2014-01-11
بغداد ـ الصباح الجديد

اختار تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف بـ "داعش" الدبلوماسية، وقرر "انسحاباً ماكراً" من مدينة الفلوجة التي سيطر عليها لعدة أيام لتلافي هزيمة متوقعّة على يد الجيش العراقي هو في غنى عنها بعد الهزائم التي تلقاها في سوريا هذا الاسبوع.
وبحسب مصادر عشائرية موثوقة في مدينة الفلوجة التي تبعد 60 كيلو متر غرب العاصمة بغداد تحدثت لـ "نقاش"، فإن اتفاقاً جرى مساء الثلاثاء الماضي بين عشائرها وبين عناصر "داعش" التي سيطرت على المدينة، يقضي بالانسحاب من المدينة لمنع الجيش العراقي من اقتحامها.
الاتفاق الذي جرى في الفلوجة في أجواء سرية وسط المدينة التي تشكل القبائل السنية المتمسكة غالبية سكانها، كان الهدف منه منع تعرض المدينة لخراب كالذي تعرضت له عام 2004 على يد الجيش الأميركي عندما حاول اقتحام المدينة بعد مقتل 4 عناصر متعاقدين أمنيين مع الجيش الأميركي على يد السكان وتم تعليق جثثهم على أعمدة الكهرباء في المدينة.
وعلى الرغم من إن الدبلوماسية والحلول السياسية لم تكن يوماً في أجندات تنظيم القاعدة، لكنه اختار هذه المرة اللجوء إليها لتلافي تلقيه هزيمة ثانية خلال أسبوع واحد بعدما تلّقى الهزيمة الأولى في سوريا، خصوصاً وإن "داعش" لم تثّبت أقدامها جيداً في الفلوجة
يقول الشيخ أحمد الجميلي وهو زعيم قبلي في الفلوجة لـ "نقاش" إن "المسلحين الذين دخلوا المدينة لم يتجاوز عددهم العشرات ويمتلكون أسلحة خفيفة ومتوسطة وليس باستطاعتهم إخضاع مدينة مثل الفلوجة يمتلك جميع سكانها الأسلحة في المنازل". وطبقاً للجميلي فإن تهديدات الجيش العراقي باقتحام المدينة، وعدم رغبة سكان الأنبار بالتعرض لحرب على رغم تعاطفهم الحذِر مع القاعدة اضطرت التنظيم لإخفاء وجوده من المكان وفسح المجال أمام العشائر لإدارة شؤونها.
وبالمجمل رسم الاتفاق بين عشائر المدينة و"داعش" تصوراً على إن السكان طردوا داعش تلبية لمناشدة المالكي الاثنين الماضي، للأهالي بطردهم وإلا تعرضوا لعلمية عسكرية، ولكن هل سيرضي هذا الاتفاق المالكي وتجعله يعدل عن فكرته باقتحام المدينة؟
لم يكن ممكناً إن يتمكن تنظيم القاعدة من السيطرة على مدينة الفلوجة خلال يومين بعد الفوضى التي شهدنها مدينة الانبار بعد فض التظاهرات السلمية بالقوة في30 من الشهر الماضي لولا استغلالها تذمر السنة من الحكومة الشيعية.
وأيضا فإن جيل القاعدة الحالي هم عراقيون ينتمون إلى عشائر سنية من الأنبار وتحديداً من الفلوجة والرمادي وتجمعهم روابط قبلية قوية.
يقول الباحث الاجتماعي أحمد الكبيسي لـ "نقاش" "بسبب غياب مفهوم الدولة والمواطنة في العراق بعد 2003 لجأ العراقيون إلى العشائر طلبا للحماية".
ووقع اختيار القاعدة على الفلوجة لسببين، أولا لأنها من أكثر المدن العراقية نقمةً على الحكومة وسكانها يعتبرون السياسيون الشيعة خائنين لأنهم جاؤوا على ظهر الدبابات الأميركية، كما إن السياسيون الشيعة فشلوا طيلة عشر سنوات من 2003 في تطمين الطائفة السنية بالعيش في أمان بل على العكس عمدت الحكومات الشيعية إلى تهميش السنة.
هذا الشعور بالظلم لدى السنة أخذ يتزايد شيئاً فشيئاً على مر السنوات التي تلت سقوط صدام حسين، وتفجرت في تظاهرات سلمية حاشدة استمرت عاماً كاملاً، لكن الحكومة لم تنجح في تلبية مطالبهم رغم التوصيات الأميركية للمالكي بل على العكس أقدمت على إنهاء التظاهرات بالقوة، وهو ما دفع عشائر الأنبار لحمل السلاح.
في هذا الوقت انتهزت "داعش" هذه الظروف وقدمت نفسها كمدافع عن أهل السنة في العراق.
وعلى الرغم من إن السنة يتذكرون جيداً أفعال القاعدة قبل سنوات، ويستحضرون ما تفعله "داعش" في سوريا من أعمال وحشية بحق الأهالي، لكن غضب السنة على الحكومة هذه الأيام، أكثر من غضبهم على القاعدة ما دعاهم إلى التعامل معهم وفق مبدأ عدو عدوي صديقي كما يقول المثل.
ما حدث في الفلوجة الأسبوع الماضي بعد صلاة الجمعة حينما صعد شخص من تنظيم داعش وهو عراقي على المنصة وقال مخاطباً المصلين من أهالي المدينة "نحن أنصار الدولة الإسلامية، لا نريد إيذائكم فنحن منكم وسنساعدكم على محاربة الحكومة الشيعية، ولن نتصرف من تلقاء أنفسنا وسننفذ ما تأمرون به انتم أهالي المدينة وعشائرها".
يكشف هذا الحديث الذي أكده أحد مصادر المدينة لـ "نقاش" إن القاعدة لن تقوم حالياً بممارسة التشدد خشية تذمر أهالي المدينة، كما إن عناصرها الذين ينتمون إلى قبائل سنية من الأنبار لن يقوموا بمقاتلة قبائلهم كما إن قادة قبائلهم لن ترفع السلاح بوجههم حالياً لأن لديهم عدو مشترك.
وتبدو فرصة الحكومة بكسب العشائر ضئيلة جداً لأن الحكومة تعاملت معهم بتهميش، كما أنها وجهت إهانة كبيرة للعشائر من خلال إنهاء اعتصامها السلمي ، واعتقلت نائب ينتمي إلى أكبر عشائر الأنبار وأكثرها احتراماً وهو احمد العلواني، وتميل الكفة إلى القاعدة حاليا الذي استثمر سخط العشائر إلى الحكومة للتغلغل، كما انه لم يظهر مواقفه المتشددة بعد بانتظار الوقت لتدعيم وجوده.
ولكن مراقبين يقولون انه على المدى البعيد فإن العشائر في النهاية ستنتفض ضد القاعدة بعد أن تضيق ذرعاً بتصرفاتها في الأنبار، وعلى الحكومة اتخاذ خطوات حقيقية للتصالح مع العشائر وإقناعها من خلال الوسائل لا من خلال الوعود الكلامية بإنهاء تهميش السنة في الحكم

عن موقع "نقاش" بتصرف