى أخيه إسماعيل، الذي عمل على تدعيم نفوذ الدولة السامانية واستطاع أن يبسط سلطانه على خراسان بعد أن أوقع الهزيمة بالصافاريون،فأرسل إليه الخليفة المعتضد بالخلع ،وولاه بلاد ما وراء النهر،واتخذ من بخارى حاضرة له.
ظهرت الدولة السامانية بمظهر القوة في عهد إسماعيل وقامت الدولة في عهده بغزو الترك في سنة280ﮬ/893م وأسر العشرات منهم،كما صدّ غاراتهم في سنة 291 ﮬ/904م.

وكانت علاقة إسماعيل بالعباسيين تقوم على أساس المودة والتفاهم،حيث أن السامانيين لم يتجهوا بأطماعهم إلى التوسع ضد جيرانهم من الولايات الشرقية أو أملاك العباسيين،إنما جاء امتدادهم إلى الداخل نتيجة الفراغ الذي حدث على إثر ضعف الدولة الطاهرية،وكذلك حينما قضوا على الصافاريين،كما تمكن من فتح طبرستان وإنتزاعها من يد المتمرد على الدولة العباسية محمد بن زيد العلوي الذي كثرت غاراته على الدولة السامانية.
كما ضمّ إلى فتوحاته بلاد الري،وجعل طبرستان تحت السلطة الشرعية للدولة السامانية،وأصبحت الخطبة باسم الخليفة العباسي،(2)وبذلك أمّن حدود دولته من ناحية الغرب.
وكان السامانيون يتمتعون بالاستقلال الذاتي عن الحكومة المركزية فيما يختص بالإدارة الداخلية،حيث كانوا يولون ولاة الأقاليم في مناصبهم.
توفي الأمير إسماعيل سنة295 ﮬ/907م بعد أن ساد الرخاء والأمن في البلاد السامانية،كما عرف بعدله وحبه للخير والإحسان،ولا يتهاون مع عماله إدا ظلموا الأهالي،ولم يظهر أمير قدير من السامانيين،ولكن حسن إدارتهم واستقرار حكمهم في بلاد ما وراء النهر مكّنهم من المحافظة على ملكهم مدة أطول،فأقر الخليفة المكتفي(288-295ﮬ/902-907م) أحمد ابن إسماعيل على ولاية أبيه،وسار احمد على درب أبيه فكان عادلا بين الرعية،ولكنه لم يكن في الحنكة الإدارية والمقدرة الحربية،فكثرت في عهده الاضطرابات ومشاكل أدت بالدولة إلى طريق الاضمحلال،فانقسم البيت الساماني على نفسه طمعا في السيادة، كما أن بعض رجال الدولة عملوا على تحقيق أطماعهم في الوصول إلى السلطة،وضعف شأن أمراء آل سامان حتى أنهم أصبحوا ألعوبة في أيدي كبار رجل الدولة.
لم تطل ولاية أحمد، فقد هجم عليه غلمانه وقتلوه سنة301 ﮬ/ 914م،فتولى من بعده إبنه نصر الحكم،وكان عمره ثمان سنوات فكثر الطامعون،لكن سرعان ما قضى على هذه التمردات وذاع صيته بفضل الإنتصارت التي أحرزها، حتى أن الخليفة إستنجد به في العديد من المرات.

وأتهم نصر بن أحمد بأنه من هواة الإسماعيلية،وذلك عندما إتصل به الداعي المشهور النسفي الذي كان يدعو للمذهب الإسماعيلي،واستطاع بذكائه أن يكسب نصر إلى صفه.
لكن الأمير نصر وجد نفسه تحت ضغوطات وخطر قواده السنيين،فتخلى عن الحكم لابنه نوح سنة331ﮬ/934م،ومات بعده بقليل،ووجه ابنه نوح اهتمامه للقضاء على الإسماعيلية فدعا الفقهاء لناضرة النسفي،فلما تغلبوا عليه بحججهم،أمر بقتله.
وتعرض الأمير نوح إلى الكثير من المصاعب والصراعات التي هزت إستقرار الدولة ذلك انه لم يحسن إختيار وزرائه وقواده،ودخل في صراعات شديدة من البيت الساماني،ومع البويهيين،وخسر أقاليم مهمة حتى إنه خسر خراسان سنة343ﮬ/954م عندما استولى عليها قائد جيوشه أبو علي بن سيمجور. مات نوح عام 343ﮬ/954م وخلفه ابنه عبد الملك وكان في العاشرة من عمره،وكان ضعيف الهيبة ولم يقم بشيء للمحافظة على وحدة دولته،وتوفي سنة350ﮬ/961م. وخلفه أخوه منصور بن نوح،وفي عهده بدأت الدولة في الضعف بسبب خروج بعض القادة عن طاعته،وازداد نفوذ البويهيين الذين امتلكوا أهم أقاليم الدولة السامانية.
مات منصور سنة 366ﮬ/977م وخلفه انه نوح بن منصور وكان صغير السن وتنافس رجال الدولة بينهم في الملك والرئاسة،كما تدخلت أمه في شؤون الحكم،واضطر إلى طلب المساعدة من سبكتيكن وابنه محمود،وكان عهده مليئا بالثورات والحروب الأهلية ومات سنة 387ﮬ/997م،ثم قام بالمر بعده أبو الحارث منصور الثاني بن نو،وبقي حتى قبض عليه بكتوزون أحد قواده سنة388 ﮬ/399م وسمل عينه وعيّن مكانه أخاه عبد الملك.

