05.January.2014
ماجد الماجد... مقتل عميل مزدوج؟
وظفوا موته في متاهات السياسة اللبنانية الداخلية
علي عواض عسيري
القاضي سمير حمود
تساؤلات حول ملابسات وفاة ماجد الماجد في لبنان
وظفت الأطراف السياسية اللبنانية موت ماجد الماجد في تناقضاتها الداخلية، فحوّلته قوى 8 آذار إلى عنوان للهجوم على السعودية واتهامها بقتل عميلها لإسكاته، ومنع انكشاف أسرار تدينها، بينما أكدت 14 آذار أن الماجد عميل إيراني.إما أن تنفس العالم الصعداء مع ورود انباء اعتقال الجيش اللبناني المطلوب السعودي ماجد الماجد، وما أن انتعشت الآمال بوصول التحقيق معه إلى إجابات كثيرة عن أسئلة محيّرة، رحل الموقوف عن العالم، من دون أن يتمكن القضاء اللبناني من انتزاع معلومات مهمة منه.
غيبوبة كاملة
وأبلغ النائب العام التمييزي اللبناني، القاضي سمير حمود، "إيلاف" أنه لا يمكن الكشف عن تفاصيل التحقيقات، "لكن المعلوم أن الماجد كان مريضًا، ولم يكن في حال صحية تتيح أخذ إفاداته، إذ كان يعاني من مشاكل في الكلى، ومن مضاعفات صحية أخرى".
كما علمت "إيلاف" من مصادر متابعة أن التقرير النهائي للتحقيقات التي أجريت مع الماجد لم يصدر بعد، "وأن الموقوف السعودي بقي فترات طويلة في غيبوبة كاملة منعته من الإدلاء بأي إفادة حقيقية، لأنه لم يكن قادرًا على استعادة وعيه بشكل كامل".
وأبلع السعوديون فورًا بوفاة الماجد، كما قال علي عواض عسيري، السفير السعودي لدى لبنان، لـ"إيلاف"، مؤكدًا أن جثة الماجد ستخضع للطب الشرعي، على يد طبيب لبناني، لوضع التصور القانوني النهائي عن أسباب وفاته، بحضور محامي السفارة السعودية في بيروت.
أضاف: "بمجرد انتهاء السلطات اللبنانية من إجراءاتها القانونية، سنتخذ ما يجب اتخاذه"، واعدًا بالحديث بشكل موسع بعد ظهور نتائج الطب الشرعي، وبعد الكشف عن إجراءات تسليمه إلى عائلته في السعودية.
أبشع ما يكون
وفاة الماجد عقّدت الوضع السياسي اللبناني أكثر فأكثر. فأقطاب قوى 14 آذار آثروا أن يناوا بأنفسهم عن المسألة، واضعينها في يد القضاء، ورفضوا التعليق على وفاة الماجد، معللين الأمر بعدم وجود معلومات كافية حول الموضوع. فالنائب عمّار الحوري، من كتلة المستقبل النيابية، قال لـ"إيلاف": "لا أملك معلومات كافية حول الموضوع، ولا معطيات لدينا".
وقال النائب معين المرعبي، من كتلة المستقبل أيضًا، لـ"إيلاف" إن القضاء اللبناني سيقوم بالتحقيقات اللازمة، "والمعروف أن ماجد الماجد، كما سمعنا، كان في المستشفى. وكان وضعه حرجًا، وواجه المحققون صعوبة في التحقيق معه". أضاف: "فاجأتنا وفاته، لكن بالنسبة إلينا، كل العمليات الإرهابية مدانة، نستنكرها أشد الاستنكار، واستهداف الأبرياء، كائنًا من كانوا، أمرٌ من أبشع ما يكون، ولا يمتّ إلى الجنس البشري بصلة".
وتشيّع قوى 14 آذار أن القبض على الماجد، المطلوب سعوديًا، تم بتعاون إستخباري بين خلية أمنية سعودية في لبنان وبين إستخبارات الجيش اللبناني، من دون أن تنكر هذه القوى العلاقة الوثيقة بين هذه الاستخبارات وحزب الله.
قتلته السعودية!
إلا أن مصدرًا مقربًا من قوى 8 آذار يرى أن صمت أخصامها ليس بريئًا، وأن تعلقها بالقضاء مريب أكثر منه مطمئنًا، بل هو تنفس الصعداء مما كان سيفشيه الماجد من أسرار، لا تريد قوى 14 آذار أن تُكشف.
ويضيف أن سقوط الماجد تم بمسعى وجهد من أمن حزب الله، بإشراف إستخباري إيراني، من دون أي اعتراف لبناني رسمي بذلك، بل التزم الجيش صمته، ولم يعلن عن اعتقال الماجد، إنما السفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري هو من أعلن الأمر، بتسريبه أولًا إلى الإعلام، ثم الإعلان عنه صراحة، ما أوقع لبنان في الارتباك.
