تحول الديناصورات الى طيور: سقوط الشك
العلماء لايقدمون اللباس الريشي دليلا وحيداً على اصل الطيور، مستحاثة جديدة تعطي المزيد من المعلومات حول كيف تمكنوا من الحصول على الهواء تحت اجنحتهم. تماما كما اختلف العلماء في البداية حول اصل الطيور، اختلفوا ايضا حول كيفية ودوافع بدأهم بالطيران. مجموعة صغيرة من العلماء طرحت إمكانية ان تكون الطيور قد تطورت من مجموعة من السحالي البدائية قبل 200 مليون سنة، تماما في نفس اللحظة لظهور الديناصورات الاولى، وبالتالي فقد تتطوروا بالتوازي مع الديناصورات وبمعزل عنهم. هذه المجموعة من العلماء انطلقت من ان مجموعة السحالي كانت تعيش على الاشجار، وبدأت بالقفز من على الاشجار متنقلة بينهما.
حسب نظرية مصدر"السحلية التاريخية" بدأت عملية الطيران من الاعلى الى الاسفل. غير ان المستحاثة الجديدة التي عثر عليها مؤخرا تشير الى العكس تماماً. هذه المستحاثاة هي الخامسة التي ترتدي ملابس ريشية والتي عثر عليها في الصين. إنها تمثل ديناصور بحجم 40 سم من ذوات القائمتين الخلفيتين، واصبح اسمه Sinornithosaurus millenii (millenium).
من بين جميع الديناصورات السابقة ذات الملابس الريشية، والتي كانت بدون اي شك ديناصورات وليست طيور، نجد ان هذا الديناصور اقربهم الى الطيور. مفصل الكتف ، الحلقة العظمية التي تتعلق بها الرجل الامامية عند هذا الديناصور تتطابق الى حد مدهش مع مثيلتها عند Archaeopteryx وتملك كافة المقومات الضرورية لتحريك الاطراف الامامية الى الاعلى والى الاسفل . عظم الصدر متتطور بما فيه الكفاية لفسح المجال امام عضلات الاطراف الامامية لتجد مكاناً كافياً لنموها، تماما ماتحتاجه الاجنحة المتحركة. وحتى طول عظام الاطراف الامامية تتناسب مع اجنحة الطيور، الامر الذي تفتقده الديناصورات الاخرى.
على العكس نجد ان الذيل الطويل لهذه المستحاثة ليس مجهزاً لأغراض الطيران. هذا التصميم يشير الى ان الديناصور كان قادراً على القفز الى الاعلى والى الامام لمسافات كبيرة، خلال الصيد مما منحه افضليات كبيرة تحسنت بإستمرار لتصل الى الطيران.
وبالرغم من ان الذيل في البدء كانت له وظيفة حفظ التوازن ، نجد ان الذيل قد شملته التغيرات كلما تقدم الزمن الى الامام، فالنوع Oviraptorosaur الاكثر حداثة، وعلى الاغلب جد الطير الحالي، اصبح ذيله اقصر، وفقراته الاخيرة اندمجوا ببعضهم كبداية لنشوء عظم الذنب، تماما كما لدى الطير الحالي الذي يستخدم ذيله للتوجيه.
على خلفية المعلومات التي جمعها العلماء خلال السنوات الماضية، يعتقد الباحثين ان الطير الحالي ظهر من فروع هذه " العائلة" المتوحشة بالذات. اللقايا الجديدة تشير الى ان الريش كان يغطي الكثير من ممثلي هذه العائلة الثنائية الاقدام.
اللقايا الجديدة تقدم لنا صورة متسلسلة في التحول من ديناصور الى طير، الديناصورات الاوائل الذين اطلقوا شرارة التحول كان يغطيهم الوبر اولا، ليتحول في المراحل التالية الى ريش حقيقي. على هذه الخلفية نجد ان التتطور الى الريش لدى الديناصور Archaeopteryx ليس إلا الطريق الطبيعي لحقيقة ظهور الوبر نفسه.
بنية الريش تماثل الريش الحالي، وبالتالي فأن وظيفتهم كانت المساعدة على الطيران التي اعطت افضلية واضحة، جعلت الانثى تختارها، تماما كما يحدث عند طيور العصر الحالي. بقية المظاهر التشريحية كالعلاقة بين الاطراف الخلفية والاطراف الامامية تشير الى ان هذا الكائن لم يكن يطير وانما فقط يستخدم خصائصه " للسباحة" الهوائية القصيرة المدى، تماما كما لدى بعض الحيوانات الغابية اليوم.
