فيما كانت تحاول الحاجة أم حسن، 66 عاما، الفرار من الفلوجة مع ثلاثة من حفيداتها، بصقت في وجه عدد من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) وقالت أم حسن لموقع الشرفة "عصابة قذرة لم أر في حياتي مثل إجرامها تحاول اليوم أن تفرض وصاية دموية علينا".
وتابعت "نحن ننزح بسببها بينما تدعي أنها على حق"، في إشارة إلى التهديدات الإرهابية التي أطلقها التنظيم للسكان. وتابعت "نحن نقول لها ’أخرجي من بيننا، ليس مرحبا بأي شيء منكم‘".
وقد نزح أكثر من 13 ألف عائلة عراقية من مدينة الفلوجة إلى أطرافها خلال الظروف الأمنية الصعبة الأخيرة، وفقا لما أعلنته جمعية الهلال الأحمر العراقي، مضيفة أن أغلب النازحين يسكنون حاليا في المدارس والأبنية العامة أو عند الأقارب.
ومنذ حوالي الأسبوعين تحتدم المعارك بين الجيش العراقي و عناصر القاعدة التي تحاول السيطرة على مدينتي الرمادي والفلوجة بمحافظة الأنبار. وفي الجانب الآخر من الحدود العراقية، أدى القتال الأخير بين "داعش" وجماعات المعارضة في سوريا إلى ظروف مماثلة صعبة على نحو متزايد.
استهداف الطاقم الطبي

ويتسبب القتال الدائر بانتشار الأمراض، وفق ما قال رئيس مجلس محافظة الأنبار صباح كرحوت.
وأضاف في هذا الصدد "إن تنظيم داعش بات سببا رئيسيا في انتشار الأمراض والأوبئة وزيادة الوفيات في الأنبار بسبب استهدافه قوافل مساعدات طبية ومنع الموظفين من مزاولة أعمالهم بحرية، فضلا عن تدميره أحد أكبر مستشفيات الفلوجة"، مستشفى عائشة في شرق الفلوجة.
وأضاف للشرفة "إن داعش عبارة عن سرطان تسبب بترك آلاف الأسر مهجرين خارج منازلهم في أشد موسم برد يمر على العراق منذ عقود".
بدوره، قال رئيس جمعية الهلال الأحمر العراقي محمد الخزاعي إن عناصر "داعش" أحرقت ثلاث قوافل لمساعدات طبية وإنسانية قادمة من بغداد إلى الفلوجة.
وأكد للشرفة أن "استهداف داعش لتلك القوافل رغم رفعها أعلام الهلال الأحمر وعلامة الأمم المتحدة دليل على أنها تستهدف حياة المواطنين الأبرياء بشكل مباشر بما فيهم الأطفال والنساء".
وكما في العراق، يعاني الطاقم الطبي في سوريا من صعوبات في أداء عمله، وفق ما قال عاملون في المجال الطبي للشرفة.
وبهذا الصدد، قال نور الدين الجمّال المتطوع في إحدى مستشفيات دير الزور الميدانية والطالب بكلية الطب في جامعة دمشق في السنة الخامسة، "إن الجسم الطبي في مختلف المناطق [تحت سيطرة المعارضة] عانى الكثير من تصرفات عناصر داعش وتدخلاتها في عمل الفرق الطبية داخل المستشفيات والمستوصفات من خلال ملاحقة المرضى والمصابين واستجوابهم أو منع علاجهم واعتقالهم".
"كذلك تقوم داعش بتقييد تحركات فرق الإسعاف مما يؤدي إلى الكثير من حالات الوفاة أو تحول الحالات المرضية إلى حالات مستعصية"، بحسب الجمّال.
وقال إنه رصد شخصيا عدة حالات "غرغرينا" وهي التهابات تمتد بالجسم تؤدي إلى بتر الأعضاء المصابة بسبب التأخر في تقديم العلاج.
وكشف أن "داعش" قامت بإغلاق بعض المستشفيات الميدانية خصوصا تلك التابعة لمنظمة أطباء بلا حدود كمستشفيات ربيعة وبرناص واليمضية.
توسع تنظيم القاعدة في العراق إلى سوريا