ويقول هذا المصدر لـ "إيلاف" إن السعودية وضعت كل ثقلها لاسترداد ماجد الماجد، منذ اليوم الأول لاعتقاله، بالرغم من أن لا اتفاقية لتبادل السجناء بين لبنان والسعودية، لأنه مواطن سعودي، متناسية كل السعوديين المسجونين في سجن رومية، أو في السجون السورية أو العراقية، ومنهم محكومون بالإعدام، فما كان من سبيل إلا الخلاص منه بسرعة، رغم أن التقارير الأولية أكدت قدرة الماجد على الكلام بعد اعتقاله، "فلمَ الماجد بالذات؟، أليس لأنه على علاقة وطيدة بالاستخبارات السعودية، ينفذ أوامرها في لبنان وسوريا؟، وإن كان هو فعلًا المطلوب رقم 70 على لائحة المطلوبين في السعودية، لماذا لم يدرج اسمه على اللائحة الخليجية السوداء؟".
عميل إيراني
يتهيب مصدر مقرب من قوى 14 آذار هذه الاتهامات، فيأتي رده عنيفًا. يقول لـ"إيلاف": "لا مفرّ من اعتراف أتباع إيران في لبنان بأن ارتباطات الماجد الإيرانية عميقة ووثيقة، والتحقيقات الدولية تؤكد تلقيه تدريبًا مكثفًا في معسكرات الحرس الثوري على الأراضي الإيرانية، وبالتالي من المستحيل أن تكون للماجد أية صلة بالسعودية، أو للسعودية أية صلة بوفاة الماجد".
يضيف: "وكان الماجد مكلفًا من إيران في السنوات الماضية بتنفيذ عمليات أمنية معقدة، تستهدف أمن السعوديّة والخليج، ثم انتقل لاحقًا إلى لبنان". ويتابع المصدر: "اتهم حزب الله الماجد بتفجيرات الضاحية، وكلنا نعلم أن هذه التفجيرات لا تفيد إلا حزب الله في تورّطه في سوريا، تخدمه في رصّ صفوف مناصريه وتجنيد المزيد منهم للقتال هناك، أكثر مما تفيد الثوار السوريين، الذين استبعد أن يكونوا المسؤولين عن قتل المدنيين اللبنانيين بالسيارات المفخخة".
ملف فتح الإسلام
لا يرد المصدر المقرب من قوى 8 آذار على هذا الاتهام، لكنه يتناول المسألة من زاوية أخرى. يقول لـ"إيلاف": "تؤكد التحقيقات أن الماجد كان يموّل عمليات فتح الإسلام، وبايع أبو محمد الجولاني، أمير جبهة النصرة، ووثق علاقاته بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهذا ما يؤيد اتهام حزب الله للسعودية بتفجير السفارة الإيرانية، وقتل الوزير السابق محمد شطح، ففتح الإسلام مذكورة في أكثر من مكان في محاضر التحقيق الأولية بمقتل شطح، والمصلحة السعودية الـ14 آذارية اليوم تقضي بموته سريعًا".
في السياق نفسه، كتبت صحيفة "الأخبار"، شبه الناطقة بلسان حزب الله، اليوم صباحًا، قبل ساعات من إعلان وفاة الماجد: "قد تحتاج المؤسسة العسكرية إلى وقت لاتخاذ الإجراءات المناسبة لتأمين مكان توقيفه، وإبقائه بعيدًا عن أعين وأيدي من لا يريدونه في السجن حيًا... أو يريدونه ميتًا!". ورد المراقبون هذا الكلام إلى نية في استباق الأحداث واستثمار الحدث، متى حدث، في الهجوم على السعودية، بعد تقديمها 3 مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني.
الجحود يغلب على هذا التوظيف، يرد المرعبي قائلًا لـ"إيلاف": "موضوع المنحة السعودية للجيش اللبناني لا يحتمل التشكيك من الفريق الآخر، وما يعلنه المشككون فرضية غير مقبولة، فما قدمته السعودية كان وما زال مرحّبًا به، وهي مشكورة حققت أحلام اللبنانيين بأن يكون لهم جيش وطني مجهز للدفاع عن السيادة الوطنية، لكنا لمسنا استهدافًا لتلك المكرمة من قبل الفريق الآخر بطرق عدة، وبأعذار آخرها كان اليوم بزجّ اسم الماجد في الموضوع، من دون أي رابط منطقي بالحد الأدنى". يضيف المرعبي: "صار الجحود سمة الفريق الآخر".
ويرى المرعبي أن الموضوع يتعلق بالقاعدة، وليس غيرها، "فهي لن توقف عملياتها في لبنان بموت الماجد، والنظام الفارسي هو أكثر من ساهم في تغذية القاعدة".
يختم المرعبي قائلًا: "لا أحد يدَّعي اليوم معرفة كل تفاصيل قضية الماجد، ونستغرب كيف أن يخوض بعض الأشخاص في تفاصيل تحليلية وكأنهم يعرفون، وهم لا يعرفون، فكل الاحتمالات واردة، والغموض يلفّ القضية، حتى تكشف القوى الأمنية كل ما لديها من معلومات".