هذا يشير الى ان الريش كان جاهزاً قبل بدء عملية الطيران نفسها. هذا يجعلنا نطرح التساؤل حول وظيفة الريش قبل القيام بالطيران. على الاغلب كان الريش يلعب دور في إبراز المكانة ويعطي الانثى القدرة على الاختيار، تماما كما لدى الطيور اليوم. إضافة لذلك تعطي خصائص الريش عامل عزل فعال يقدم افضليات لصاحبها.
طريقة سير ديك الحبش والبصمة التي تتركها اقدامه على الطين وطريقة سحبه لقدمه من الطين اوضحت مدى التشابه بينها وبين الاثار التي تركتها اقدام الديناصور الذي يتشابه بمظهره مع ديك الحبش ايضا، والمسمى Coelophysis, وقد عاش قبل 200 مليون سنة. هذه الاثار وجدها العالمين Stephen Gatesy & Neil Shubin.
في البدء صعب على العلماء فهم الاثار التي تركها الديناصور لطريقة سيره لانها لاتملك شكلا ثلاثيا يتوقع المرء ان قدم الديناصور ستتركه. عندما قام العلماء برؤية مقطع طولي في الاثار المتروكة ظهر على الفور طريقة حركة القدم والاصابع عند سحبهم من الطين. الموديل الثلاثي الابعاد اعطى القدرة للعلماء على فهم شكل الحركة. هذا الامر اعطى دليل على ان حركة الديناصور كانت تتطابق الى حد كبير مع حركة الطيور بالرغم من ان الديناصورات الصغيرة كانت حركة اقدامهم اقرب الى السحالي
عدد الاصابع في القدم والجناحين ايضا يؤكد انحدار الطيور عن الديناصور. في مستحاثة عثر عليها حديثا لديناصور يشبه النعامة Limusarus inextricabilis, يظهر فيها ان الابهام في مرحلته الاخيرة للاندثار. وفي الجناح لايوجد ابهام على الاطلاق وانما فقط اصبع التأشير، والاصبع الاوسط واصبع الخاتم الامر الذي يدل على انه مرحلة انتقالية.
الاسنان ايضا تشير الى التحولات التي جرت على الديناصور في طريقة ليصبح طيراً. نرى ان الديناصور المسمى Falcarius utahensis والذي كانت له مخالب بطول عشرة سنتيمتر ويمشي على القائمتين الخلفيتين وله ريش، مثال على تحول وتطور الاسنان.
الديناصورات الاولى التي عاشت قبل 230 مليون سنة كانت صغيرة ومن آكلة اللحوم. ولكن عبر الزمن ظهرت انواع جديدة للديناصورات قسم منها قد تحول الى آكل النبات والقسم الباقي بقي على اسلوبه الاول. كيف تم التحول من أكل اللحوم الى اكل النبات كانت سرا، ولكن مجموعة من المستحاثات التي اكتشفت حديثا من منطقة Utah الامريكية اعطت لنا مفاتيح جديدة. المستحاثة تعود الى عائلة غير معروفة سابقا بإسم Falcarius utahensis وكان بطول اربعة امتار وارتفاع متر واحد وعاش قبل 125 مليون سنة.
Falcarius utahensis لم تكن له اسنان حادة كما لدى ديناصورات آكلة اللحم وانما اسنان اصغر وغير حادة ومناسبة لطحن الاعشاب والغصون وليس لتقطيع اللحم، لقد كانت اسنان عظمية قوية مستقيمة ومسطحة.
امعاء هذا الديناصور ومعدته كانت اكبر من ديناصورات آكلة اللحوم، مما يتتطابق مع حاجة آكل الاعشاب. الاقدام كانت اقصر واقوى مما لدى آكلة اللحوم حتى يتمكنوا من الجري بسرعة ولكنهم لم يكونوا قصيرات بنفس درجة قصرهم عند آكلة اللحوم الذين يحتاجون اقدام قوية وقصيرة لحمل جسمهم القوي والثقيل.
