أتكلّم اليوم عن أساسيات وبديهيات مبثوثة أمام بصري وبصيرتي طوال الوقت وأنا غافل عنها لسبب أجهله (كلا.. ليست هذه الحقيقة وإنما الحقيقة هي لسبب أعلمه!!) ونبهني عليها تمرين عملي تفكّري إيماني رائع تعلّمته مؤخرا.
فمن المعروف أن جسم الإنسان وأجسام الحيوانات تمتاز بالقدرة على الحركة، ويتمكن الإنسان من تأدية الحركات الأساسية كالاستلقاء والجلوس والوقوف والمشي وغيرها بكل سلاسة ورشاقة وروعة وإبداع بفعل الأجهزة الجسمية المختلفة كالجهاز العضلي والهيكل العظمي والجهاز العصبي والأعضاء والأنسجة المذهلة التي تتكون منها والألياف العضلية والعصبية والبروتينات المتخصصة والمركبات الكيميائية والهرمونات والإنزيمات ذات المقادير الموزونة بتعقيد عظيم جدا يتعدى الإحاطة والإدراك.
كل ذلك النظام العجيب أعد بحكمة متناهية وعلم شامل وقدرة عظيمة ورحمة واسعة وإبداع عظيم وروعة مدهشة تفوق الوصف والخيال.. سبحان الخالق العظيم جل جلاله.هذا الإبداع والإعجاز العظيم نراه أمامنا كل يوم بل في كل ساعة بل دقيقة بل أقل من ذلك.. ففي كل وقت نتحرك حركة معينة بأيدينا أو من الوقوف إلى الجلوس أو العكس أو بجسمنا ونحن جالسين أو مستلقين أو واقفين أو غيرها كثير.
هذه الحركات قد نعتبرها أمرا طبيعيا وأمرا عاديا لا يثير الدهشة والإعجاب ولا يدعو إلى التفكر والتدبر ولكن الأمر على العكس من ذلك تماما.
فالحركة البسيطة التي ينجزها الجسم تبدأ من فكرة وإرادة وعزم على تأدية هذه الحركة في خلايا الدماغ، ثم يتبعها إشارات عصبية عبر الألياف العصبية ثم تتفرع الأياف العصبية لتنتهي إلى تفرعات نهائية عديدة جدا لتغذي الألياف العضلية وتحفزها على التقلص.
يحتوي الجسم البشري على 640 عضلة هيكلية إرادية مذهلة مرتبطة بالهيكل العظمي الذي يتكون من 206 عظمة بوساطة الأوتار الصلبة، وكل عضلة تحتوي على مجموعة من الألياف العضلية. هذه العضلات تكون حوالى 40% من الوزن الكلى للجسم. لو أمعنت النظر فى أحد المتاحف أو مختبرات الفسلجة على أحد الهياكل العظمية الموجودة به لوجدته مشدوداً بعضه ببعض باسلاك معدنية صناعية، لكى يبدوا كالواقف، وتجده مستنداً إلى عدد من الأعمدة، وإذا ما حاولت رفعه عن الأرض تهاوى على الأرض. ونحن لا نتهاوى على الارض فى الواقع لأن هيكلنا العظمى تتصل أجزاؤه بعضها ببعض بمفاصل وأربطة، وفوق ذلك فأنه مدعم بعضلات قوية ومرنة ومذهلة سبحان من خلقه وأبدعها.
ويمكن تلخيص الحركات التي تؤديها العضلات بالانثناء والمد والابعاد عن الجسم والتقريب من الجسم ودوران مركزي ودوران جانبي.
وتقسم العضلات الهيكلية إلى قسمين رئيسيتين هما:
عضلات الهيكل المحوري وتشمل عضلات العمود الفقري وعضلات الرأس والرقبة وعضلات الصدر وعضلات البطن. وعضلات الأطراف وتشمل عضلات الطرف العلوي وعضلات الطرف السفلي.