لم يدم حكم عبد الملك طويلا إذ انتهى ملك السامانية في عهده سنة389ﮬ/999م،على يد الغزنويين والأتراك الأيلك خانيون.
وفي هذا يقول كارل بروكلمان:«وأخيرا إنتهى أمر السامانية نتيجة للآفة نفسها التي قضت على العباسيين،ذلك أنهم انتهوا إلى ما انتهى إليه العباسيون من الإعتماد على الأتراك.....، بل لقد ذهب السامانيون من هذه الناحية إلى أبعد، لما كان في حوزتهم من البقاع الشاسعة الآهلة بالأتراك٬ ما لبثوا تدريجيا٬ شأنهم في بغداد إلى الرتب العالية في الجيش....حيث أمسوا بعد برهة وجيزة خطرا على الدولة بسبب السلطات الواسعة التي آلت إليهم....»
إن الحديث عن الدولة السامانية ليأخذ منا صفحات كثيرة٬ لأن تاريخ هذه الدولة حافل بالأحداث التاريخية التي كان لها منعرجا مهما في تاريخ الإسلام السياسي٬ وكان لها دورا مهما في إسلام الكثير من المناطق ويقول المستشرق أرنولد توماس׃ « إن الإسلام إمتد من بلاد السامانيين إلى البلاد المجاورة في تركستان وإن رعايا الأمراء السامانيين إقتفوا أثرهم في التدين بالإسلام٬ إذ انه في سنة 394 ﮬ⁄ 960م، إعتنق هذا الدين ألف أسرة تركية تقريبا كانت تعيش في بيوت من الخيام ».، ويضيف أرنولد أن جيوش الأمير منصور ابن نوح دخلت قبل وفاته بلاد الصين٬ ونشرت الإسلام في أجزاء متعددة. ويجدر بنا أن نذكر دور السامانيين في الحضارة الإسلامية التي ازدهرت في عهدهم حتى كانت بخارى وسمرقند وبلخ تحت حكمهم٬ منارا للعلوم الدينية يفد إليها الطلاب للدراسة. وذكر الثعالبي في يتيمته عن بخارى׃« كانت بخارى في الدولة السامانية بمثابة المجد وكعبة الملك ٬ومجمع أفراد الزمان٬ ومطلع نجوم أدباء الأرض٬ وموسم فضلاء الدهر..». وكانت مكتبة نوح ابن نصر كما يقول ابن خلكان׃ «عديمة المثل٬ فيها من كل فن من الكتب المشهورة بأيدي الناس وغيرها ما لا يوجد في سواها٬ ولا سمع بإسمه فضلا عن معرفته».

ورغم أن الدولة السامانية كانت دولة سنية متعصبة٬ إلا أنها أحيت الآداب والثقافة الفارسية٬ وجعلت من الفارسية لغة رسمية للدولة. وشجع أمراؤها الشعراء و الكتاب ٬ وفي هذا العصر تم ترجمة كتاب تاريخ الطبري إلى اللغة الفارسية٬عن طريق الوزير العالم البلعمي ٬وفي هذا العصر لمع الرودكي أول شاعر غنائي فارسي ٬الذي حظي بمكانة كبيرة عند الأمير نصر ابن أحمد. و في عصرهم برز الطبيب الفيلسوف ابن سينا.
ويقول المقدسي عن أهل خراسان في العهد الساماني׃« إنهم أشد الناس تمسكا بالحق٬ وهم بالخير والشر أعلم». ووصف أمراءهم ׃«إنهم أحسن الملوك سيرة٬ وهذا فضلا عما عرف عنهم من إجلال للعلم وأهله».
بهذا المدح الذي خصّ به المقدسي السامانيين سواء فيما يتعلق بحسن سيرتهم في الحكم٬ أو في عدلهم مع الرعية أو تكريمهم لأهل العلم٬ نجد أن هذه الدولة وفرت كل أسباب الحضارة للمشرق الإسلامي ٬حتى أصبحت دولتهم مركزا لإشعاع العلم ٬بقيت مخلصة للدولة العباسية حتى سقوطها.


أمراء البيت الساماني:
1)-الأمير العادل الأمير الماضي إسماعيل ابن احمد 279- 295 ﮬ⁄ 892- 908م
2)-الأمير الشهيد أحمد ابن إسماعيل 295- 301 ﮬ⁄ 908- 913م
3)-الأمير السعيد نصر ابن احمد 301- 331 ﮬ⁄ 913- 943م
4)-الأمير الحميد نوح ابن نصر 331 -343 ﮬ⁄ 943- 954م
5)-الأمير الرشيد عبد الملك ابن نوح 343- 350 ﮬ⁄ 954- 961م
6)-الأمير المؤيد الأمير السديد منصور ابن نوح 350- 366 ﮬ⁄ 961- 977م
7)-الأمير الرضى شاهنشاه نوح ابن نصر 366- 387 ﮬ⁄ 977- 997م
8)-الأمير أبو الحارث منصور الثاني ابن نوح 387- 389 ﮬ⁄ 997 -999م
9)-الأمير أبو الفوارس عبد الملك ابن نوح من 12صفر حتى ذي الحجة 398 ﮬ⁄ 999م.

اهم المصادر عن السامانيين هو تاريخ بخارى للنرشخي

تحياتي للجميع