مواصفات هذا الديناصور تشير الى انه كان مرحلة بين آكلة اللحوم وآكلة الاعشاب
العلماء ناقشوا على مدى عدة سنوات فيما إذا كان الديناصور ، على العكس من السحالي، ينتمي الى مجموعة الدماء الحارة، تماما كما هو عليه الطير والحيوانات اللبونة. الموضوع ليس امراً مفروغاً منه كما يتصور البعض. كائنات الدماء الحارة لابد انها ظهرت في لحظة تاريخية تتطورية معينة ولابد انه كان منها كائنات تشكل حلقات وسطى بين مرحلتين، وبالتالي لاينطبق عليها التصنيف الحديث القائم على التقسيم الى مجموعة الدماء الحارة والباردة. لمثل هذه الحلقات الوسطى لاشك ان الريش قد اعطى افضلية واضحة امام المنافسين بدون ريش. من الممكن انه منذ ذلك الوقت ظهرت بدايات الحاجة الى تبادل حراري اكثر فعالية عند الديناصورات ذوات الاطراف الثنائية. النوع الذي تمكن من ذلك ربح المزيد من المزايا إذ من خلال إستغلال صفات نضجت لتحقيق وظائف حيوية اخرى، . يجري إستغلال بعض الخصائص مرتين، مرة في تحقيق الوظائف الحيوية الاصلية، والاخرى للطيران.
الى فترة قصيرة كانت المستحاثات تشير الى ان نظام التنفس عند الديناصور يتتطابق مع مثيله عند التمساح، الامر الذي يعني ان الديناصور من ذوات الدم البارد. غير انه في الفترة الاخيرة جرى إكتشاف المزيد من المفاجآت. علماء من جامعة هارفارد واوهايو الامريكية وعلى رأسهم Patrick O'Connor توصلوا الى ان مستحاثة الديناصور Majungatholus atopus وهو من آكلة اللحوم، وعاش قبل 67 مليون سنة، وقريب للديناصور T. rex, المشهور يملك الكثير من الخصائص المتتطابقة مع الطيور، ولكن الاكثر إثارة ان له كيس هوائي، بالضبط كما لدى الطيور اليوم، والذي يستخدم للتنفس. جزء من الكيس الهوائي ينمو ويتتداخل بالعظام، ليشكل غرف هوائية. العلماء تمكنوا من الوصول الى ان الديناصور كان له اكياس هوائية في البطن وعند الرقبة، الامر الذي كان يساعده على سرعة ضخ الهواء الى الرئة.
|
a, Latex injection (blue) of the pulmonary system in a duck (Anas crecca), highlighting the extent of air sacs throughout the body. b, Main components of the avian flow-through system (ribs have been illustrated in their proper anatomical positions). Abd, abdominal air sac; Cdth, caudal thoracic air sac, Cl, clavicular air sac; Crth, cranial thoracic air sac; Cv, cervical air sac; Fu, furcula; Hu, humerus; Lu, lung; Lvd, lateral vertebral diverticula; Pv, pelvis; Tr, trachea. |
|
Comparisons between a bird (a, b) and theropod dinosaur (c, d) in caudal (a, c) and right lateral (b, d) views, illustrating the topological similarity of pneumatic features. a, b, Cranial thoracic vertebra of a sarus crane (Grus antigone, SBU AV104063). c, d, Mid-cervical (c) and cervicothoracic (d) vertebra of an abelisauroid theropod (Majungatholus atopus, UA 8678). Scale bar, 1 cm (a, b) and 3 cm in (c, d). CeP, central pneumatic foramen; NaP, neural arch pneumatic foramen; Nc, neural canal; Ns, neural spine; Pp, parapophysis. |
|
a, Pulmonary components based directly on vertebral morphology in UA 8678 include the following: cervical system (green), lung (orange) and abdominal system (blue). In modern birds, clavicular and thoracic air sacs are also present (see Fig. 1); their placement here (indicated in light grey), combined with the overlapping nature of other components, represents tertiary-level inferences emphasizing the uncertainty surrounding the reconstruction of soft tissues not constrained by osteological evidence. Unknown skeletal elements are indicated by dark grey shading. b−f, Vertebrae (b−e) and rib (f) of UA 8678 illustrating pneumatic features. b, Second cervical; c, first thoracic; d, ninth thoracic (reversed); e, sacral complex, left lateral view; f, left ninth cervical rib, medial view (reversed). CeP, central pneumatic foramen; CoP, costal pneumatic foramen; Cp, capitulum; IvF, intervertebral foramen; NaP, neural arch pneumatic foramen; Ns, neural spine; Pp, parapophysis; Tb, tuberculum. |
من المثير العثور على اكياس هوائية بمايشبه البالون في رقاب واجنحة بعض الانواع وتتصل بالرئة. هذه الاكياس الهوائية هي التي جعلت من الممكن للديناصورات pterosaurie ان ترتفع فوق الهواء. هذا الاستنتاج على خلفية موديل كمبيوتري مبني على بنية عظمية لطير جرى العثور عليه عام 2003، وهو من نوع السحالي الطائرة التي عاشت قبل 110 مليون سنة. وعلى الرغم من ان هذا الفرع ليس هو الذي انحدر عنه الطير، إلا انه يعطينا صورة عن نشوء التطورات الحاسمة على طريق تحسين الكفائة في التخصص البيلوجي الجديد..
