قال الإمام زين العابدين(عليه السلام) في ذم الدنيا، والتحذير من شرورها وفتنتها: (إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحد منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، الراغبين في الآخرة، ألا أن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطاً، والتراب فراشاً، والماء طيباً، وقرضوا من الدنيا تقريضا، ألا ومن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب، ألا أن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلة فصاروا بعقبى راحة طويلة، أما الليل فصافون أقدامهم، تجري دموعهم على خدودهم، وهم يجأرون إلى ربهم، يسعون في فكاك رقابهم، وأما النهار فحلماء علماء بررة، أتقياء كأنهم القداح قد براهم الخوف من العبادة ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى، وما بالقوم من مرض أم خولطوا، فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر النار، وما فيها..)
لقد حذر الإمام (عليه السلام) من حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة، ودعا إلى الاقتداء بالزهاد من عباد الله الصالحين الذين فهموا واقع الحياة الدنيا وما يؤول إليه أمرها من الزوال والفناء، فما هي إلا أيام معدودة حتى يقدم الإنسان على الله فيسأله عما عمله في حياته ليجازيه عليه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ولذا اتجه الأخيار بقلوبهم وعواطفهم نحو الله، فاخلصوا في طاعته وعبادته.