ويرأس "داعش" أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق، فيما الجماعة تنشط أيضا في سوريا المجاورة.
وتعمل "داعش" في سوريا على فرض سيطرتها على المقدرات المعيشية ومحاولة إسكات أي صوت معارض لتصرفات عناصرها الذين يحاولون فرض تفسيرهم للشريعة الإسلامية بالقوة، كما أكد نشطاء للشرفة.
وهذا الأمر وضعها في مواجهة مع المواطنين ومؤخرا مع بعض الفصائل المسلحة في شمال سوريا، فاندلعت اشتباكات عنيفة في بعض المناطق بين عناصرها وعناصر الفصائل المعارضة المسلحة الأخرى خصوصا في مدينتي حلب والرقة.
وقال ماجد حسون، الناشط السابق في مكتب الرقة الإعلامي والمتواجد حالياً في تركيا، "لقد هربت إلى تركيا برفقة العشرات من الناشطين الإعلاميين بسبب تصرفات داعش التي دفعت أيضا بالكثير من المواطنين السوريين إلى مغادرة أماكن سكنهم إما إلى مناطق سورية أخرى أو إلى الخارج وخصوصا تركيا".
وداعش، حسب حسون، لاحقت كل من خالفها الرأي من السوريين ورفض تجاوزاتها وذلك تحتستار تطبيق الشريعة، كإلزام الفتيات بلبس الحجاب ومنع تحركات التيارات العلمانية التي تقول عنها "داعش" أنها "كفر"، كما لاحقت الإعلاميين والنشطاء.
وأضاف في تصريحات للشرفة "داعش ركزت في الفترة الأخيرة على ملاحقة الإعلاميين وخطفهم وقتلهم، ومن المخطوفين على سبيل المثال طاقم قناة أورينت الفضائية السورية عبيدة بطل وحسام نظام الدين وعبود العتيق ومؤيد سلوم، والناشط عبد الوهاب الملا المعروف بمعارضته لتصرفات داعش".
الأوضاع ’لا تحتمل‘

وأكد ناشط سوري آخر متواجد في سوريا، محمد الخالد، أن الأوضاع تحت سلطة "داعش"جد سيئة.
وقال الخالد وهو من تنسيقية سراقب التابعة للجان التنسيق المحلية، "إن الأوضاع باتت لا تحتمل [بسبب داعش]، وذلك بسبب التحكم بالمواد التموينية وتوزيع المساعدات وتقييد تحركات المواطنين ومنع النشطاء من ممارسة أي نشاط".
وأكد أن هذا الأمر زاد من عزلة المواطنين الذين يعانون أيضا من شح كبير في المواد التموينيةوالإغاثية والتي تتحكم "داعش" بها وتصرفها على مؤيديها.
وقد أصدرت جبهة ثوار سراقب - وهي جبهة من أهالي سراقب ومحيطها - بيانا في السادس من الشهر الجاري دعت فيه "داعش" وباقي الفصائل المسلحة إلى تجنيب المواطنين مخاطر الصدام المسلح بين جماعات المعارضة، بحسب الخالد.
من ناحيته، يرى المحلل العسكري المصري اللواء المتقاعد عبد الكريم أحمد والمتخصص في شؤون القاعدة، أن "الصراع بين الأجنحة المسلحة في سوريا كان منتظرا خصوصا ضد داعش، حيث فاقت تجاوزات هذه الجماعة كل التوقعات".
ولفت أحمد إلى أن جماعات معارضة مسلحة أخرى تحارب الآن "داعش" للسيطرة على بعض المعابر الحدودية والموارد.
داعش تتخذ من الدين ’غطاء‘

من جهته، قال المحلل السياسي والأستاذ بجامعة الأنبار في مدينة الرمادي، زهير عباس العنزي، للشرفة إن "تنظيم داعش بتصرفاته وفكره أثبت لجميع العرب والمسلمين أنه مجرد مجموعة مرضى يعشقون القتل والدم بلا فكر أو هوية محددة يتخذون من الدين غطاء لهم رغم صدور فتاوى من كبار علماء السعودية ومصر والعراق تؤكد فساد داعش والقاعدة وضرورة محاربتها".
وأضاف "لكن موقف العراقيين السنة كان صدمة أخرى في الأنبار بعد ثورة العشائر ووقوفها مع الجيش.. كما إن صمود الجيش الذي راهنت عليه داعش بانهياره جعلها في موقف حرج".
وأكد العنزي أن على جميع دول المنطقة التعاون في قتال "داعش" "لأن إقامة أي منطقة خاصة بهذه الجماعة، مهما كانت صغيرة، يعني أنها ستكون معسكرا لتفريخ الإرهابيين، ويجب عدم السماح بذلك".
واختتم قائلا "نعتقد أن ذلك صعب عليهم مع موقف العشائر والعراقيين. وسيكون حلما شريرا لن يتحقق لهم".العراق والشام (داعش) كانوا يقفون قرب جسر المدينة من الجانب الغربي.