من هنا نرى الترابط التدريجي والمنسجم الذي مر على مراحل تتطور الطيور وانفصالها عن الديناصور لتصبح نوعا بذاته، كما تعبر الصورة اعلاه بوضوح.
الريش والقدرة على التبادل الحراري المرتبط بنظام الدم الحار ونظام التنفس كانوا خصائص جاهزة لدى هذا النوع من الديناصورات عندما جرت كارثة ارضية شاملة ادت الى إبادة أعدائهم الكلاسيكيين قبل 65 مليون سنة. هذا الامر فسح الساحة امامهم للتطور في مجال كانت معظم خصائصه جاهزة، الطيران.
مستحاثة جديدة لبطة لها من العمر 110 مليون سنة اطلق عليها اسم Gansus yumenensis, تؤكد النظرية القائلة بأن الطيور قد اصبحت طيورا قبل إنقراض الديناصورات بكثير. في بحيرة جافة تقع في الصين وتسمى Gansuorovins, عثر العلماء على الكثير من المستحاثات لهذا الطير. خمسة من هذه المستحاثات في حالة جيدة للغاية الى درجة تسمح بدراسة جلد السباحة الذي يربط الاصابع ببعضها، التي ظهرت مشابهة لطيور العصر الحديث. يعتقد العلماء ان الطير الحالي حفيد لطير قديم كان يعيش في المياه الامر الذي انقذه من المصير الذي تعرض له الديناصور.
من المثير ان احدى مراحل تطور الطيور لازالت حية الى يومنا هذا في افراخ الطير المسمى Opisthocomus hoazin ، حيث ان الافراخ تتميز بقدرتها على استخدام ثلاث اصابع من اصابع اليد سابقا قبل ان يظهر عليهم الريش. واهمية هذه الاصابع للافراخ حيوية للغاية إذ تساعدهم على انقاذ حياتهم. تبني هذه الطيور اعشاشها في حوض الامازون قرب الماء، وعندما تأتي الثعابين الى الافراخ الغير قادرة على الطيران، ترمي الافرخ بنفسها في الماء، إذ لديها القدرة على الغطس والبقاء اسفل الماء فترة طويلة. عندما تصعد الى السطح، تستخدم مخالبها الثلاثة للتسلق على الاشجار والخروج من الماء. تتطابق حالة الاجنحة عند الافراخ مع المرحلة الرابعة من مراحل تطور الجناح الظاهرة في الصورة التوضيحية.
|
Fig. 4: Phylogenetic-historical evidence unambiguously indicates that birds lost digits 4 and 5, retaining digits 1, 2 and3. Succesive taxa share a more recent common ancestor with modern birds (Neornithes). (A-C) Triassic dinosaurs: (A) the ornithischian Heterodontosaurus, (B) the early theropod Herrerasaurus, (C) the neotheropod Coelophysis. (D-E) Jurassic theropods: (D) the tetanuran Allosaurus, (E) the early maniraptoran Ornitholestes. (F-G) Mesosozoic birds: (F) the Jurassic avialae Archaeopteryx, (G) the cretaceous enantiornithe Sinornis. (H-I) Modern birds: (H) the wing of an Opisthocomus (hoatzin) hatchling, (I) the wing of the adult chicken Gallus. Modified from Vargas & Fallon (2005).
المصدر:Beyond selection
|
ماذا يقول علم الجينات؟
في مارس من عام 2005 اكتشفت عالمة المستحاثات Mary H. Schweitzer عظام قدم لها من العمر 68 مليون سنة وتعود الى الديناصور تريكس، T rex. هذه العظام لازالت تحتفظ بأنسجة لحمية، فأرسلتها على الفور الى التحليل الاميني الذي كشف اي من الاحياء الحالية له علاقة قرابة مع تريكس. يوم 13 ابريل من عام 2007 قدمت تقريرها الذي يشير الى انها كانت على حق في توقعاتها. خلال سنتين من الجهود المتواصلة تمكن الاختصاصيين من عزل الانسجة البروتينية وفصلوا الاحماض الامينية منه، التي كشفت لهم ان اقرب الاقرباء الى الديناصور تريكس، من الكائنات الحية اليوم، هو الدجاجة الاهلية. هذه النتائج تتطابق وتؤكد مع ماتوصل اليه العلماء سابقا من ان الطيور انحدرت عن الديناصورات.
|
|