بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأحبّة الكرام
الاختلاف واقع لا محالة، وتلك سنة من سنن الله في خلقه، وبطولتنا ألا نجعله خلافاً، وأن نجعل منه اختلاف قوة وتنوع وثراء، لا اختلاف تضاد وشقاق، ومن أجل ذلك لا بد من التزام آداب الاختلاف، وهذه بعضها
أولاً - تثبت من قول المخالف، فلا تقبل قولاً عنه بالنقل، بل ينبغي أن تستمع منه مباشرة، فلا بد من أن تتأكد أن هذه الفكرة سمعتها من المخالف بنفسك، أو تيقنت من أنها منسوبة إليه.
والله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾
ثانياً - تحديد محل الاختلاف، فقد يبدأ المتحاورون وموضوع الاختلاف ليس واضحاً عند الطرفين، وقد يكونا متفقين دون أن يشعرا، فلابد من تحديد موضوع الاختلاف، وتحديد المشكلة هو أول طريق لحلها.
ثالثاً - لا تتهم النيّات، مهما كان مخالفك مجانباً للحق في نظرك، فإياك أن تتهم نيته، وافترض فيه الرغبة في الوصول إلى الحق وناظره على هذا الأساس، وكن سليم الصدر نحوه، لاشك أن هذا سيعينك على إيصاله إلى الحق إذا كان الحق في جانبك
أما إذا افترضت فيه سوء النية وقبح المقصد، فإن نقاشك معه سيأخذ منحى آخر وهو إرادة كشفه وإحراجه، وإخراج ما تظنه أنه خبيئة عنده، وقد يبادلك مثل هذا الشعور فينقلب النقاش عداوة والرغبة في الوصول إلى الحق رغبة في تحطيم المخالف وبيان ضلاله وانحرافه.
رابعاً - أخلص النية لله، واجعل نيتك في المناظرة هي الوصول إلى الحق وإرضاء الله سبحانه وتعالى، وكشف الغموض عن مسألة يختلف فيها المسلمون، ورأب صدع بينهم وجمع كلمتهم وإصلاح ذات بينهم، هذه نية المؤمن، ليست التشفي ولا التجني ولا التحطيم، لكن نيته إحقاق الحق، إن كانت النية كذلك فالمناظر يثاب على ما يبذله من جهد بهذا الموضوع
خامساً - ادخل إلى المناظرة وفي نيتك أن تتبع الحق إن كان مع خصمك، ومناظرك، هذه بطولة، فلو وجدتُ أن الحق مع من يناظرني لاتبعته، وهذه موضوعية، وهذا إخلاص لله عز وجل.
سادساً - اتهم رأيك، ولا تطمئن إلى أفكارك اطمئناناً قطعياً، اتهم رأيك، قل أنا على حق وقد أكون مخطئاً، وهذه بطولة في المؤمن، وينبغي أن تقبل الحق من المخالف وإن قبول الحق منه حق وفضيلة
لماذا حجب الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم في معركة بدر الموقع المناسب ؟ حجبه عنه وحياً واجتهاداً وإلهاماً، إلى أن جاء صحابي يذوب محبة لرسول الله وأدباً معه قال: يا رسول الله أهذا الموقع وحي أوحاه الله إليك أم هو الرأي والمشورة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام ببساطة المخلص بل هو الرأي والمشورة قال: يا رسول الله ليس بموقع، فما كان من النبي إلى أن شكره وأثنى عليه وأمر أصحابه أن يتحولوا إلى الموقع المناسب. وعلمنا النبي عليه الصلاة والسلام كيف نرجع عن الخطأ وكيف نرجع إلى الحق، وكيف ننصاع إلى المشورة.