يتفق خبراء متخصصون بأن القرن الـ21 سيشهد حروبا ليس على السيادة أو الثروات بل على الغذاء بسبب أزمة تظلل هذا العالم، وتتداخل فيها عوامل سياسية وبيئية واقتصادية.
فقد ذكر الكاتب الأميركي ليستر براون -وهو رئيس معهد سياسة الأرض- في دراسة نشرتها مجلة فورين بولسي- أن الأمم المتحدة سجلت في مؤشرها لأسعار الغذاء العالمية خلال العام 2011 ارتفاعا متصاعدا وصل ذروته في مارس/ آذار الماضي.
وأضاف براون -وهو مؤلف الكتاب الشهير "العالم على حافة الهاوية"- أن الغذاء بات عاملا مخفيا في السياسات العالمية لثلاثة أسباب رئيسية أولها تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية، وتقلبات الأوضاع السياسية في الشرق وشمالي أفريقيا، والقلق السائد في أسواق البورصة العالمية.
وضعٌ متقلب
هذه العوامل مجتمعة بالإضافة إلى عناصر أخرى وضعت الجغرافيا السياسية لأزمة الغذاء في وضع غير مستقر أكثر مما كان معتادا عليه خلال التاريخ البشري وصولا إلى حالة ثابتة تفرض نفسها بقوة، وهي شح المواد الغذائية.
ويقول الكاتب إنه وإلى فترة قريبة لم تكن الارتفاعات المجنونة في أسعار الغذاء تشكل مصدر قلق كبير لأنها عادة ما كانت تتبع بفترة من التراجع النسبي تساهم في إعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي للسنوات الأخيرة من القرن العشرين، منبها إلى أن هذه السمة ومع قدوم القرن الـ21 اختفت تماما لتنذر بتداعيات كارثية.
كما ان زيادة عدد المواليد بالدول النامية يعد من عوامل الضغط على الطلب العالمي على الغذاء
ويوضح براون أن أزمة الغذاء التي تطل على العالم العام الجاري ليست سوى استكمال الأزمة التي وقعت بين عامي 2007 و2008 وتراجعت ، ليس بسبب تظافر الجهود العالمية لحل مشكلة الحبوب ، بل لأن الكساد الكبير عطل تزايد الطلب بالإضافة إلى تحسن الظروف المناخية لتوفر معدلات إنتاجية كبيرة في محاصيل القمح في مناطق عديدة من العالم.
عوامل رئيسية
ويذكر الكاتب الأميركي أن ارتفاع أسعار الغذاء العالمية طالما ارتبط تاريخيا بعوامل بيئية مثل حالة الجفاف التي أصابت الهند والاتحاد السوفياتي السابق وموجة الحر في الوسط الغربي الأميركي خلال القرن الماضي مع التذكير بأنها كانت تقع على فترات متباعدة ولا تدوم طويلا.
لكن ولسوء الحظ، باتت أزمة الغذاء العالمية في الوقت الحاضر تتغذى بشكل كبير من تزايد الطلب المصحوب بعجز على زيادة الإنتاج الزراعي يضاف إلى التزايد السكاني الهائل وارتفاع درجات الحرارة العالمية وتراجع مساحات الزراعات المروية.
ويضيف براون أنه ولهذه الأسباب يمكن وصف أزمة الغذاء العالمية للعام الجاري بأنها مشكلة حقيقية قد تجلب معها موجة من الاضطرابات السياسية والاجتماعية في دول تعاني من ضائقات اقتصادية، مثل ما حدث في تونس ومصر وليبيا دون أن ينفي وجود عوامل سياسية تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان في طريقة اندلاع هذه الثورات.
التزايد السكاني
ويركز الكاتب في عرضه لأسباب وأشكال الأزمة على التزايد السكاني الذي كان ولا يزال يدفع منذ العام 2007 بعدة عوامل تتصل بوضع الغذاء في العالم، وأهمها تزايد الطلب وفشل التجارب والمحاولات لزيادة الإنتاج لإطعام مما يقدر بثمانين مليون وافد جديدة على الكرة الأرضية سنويا غالبيتهم في الدول النامية.
ويختتم براون دراسته بالقول إنه -وبعيدا عن التغيرات المناخية التي تساهم في وضع العراقيل أمام تحقيق الزيادات الكبيرة في الطلب العالمي على الغذاء- يقف عامل لا يستهان به وهو انتهاء عصر الفتوحات العلمية التي ساهمت في زيادة الإنتاج وزيادة المساحات المزروعة حتى في الدول المتقدمة مثل ألمانيا وفرنسا التي استنفد مزارعوها كافة الأساليب التكنولوجية التي قدمتها الثورة الصناعية الأولى وما بعدها.
ويسوق الكاتب على ذلك مثالا باليابان التي لم يرتفع فيها معدل إنتاج الأرز -المادة الغذائية الأولى لدول آسيا- على مدى الـ16 سنة الماضية، وينطبق الحال نفسه على الصين، مع فارق التعداد السكاني، مع التذكير بأن اليابان والصين يمثلان ثلث الإنتاج العالمي من هذه المادة الغذائية، وينسحب الحال نفسه على إنتاج القمح في بريطانيا وفرنسا وألمانيا أكبر الدول المنتجة بأوروبا الغربية.