قلم رصاص وورقة
وهذيان فوق العادة
أنها لحظات تأمل أبحرت معها لأماكن مازالت تسكنني
أقلب الكُتل الملتهبة التي تتململ في زوايا الذاكرة
تمر صورهم من أمامي كالطيف
تركت القلب ينضح بمكنوناته
قلم رصاص شق عباب الورق
بوح رمادي اللون
ينصهر ويتدحرج كحبات زئبق
مرآتي ... وأنا
أقترب من مرآتي أحدق في وجهي ملياً
وأعاود التحديق
أبحث عن تفاصيلي ....عن ملامحي
أبحث عن ذاتي
يساورني شك أنها تخبئ صورتي وراء ظهرها
دنوت منها أكثر
خاب ظني وزادت شكوكي
أفرك عيناي عسى أن أزيح تلك الغشاوة
لم أجدني كما أنا
أتفحص وأطيل النظر
تلاشت معالم وجهي
وكأنني أمام وجهٌ لايشبهني
وجهٌ غريب لم أتعرف عليه من قبل
أتحسسه بأناملي
أبحث عن وجهي الحقيقي
دون كسور .. دون شروخ
أحترت بين غموض وجهي وتصدع مرآتي
أبحث عن خريطة ملامحي
أرى وجهاً دون ملامح
أين أختفت عيناي !! ؟
أين أختفت صورتي !!؟
أناظر والحيرة أنهكتني
هل يا تُرى َفقدتُ النظر !؟
أم أن مرآتي كفيفة لا تُبصر!؟
لن أتوه عنكِ يامرآتي
لاعليكِ
تحمليني
وأحملي معي
ألستِ ملاذي ومرفأي
ومسرح حكاياتي
تمنحينني التفاؤل والأمل
وتشعرينني أنه مازالت للحياة بقية
أقترب من نافذتي
أتنفس رائحة غيابهم ..
أشعر بضيق وإختناق
كأنهم حَملوا الأوكسجين في حقائبهم...
ورحلوا
أرتمي على أريكةِ القلق والحيرة
أجمع خيوط أمل باهت
أحيك منها وشاحَ صبر
وأتدثر
بين غرزه وثقوبه
أحتمي
من زمهريرٍ ومطر
أتنقل بين هذه النافذة... وتلك
أخشى أن يسرقني الرقاد
وتمر مواكبهم في غفلةٍ مني
دون أن ألمحهم
ويُدركهم قلبي
وأفقدهم للأبد
طيور الحي تنادي بإسمي
باتت تعرفني
تعرف ملامحي وشكلي
تشم رائحة عطري
ترمقني من بعيد
تواسي بؤسي بحشرجةٍ وتغريد
من خلف نافذتي
تدنو
تقرأ تعابير وجهي وأسرار قلبي
تشاركني دندنتي وحزني
تمسح بريشها الناعم دمعتي
تقترب مني أكثر
تناولني قرطاسي وقلمي
تتدحرج حروفي من خزائن عقلي
تصوغ قلائد وسِوار
وأقراط مرصعة جواهر وأحجار
يتدلى من أطرافها قلوب عسجد
تمر الأيام تلو الأيام
كم شتاء ولى وكم صيف حضر
لازلت أرتقب الطريق من خلف نافذتي
براعم أمل كسيح تتساقط من كفوف يدي
سجينة في زنزانة الحياة
قفص محكم الإغلاق
خالي من الساعات والثواني
تجمدت مفاصل الوقت
توقف نمو الأيام
تسللت أصابع الزمن
لتقطف ثمار عمري
تجردني من زهو أيامي
أنه موت بطيء تحت عدسة مجهر
حملت رفات أحلامي في نعش مثقوب
طمرته في قاع البحر
تناثرت بذور أمل عقيم
ذرتها الرياح خلف الجبل
وخيباتٌ جلل
أجنحة اليأس ترفرف فوق رأسي
وشوق هزيل قصم ظهري
أنحسر منسوب الكلمات
تعطلت لغة البوح
شُلّ لسان القلم
أحاول الوقوف من جديد
أتكئ على عكازي وأتعثر
أهدئ النفس بكاساتِ صبر
قرار العودة
محفوف بمخاطر ورعب
أوركسترا ألم
عزف حزين على أوتار القلب
حينما عقدت العزم على تغيير الأماكن
أدنو ببطء من خطِ الإحتواء
حلم يزورني كل مساء
مازلتُ كما أنا
تلك الطفلة العنيدة
أبكي وأمتنع عن الطعام
إن أضعت لعبتي
أخشى السير في الظلام بمفردي
بتُ أترنح كزورق هشيم
أقاوم الغرق
نُكست أشرعتي
لم أعد قادرة على الجذفِ بكفوفٍ ترتجف
كشجرة هزيلة لا أقوى على الوقوف
لازالت صورهم الأنيقة
ذات الملامح الوديعة
تزين كهوف ذاكرتي
ببروازها الذهبي
كم كنت أستمتع بالحوار الصامت معهم
كلما أقتربت أرواحنا
كلما كبر الفراغ الفاصل بيننا
رغم الحنين والشوق
غادرني آخر أمل مطأطئ الرأس
أغلق خلفه بوابات الرجاء
حطم قوارير الصبر على عتبة الإنتظار
تمادى اليأس الساكن بين أضلعي
سحق براعم الياسمين على شرفات عمري القادم
أطفأ شموعي بمياه العيون
شنقت حكايتنا على مقاصل الخيبة
هكذا بتُ لا أشعر بالفقد
لأنه سرق مني كل شيء جميل
أمتلأت فَـقد من كل صنف ولون
حتى خشيت أن أفقد نفسي
تحولت لصندوق فارغ مهجور
بتُ أخشى أن يطرق الفرح بابي
وأن صادف وفرحت
أكتم فرحتي عن الأعين
أحاول أن لا أفرح كثيراً
لان الفَقد يتربص لي خلف الباب
أصبحت لا أتوانى عن قول
( طوووز)
خلف كل ضياع ......وكل َفقد
حينما غادرتك وهاجرت وراء المحيط
كنت أمني نفسي بقربي منك رغم البعد
كنت أواسي قلبي وأقنعه
كنت أقول ...
لازلنا نعيش تحت سماء واحدة
نسكن على كوكب واحد
نتنفس هواء واحد
تشرق علينا شمس واحدة
هاهو القمر يزورنا كل مساء
لن يتأخر عن موعده
يبقى ينتظرنا في نفس المكان
ويودعنا كل صباح
مع صياح الديك
قررت أن أبتعد عن كل شيء يذكرني بك
.قررت أن أبتعد عن قلمي
لانه لن ُيجيد العزف الا على حروف إسمك
عُدتُ اليكِ يا مرآتي
أفرغتُ ما جَثَمَ على صدري
رميت أواني ورودي من فوق شرفتي
تناثرت في الفضاء
لازلت أنفض غباركِ
كل مساء
أبحث عن وجه يشبهني
أبحث عن وجهي قبل أن يتكسّر
أبحث عن مرآتي دون خدوش
دون رتوش
لن تهزمني إنكساراتي
حزني كبير وخيبتي أكبر
حين أكتشف هناك أمور كنتُ أجهلها
لم أدركها إلا ... في وقت متأخر
حَزنت على تشويش تلك الصور
حسبت يوما أنها ستظل كما هي
ولن تتغير