من منا لا يعرف المرأة إنها الأم الحنون. إنها الزوجة رفيقة الدرب الطويل.هي الأخت والابنة. هي عالم أجمل ما فيه أنها امرأة....
كائن مملوء بأرق الأحاسيس وأصدق العواطف. كائن يملأ الوجود سحرا وجمالا وروعة. أحبها الجميع ومن شدة حبهم لها ورغبتهم في امتلاكها طوقوها بالقيود والأعراف والتقاليد وأقنعوها بأنها لاتستطيع الحياة بدونهم وبدون قوانينهم..أرادوها لهم جزءا من رغباتهم وشهواتهم فحجروها في البيوت وداخل الأسوار. حجروا على عقلها وخزنوا فيه خرافات وأفكاراً تزيد من تسلطهم عليها...حتى غدت المرأة عدوة نفسها لأنها اقتنعت بعدم صلاحيتها لمعظم الأعمال. وبأنها مخلوق ضعيف لمتعة الرجال...هي ناقصة عقل وقوة. هي ضعيفة ومستهدفة من الشيطان. هي سبب كل البلاء والشرور وهي سبب الفتنة والرجال ضحاياها...هكذا كانت الطريق للسيطرة على هذا المخلوق اللطيف الذي نحتاجه قويا وليس ضعيفا نحتاجه منتصبا يقود ويؤثر في الحياة...ونكسة المرأة الكبرى كانت عند قدوم الأديان السماوية والتي حطت من قيمة و قدر المرأة باسم المقدس وباسم الخالق الذي لا يمكن الاعتراض عليه. قيدوا المرأة باسم المقدس وقالوا كل سوء فيها باسمه ...
لقد وجد الطامعون في امتلاك هذا الملاك حجة قوية في بعض النصوص الدينية التي قدمت المرأة بمنزلة ثانية أقل من منزلة الرجل. بل اجتهدوا وتفننوا في تفسير النصوص وأضافوا عليها مزاجهم تحت عنوان التقاليد والتراث الذي لا يمسّ لأن مسّه هو مسّ للهوية الشخصية وذهبوا إلى أبعد من هذا بكثير فربطوا أخلاق المجتمع "ذكوراً وإناثاً" بالمرأة...فالمرأة هي شرف العائلة. ولا يجوز تجاوز الخطوط الحمر المرسومة اجتماعيا لأن ذلك يعني انتهاك لشرف العائلة رجالا ونساء...أما الرجل فهو بريء من كل ذلك....لأن سلوكه لا يعيبه ولا ينقص من قدر وقيمة العائلة....أصبحت المرأة في مجتمعاتنا عارا على أهلها....فكانوا يبكون لولادة البنت ويقيمون الأفراح والليالي الملاح لقدوم المولود الذكر...لأن البنت كانت تمثل عبئا على عائلتها من الصعب تحمله. فكل سلوكياتها هي موضع شك وارتياب..وهي مدانة مسبقا وفي كل حادثة تجري تكون المدانة من قبل الجميع لذلك وخوفا من تورم هذا الضغط وانفجاره تم الحجر عليها لتستريح وتريح....فحجبوها ونقبوها وأغلقوا عليها الأبواب. وللتخلص منها مبكراً شرعوا الزواج المبكر لها دون رأيها وعلمها وقبل بلوغها الجسدي والعقلي....وتركوها تصارع أهوال الحياة طفلة لا تعرف من الحياة شيئا...
قصة قهر وظلم طويلة ابتدأت ربما مع ظهور الحياة...ظلم وجرح طال كثيرا . هذا الكائن اللطيف الذي يمسح دموعنا ويربينا ويعدنا للحياة....المرأة هي مدرسة الحياة. والمدرسة تحتاج إلى دعم وعون ومساعدة. تحتاج القوة اللازمة لاستمرار الحياة....
كيف لها أن تعطي القوة وهي لا تملكها؟
كيف لها أن تحسن التربية وهي لم تتعلم كيف تربي وكيف تغرس المفاهيم الأخلاقية؟
كيف لها أن تعمر النفوس وهي منكسرة بزواج رجلها من غيرها وباتهامها بنقص عقلها وعدم كفاءتها؟
كيف لها أن تعلم أبناءها أن ينظروا للحياة بجمال وحب وفرح وهي مسجونة ضمن أسوار وأسوار من التقاليد والأساطير التي تحجب نور الحياة؟
كيف لها أن تعلم وتنير عقول أبنائها وهي حبيسة البيت ؟لا تتعلم لأن خروجها حرام...لا غناء ولا موسيقى ولا رياضة ولا سفر ولا...
كيف نطلب منها أن تفعل المعجزات؟ ويداها مكبلتان بالقيود الاجتماعية والعادات القديمة.
كيف لها أن تبدع وتقود؟ وعقلها تبرمج على الطاعة والخنوع لإرادة الرجال القوامين عليها.
كيف لها أن تقاوم زيادة التطرف والتدين الذي جعلها حرث للرجل يأتيه أنى يشاء؟
كيف لها أن ترى الحياة وهي مغلفة بحجاب ونقاب وجلباب؟؟
عقلها كنز ثمين نحتاجه اليوم محرراً من القيود .نحتاج روحها كملاك يزرع الحب والنقاء.نحتاج حبها وعطفها ودورها في صناعة الإنسان ....
واليوم بعد ثورة المعلومات وسهولة الاتصال....تم فتح نافذة في جدار القهر والظلم ودخل شعاع من نور عالمنا ليضيء لنا ويرينا كم ظلمنا هذه الأم. هذه الأخت. هذه الزوجة...كم افتقدنا إبداعاتها وما يحمله عقلها وقلبها..........
هي كائن جبار وقوي تملك أن تهز العالم وأن تهز عرش الرجال الورقي.لتبني عرشها الذهبي الذي يليق بكائن مثلها...هي أم. والأم فوق كل شيء. و تاج الأمومة لا يضاهيه تاج في الخلود والوجود...هو خلق جديد. هو وجه الحياة القادم.
هي نصف مجتمعنا الأفضل هي النصف المكبل بأساطير الرجال ليسهل عليهم بسط السيطرة والنفوذ وامتلاك القرار...لكن الحياة حضارة وثقافة وابداع وطريقها صعب بل مستحيل عبوره دون مساهمة وعطاء المرأة, والمكابرة هنا لاتفيد والصراخ والزجر لا يفيد. فلنخلع ثوب الماضي المهترىء وعاداته وسلوكياته التي أعاقت قيام المرأة بدورها ولنغير الأفكار التي تدفع لتغيير القوانين والدساتير والتشريعات الذكورية لصالح حرية وابداع المرأة..
للكاتب : عهد صوفان