الطلاق بمفهومه العام مشكلة اجتماعية تنجم عن فشل الزوجين في الانسجام والتفاهم، وإمكانية التعايش ولو (بالحدود الدنيا)، تحت سقف واحد يضمها تحت مسمى الأسرة . لكن هذا المفهوم تغير مع تغير إيقاع العصر. فزادت أسباب الطلاق وكثرت. فصار الطلاق يقع لأبسط الأمور وأتفهها ، وبالخروج عن القواعد الأساسية للزواج وبناء الأسرة . وتشير عدد من الإحصائيات عن المحاكم الشخصية، أن الطلاق أصبح القضية الغالبة في المحاكم لتأتي بعده جميع القضايا ومنها عقود الزواج، خاصة وأن الأسرة وقعت فريسة للتأثيرات الخارجية والداخلية دون حصانة، كما أن المرأة في بعض مفاصل مجتمعنا تتزوج وتطلق دون إرادتها حتى لو وصلت الى مرتبة عليا في التعليم .
وهذا ما حدث لطالبة جامعية وهي (ن . ح) تقص لي حكايتها وهي من سكنة احد القرى المحاذية لمدينة الحلة وتقول : إن أهلها اجبروها على الزواج برجل يرتبط بوالدها بأعمال وكان تحصيله الدراسي لم يكمل الابتدائية . وحين جابهتهم بالرفض ، ثار ابوها وانتفض وان رفض ابنته يعني له العار ولعائلتها بعدما أعطى الرجل كلمته التي هي أغلى من حياة ومستقبل ابنته . وأمام هذا الإصرار من قبل والدها تم تزويجها للرجل الذي يكبرها سنا بعشرين سنة . لكن الفوارق الثقافية والفكرية فضلا عن عدم الانسجام العاطفي وانغلاق الزوج على بعض المفاهيم القديمة التي تجعل من المرأة قطعة أثاث لا حول لها ولا قوة ، حدث الطلاق بعد سنة ورجعت المرأة إلى بيت أبيها تحمل طفلا وورقة طلاق ومستقبلا مجهولا أمام نظرة مجتمع تجاه المطلقة .
وحالة أخرى حدثت أيضا في مدينة الحلة وهي إجبار أب لابنه لتطليق زوجته .. يقول ( ا . س ) أن والده اجبره على طلاق زوجته وإلا يطرده من البيت . وبداية الحكاية تبدأ من اختيار الابن لزوجته بعد علاقة ود حدثت بينه وبين إحدى فتيات المنطقة ووسط إلحاح الشاب على ابيه تزوجها . لكن تبين أن الأب غير راض عن هذا الزواج وأراد تزويجه ضمنا لبنت عمه لأنه حسب المعتقد السائد في الوسط العشائري إن فلانة لفلان وهم صغار "في اللفة" كما يقال . وهذا بمثابة عقد واتفاق بين الأسر . فبعد الزواج كان الأب يصطنع المشاكل مع زوجة ابنه مرارا وتكرارا كل يوم . واستغل الأب بطالة ابنه عن العمل ولا يستطيع العيش خارج منزله فاجبره على الطلاق وحدث ابغض الحلال .
وحكايات من هذا النوع وغيرها تحدث كل يوم . وأغربها ما حدث لفتاة طلبت الطلاق من زوجها لأنه لا يفعل كما يفعل مهند مع نور في المسلسل التركي بجلب الفطور لها وهي بالفراش .
الفضائيات والمسلسلات في قفص الاتهام
القاضي وليد لطيف اكد ان عددا كبيرا من قضايا الطلاق التي تأتي للمحاكم سببها تدخل الاهل في حياة الاسرة والذي عادة ما يكون ليس لصالح الزوجين . كما ان بعض الأزواج والزوجات تأثروا بافكار المسلسلات والأفلام الأجنبية ومحاولة تقليد نظام العيش والسلوك الغربي الذي لا ينجح في مجتمعنا . ويأتي الفارق الطبقي والفكري بين الزوجين سبب آخر في الطلاق محدثا شرخا في العلاقة والتفاهم بين الزوجين. ويضيف الباحث في مجال العلاقات العامة هادي مهنا عوض من جامعة بابل ان من الاشكاليات التي نلاحظها في الازواج المطلقين ان التنشئة التي عاشوها في بيوتهم تنعكس آثارها في السنوات الاولى من الزواج . حيث ان الكثير من هؤلاء يمتلك صفة اللامبالاة والاهمال والاتكالية، وعدم تقديس الحياة الزوجية . ونجد ان الكثير من الشباب يربى على وفق قيم خاطئة تضخم من دوره كرجل . وتبرر له الخطأ، وفي المقابل تقلل من قيمة المرأة، وتضعها على هامش الحياة . وفي المقابل فان الدلال الزائد للبنت قبل الزواج، وعدم تعويدها على تحمل مسؤولية الزواج او مسؤولية البيت يحولها الى امرأة لاتراعي تقاليد الزواج المقدسة . كما ان المواقع الالكترونية وبعض وسائل الاعلام تصور الحياة الاسرية للمرأة انها معركة تخوضها مرة مع ابيها الذي يبتزها احيانا، ومرة مع اخيها الذي استولى على جميع الصلاحيات واصبح يخرج ويلعب ويمنعها من الخروج . وثالثة مع زوجها لتفرض شخصيتها ورأيها عليه وبذلك تحول تلك الوسائل وطريقة العيش البنت الى قنبلة موقوتة تدمر نفسها ومجتمعها .
