زمن العجائب / الدكتور عبدالرحمن العشماوي
ماذا تقول لك النجوم الزهر في زمن العجائب ؟
ماذا يقول لك الظلام وأنت تختصر المشارق والمغارب ؟
وتلم أشتات المساء الرحب تصنعها دمى سوداء تبعثها إلى عنوان غائب
... ماذا تقول خيولك الغر المسومة النجائب ؟
ماذا تقول إذا رأتك أمام باب الصمت لا تنوي الفرار ولا تحارب ؟
لا تسمع الشكوى ولا تصغي إلى صوت الجريح ولا تخاطب
ماذا تقول لك الرمال الزاحفات ومارد الصحراء غاضب ؟
عيناه شاخصتان لا تريان إلا ما تحدده الغياهب
هل تدرك الصحراء ما يهفو إليه الرمل في زمن الغرائب ؟
هل تفهم الصحراء ما تدلي به في زحمة الليل الكواكب ؟
ماذا تقول لك البحار الساخرات من المراكب ؟
أوما تراها لم تزل تقتات من لحم القوارب
أوما ترى من حولها المستنقعات تمد أذرعة الطحالب
يا شاعر الألم الدفين وعازف القلم المحارب
ما لي أراك سجنته ونسيت زمجرة الكتائب
ونفضت ريشته من الحبر النقي من الشوائب
أنسيت أن الأحرف البيضاء تكشف كل كاذب ؟
أنسيت أن الحرب دائرة وأن الناس مطلوب وطالب؟
أو ما ترى أمة الإسلام تطحنها النوائب ؟
أو ما تشاهد قصعة من حولها ازدحمت مناكب ؟
أو ما تشاهد في زوايا الدار أعشاش العناكب ؟
أو لست تسمع زحف حيات الخطوب وصوت خشخشة العقارب ؟
أو ما ترى سيفاً ومضروباً به وخيال ضارب ؟
أو ما ترى طفلاً شريداً لا يرى إلا الخرائب ؟
أو ما ترى ليلى التي امتدت إليها كف غاصب ؟
إن كنت لم تبصر حقيقة ما يقال عن المصائب
فانظر إلى المأساة في أهداب أرملة وفي نظرات هارب
في قبضة الشيخ التي يبست على عكازه والوجه شاحب
في ظهره العرجون في أهدابه الغرقى تواريها الحواجب
انظر إلى الأقصى الذي ما زال في أمل يراقب
وانظر إلى بغدادنا صارت بقايا من خرائبْ
وانظرْ إلى أهداب غزتنا وأدمعها السَّواكبْ
تشكو حصار المعتدي وحصار ظلماء الغياهبْ
واعلم بأن الفكر معركة وأن الشعر واجب
واعلم بأن الصقر لا يخشى إذا فقد المخالب
واعلمْ بأنَّ الله يملك وحدهُ كل العواقبْ
الدكتور عبدالرحمن العشماوي