كل ذلك هو وصف موجز بصورة كبيرة جدا وإلا فتفاصيل ذلك تطول وتطول وتذهل وتدهش وتعجز العقل الذي يقف منبهرا وراكعا وساجدا عند حد معين ولايجرؤ على المضي أكثر من شدة العمق والتعقيد والإعجاز.
والآن لنتكلم عن التجربة التي أخبرتكم عنها في مقدمة المقال والتي ذكرتني بكل هذه التفاصيل وهذه المعاني التفكرية الإيمانية الراقية واسمها تجربة الإنسان الآلي والمدرّب.
تحتاج هذه التجربة إلى شخصين لتأديتها، الأول يحاكي إنسان آلي "روبورت" لا يتحرك إلا حركات محددة وبأوامر مباشرة من المدرّب والثاني هو المدرّب الذي يعطي الأوامر للإنسان الآلي عن طريق الكلام ليحركه كيفما يشاء. ولنجرّب مثلا حركة النهوض والوقوف المستوي على الرجلين من وضعية الاستلقاء على الظهر!!.
نعم.. يستلقي الروبورت على ظهره على الأرض ولا يتحرك من تلقاء نفسه بل بحركات محددة وبأوامر مباشرة من المدرب، ويبدأ المدرب الذي يقف بجانبه بإعطاء الأوامر والإيعازات لجعل الروبورت يتحرك وينتقل من وضعية الاستلقاء على الظهر إلى الوقوف على القدمين. يقول المدرب مثلا في البداية اثني مفصل الركبة اليمين بزاوية 40 درجة، ويفعل الروبورت ذلك. ثم يقول مثلا اثني يدك اليمنى من مفصل المرفق 45 درجة ومفصل اليد 90 درجة والكتف إلى الأمام 30 درجة وضع الكف اليمنى على الأرض... وهكذا تتابع الأوامر والحركات في محاولة لجعل الروبورت يقف على قدميه.
حسنا.. جربوا ذلك عمليا واختبروا بأنفسكم هل سينجح هذا الأمر؟ وكم من الأوامر نحتاج لذلك؟ وكم من الوقت سيمر؟ وكم محاولة سنجري قبل أن ينجح الأمر؟ وهل سينجح في النهاية أم لا؟.
ولقد جرّبت أنا هذا الأمر واختبرت ذلك عمليا وأخذت أنا دور الروبورت والشخص الذي جرب الأمر معي لعب دور المدرب. حاول هذا الشخص معي كثيرا وجرب أوامر عديدة ومختلفة وقد عانيت كثيرا من ذلك كوني كنت مجبرا على إطاعة هذه الأوامر حسب قوانين التجربة ولكن الأمر لم ينجح في النهاية!!!. ثم فقد صبره وقال لي اجلس على ركبتيك فجلست ثم قال قف فوقفت ونحن نضحك كوننا بذلك قد غششنا ولم ننجح في الأمر بصورة صحيحة.
أحسست بعد هذه التجربة صعوبة وشدة تعقيد هذه الحركة التي أراها للوهلة الأولى بسيطة وبديهية ولا تحتاج إلى عناء كبير. في الحقيقة إنها ليست بهذه البساطة التي نتصورها بل يشترك في تأديتها أجهزة وأعضاء وأنسجة وخلايا وبروتينات ومركبات كيميائية وآليات منسجمة تجمع ذلك كله سبحان من أبدعها بأروع صورة.
إذا جربنا ذلك وتفكرنا وفهمنا واستوعبنا العظمة والإعجاز في الخلق أجد أن ذلك يوصلنا إلى معاني جميلة أخرى كاستشعار النعمة وشكرها بالحركات الراقية المسبحة المتناغمة مع مرضاة الخالق العظيم وتجنب الحركات الغبية الفاجرة العاصية الجاحدة.. والله الموفق.
وكما يقول المثل الشائع في الحركة بركة..
وأقول أنا في الحركة بركة وإعجاز وآيات وتفكر وإيمان ونور وسرور.
{ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } (الذاريات21)