رغم عدم إدراجها مزاراً يمكن أن يحظى برعاية الوقف الشيعي، حظيت قطّارة الإمام علي عليه السلام- او (القطّارة) كما يسميها أهالي كربلاء المقدسة- ببركات أمير المؤمنين كونها تمثل معجزة من المعاجز التي تحققت على يديه الكريمتين.
تقع القطّارة على بعد (15كم) تقريبا الى الغرب من مركز مدينة كربلاء، يوصلك اليها طريق معبّد بمسافة 3 كيلومتر تقريباً، يقع الى يمين الشارع المؤدي لقضاء عين التمر، وما ان تدخل بذلك الطريق حتى يفاجئك منحدر صخري هائل يتوسطه شق عميق، وفي أسفل النهاية الحرجة لهذا الشق تقع القبّة الصغيرة التي أُنشأت على حفرة صغيرة، تعلوها صخرة يقطر منها الماء.
وتشير عدة وثائق تاريخية إلى هذا الأثر منها ما ذكره الشيخ المفيد (رحمه الله) في كتابه (الإرشاد)، وكذلك ما ذكره الشاعر (الحميري) الذي سكن هذه المنطقة في القرن الثالث الهجري بإحدى قصائده عن (قطارة علي) واعتبارها كرامة من كراماته عليه السلام.
اهتمام متواضع
مدير مفتشية الآثار والتراث في كربلاء المقدسة السيد زاهد محمد عليوي، يذكر الرواية المشهورة للقطّارة متحدثاً" روي أن أمير المؤمنين عليه السلام حينما توجه الى صفّين لملاقاة جيش معاوية أصاب جنده عطش شديد، فأخذوا يلتمسون الماء فلم يجدوا له أثرا، فعدل بهم أمير المؤمنين نحو (دير) وسط البرية، فوجدوا راهباً في الدير سألوه عن الماء فقال: بينكم وبين الماء عدة فراسخ وعيّنَ لهم اتجاه المسير، فلما وصلوا أشار أمير المؤمنين لجنده ليكشفوا عن عين الماء التي كانت تحت صخرة كبيرة تسدّها، فلم يتمكن الجنود من رفع تلك الصخرة، فنزل أمير المؤمنين عن سرجه وحسر ذراعيه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحركها ثم قلعها بيده، فلما زالت عن موضعها نبع الماء من تحتها. فقال الراهب للإمام: هل أنت نبي؟ قال: لا أنا وصي نبي، فقال الراهب للإمام: أمدد يدك، ثم أَسلمَ، وسارَ بعد إسلامه مع الإمام عليه السلام الى صفين واستشهد في معركتها رضوان الله عليه".
لكن هذا الموقع الذي يعدّ أثريا وتراثيا يبدو عليه الحاجة الملحة للاعمار والبناء وتوفير أماكن راحة للزائرين حيث تتصف المنطقة عموما بقساوة طبيعتها الصحراوية، وهنا يقول السيد زاهد" يوجد اهتمام من قبل قائمقام قضاء عين التمر بهذا الموقع التاريخي الأثري وإعادة صيانته وهيكلة مرافقه لخدمة الزائر والسائح القادم إلى هذا الموقع".
ويضيف" ان قلة التخصيص المالي لهذا الموقع الأثري هي العقبة الأساسية في طريق تطويره، وأن دائرة الآثار في كربلاء وإدارة قضاء عين التمر طالبت بصيانة موقعين أثريين هما قطارة الإمام علي عليه السلام وحصن الأخيضر الأثري، وقد نال الحصن نصيبه في إنشاء دار استراحة متكاملة، أما بالنسبة إلى القطارة فقد تم الاكتفاء بإنشاء طريق معبّد لموقعها بمسافة 3 كيلو متر تقريبا وتخصيص مبالغ من قبل قضاء عين التمر لتأهيل الموقع، ولا ننسى يد الخير التي ظلت ممدودة الى هذا المكان من قبل الخيرين والمعنيين وذوي السعة والإنفاق في سبيل الله". إطلالة على عمارة القطّارة
وعن تاريخ اعمار القطارة وبناء القبة الموجودة حاليا عليها، يقول الحاج محسن هاشم نايف، خادم القطارة" بدأنا العمل برعاية هذا المزار في عام 1996 حيث شيّدنا غرفة تحيط بالقطارة وسلّماً ينزل إليها من الأعلى كونها تقع في أرضية وادي ضيق وعميق، لكن مع حلول عام 2004 أقدمت عناصر إرهابية على هدم المكان".
ويؤكد" مع ذلك لم تنثني عزيمتنا على إعادة اعمار القبّة من جديد، ففي عام 2007 عملنا على تشييدها ومازال العمل جاريا حتى الآن، حيث نحن بصدد اكمال بناء صحن واسع ومجموعة صحّيات، وبناء جامع ومسقفات للزائرين وللمركبات أيضا".
ويضيف الحاج محسن" ولا ننسى أهمية الزراعة وانشاء الحدائق حول المكان لأهميتها في هذه البقعة التي تتصف بالأجواء الصحراوية القاسية فقد باشرنا بإنشاء حديقة تم زراعتها بأصناف عديدة من الأشجار، فضلا عن أشجار النخيل، تسقى من بئر ارتوازية قمنا بحفرها مؤخراً.
وحول مصادر تمويل الأبنية والانشاءات الحالية، وإدامة الخدمات في القطارة أوضح الحاج محسن" لم نحظَ بأية مساعدة او تخصيص مالي من أية جهة او مؤسسة رسمية فقد راجعنا ديوان الوقف الشيعي لهذا الغرض لكننا لم نظفر بشيء فالإخوة في ديوان الوقف الشيعي اعتذروا عن تقديم الدعم المادي بحجة ان القطارة هي معجزة من معاجز الامام علي عليه السلام وليست مرقد لأحد الائمة الأطهار عليهم السلام، وهي بذلك خارج اختصاصهم".
مضيفاً" قمنا بعد ذلك بجمع التبرعات من الخيرين ومحبي أهل البيت عليهم السلام من الذين أنعم الله عليهم بوافر العطاء، من أجل ادامة وتطوير مكان القطارة وبالرغم من إننا نقوم بما نستطيع في توفير ما يحتاجه الزائر الكريم إلا أن هذا المعلَم الديني يحتاج إلى المزيد من الاهتمام، كتوفير المكتبات التي تضم كتب الادعية والزيارات والقرآن الكريم وسائر الكتب والمؤلفات الدينية الاخرى أسوة ببقية المراقد والمزارات الشريفة".
وختم الحاج محسن" تأتي أفواج الزائرين لمقام القطّارة من كل مدن العراق للزيارة والتبرك، ومشاهدة هذه المعجزة الإلهية التي بقيت لقرون تمثل السمو والرفعة لأمير المؤمنين علي عليه السلام".