السيد حافظ الياسري (رجل دين) أكد إن المؤسسة الدينية تقع على عاتقها توعية المواطنين بمخاطر الطلاق على الأسرة والمجتمع . مشيرا إلى جهود رجال الدين في هذه القضية محذرين الأزواج من التعلل بأسباب واهية لإحداث الطلاق مجنبين الأسرة مخاطر انهيارها الذي سينعكس سلبا على المجتمع . وأشار الياسري إن المسلسلات التركية تسببت بحالات من المشاكل أدى بعضها إلى الطلاق . مشيرا إلى دراسة تؤكد أن المسلسلات التركية زادت من حالات الطلاق في دول الخليج حال بثها .
عمر الزواج في بابل أسبوع واحد!
الموبايل تسبب ايضا في العديد من حالات الطلاق .. يقول الباحث علي الربيعي إن الموبايل له حكايات بخصوص الطلاق حيث تشير بعض الوقائع أن المكالمات لأرقام مجهولة لجهاز الزوجة تسببت بتطليق عدد من النساء لشك الأزواج بهن . وقد سجل الموبايل السبب الأول في حالات الطلاق في محافظة بابل . وأشار الباحث انه في السنوات السابقة أجرى إحصائية في بابل تبين ان كل ست ساعات تحدث حالة طلاق في المحافظة .
فيما يؤكد القاضي موسى صالح الخفاجي ان حالات من الطلاق المبكر تتزايد يوميا . حيث لا يصل عمر زواج بعض الحالات الى اسبوع او اقل . كما ان هنالك ظواهر تتفاقم في المحاكم وهي تشجيع بعض المحامين للطلاق من اجل الكسب المادي . حيث يجمِّل هؤلاء للمرأة أو الرجل الطلاق، وإطلاق سيل من الوعود للمرأة على استحصال أعلى معدل بالنفقة والحضانة والطلاق القضائي .
وتعتمد بعض المحاميات الى اقناع الزوجة برفع اكثر من دعوى قضائية على ازواجهن لكي يحصلن على اجور واتعاب اكبر عن كل قضية . فكلما زاد عدد الدعاوى ارتفعت الاجور والاتعاب . بالمقابل يلجأ الزوج الى محام فينصحه المحامي برفع دعوى مطاوعة واسترداد حضانة . ما يؤدي الى تعقد العلاقة بين الزوجين وزيادة في عدد الدعاوى المرفوعة لصالح المحامين .
إحصائيات مرعبة
ويؤشر الاستاذ الدكتور غني ناصر حسن القريشي رئيس قسم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة بابل احصائيات في بعض المحاكم الشخصية في بغداد تؤكد تفاقم حالات الطلاق والخروج عن معدلاتها الطبيعية المعتادة في مجتمعنا حيث كشفت إحصائية لعام 2012 ان محكمة الاحوال الشخصية في مدينة الصدر استقبلت (5700) حالة طلاق وصدقت المحكمة حالات طلاق خارج المحكمة بلغت (5736) حالة . وهنالك احصائية للاشهر (حزيران، تموز، آب، ايلول لعام 2013 بلغت (1391) حالة طلاق في المحكمة نفسها . في حين كانت حالات الطلاق في محكمة الاحوال الشخصية في بغداد الجديدة للعام 2012 بلغت (2106) حالة فيما كانت حالات الطلاق خارج المحكمة التي تم تصديقها بلغت (2540) حالة طلاق للعام نفسه ، ويشير رئيس قسم الاجتماع الدكتور غني ناصر الى ان وزارة شؤون المرأة كشفت خلال مؤتمر عقد هذا العام (25 – 4 – 2013 في فندق بغداد) الى زيادة نسبة الطلاق في العراق معتمدة في ذلك على احصائيات لعقود الزواج وحالات الطلاق للمدة من 2004 – 2011 اشارت الى زيادة حالة الطلاق من ( 85 . 9 % ) بواقع ( 28690 ) حالة عام 2004 الى ( 52 . 20 % ) بواقع ( 59515 ) حالة عام 2011 . فيما انخفضت نسبة الزواج من ( 15 . 90% ) بواقع (262554 ) عقد عام 2014 الى ( 48 . 79% ) بواقع (230470) عقد علما ان هذه الاحصائيات لم تشمل عقود الزواج وحالات الطلاق خارج المحاكم .
دعــــــوة !!
وأوصى رئيس قسم الاجتماع الاستاد الدكتور غني ناصر حسين القريشي من جامعة بابل بضرورة تدخل المؤسسة الدينية وتثقيف الناس بأهمية الحياة الأسرية وحثهم على معالجة مشاكلهم قبل تفاقمها وتقديم التضحية من قبل كل من الزوج والزوجة من اجل أن يبقى الزواج والحفاظ على الأسرة والأطفال . وعلى الدولة تقديم المشاريع التي تخدم الأسرة العراقية من حيث السكن وايجاد فرص العمل للمتزوجين .
وإدخال مقرر دراسي في المدارس الثانوية تحت مسمى ( أصول الحياة الأسرية ) للطلبة والطالبات بدلا من مادة الأسرية المقررة للطالبات فقط يتضمن توضيح أسس الحياة الزوجية وتكوين أسرة بدءا من اختيار شريك الحياة والخطوبة وانتهاء بالواجبات والحقوق الزوجية حتى تكون لهم فكرة واضحة عن الزواج تساعدهم على بناء اسر سليمة . كما أوصى رئيس القسم على ضرورة إنشاء وحدات للإرشاد الأسري تعنى بالشؤون الأسرية يعمل فيها اختصاصيون أكفاء .
المصدر ... المؤتمر