January.04.2014
هل العنف فى الأنبار الطلقة الأولي فى معركة الإستقلال الإقليمي التي ستجتاح العراق؟
استدعى قرار المالكي بتفكيك معسكر المتظاهرين ردة فعل شديدة من قبل مقاتلي تنظيم "دولة العراق والشام الإسلامية"
مارينا أوتاوي - كبيرة الباحثين في مركز ودرو ويلسون
الهجمات التي استهدفت مركز الشرطة الرئيسي فى مدينة الفالوجة الأربعاء والإستيلاء على مراكز أخرى للشرطة فى الرمادي يوم الخميس هي من تجليات العنف الطائفي المتصاعد بين السنة والشيعة الذي يدمي العراق والذي بلغ أوجه فى عامي 2006 و2007.
غير أن العنف يترجم أيضا شعورا عاما بالقلق يجتاح غالبية أقاليم العراق بما فيها الأقاليم ذات الأغلبية الشيعية. فالكل مستاء من مساعي رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يرمي إلي تدعيم مركزية الحكم ومن ثم إحكام قبضته السياسية.
يأتي هذا في الوقت الذي تسعي فيه نحو ثلث محافظات العراق إلي تحقيق درجة من الإستقلالية تلك التي حصل عليها إقليم كردستان.
وقد بدأت المواجهات في الأنبار علي إثر قرار اتخذه المالكي فى 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي يقضي بفض اعتصام في مدينة الرمادي يقيم فيه المتظاهرون منذ أكثر من عام.
وكان محتجون من العرب السنة أقاموا مخيم الاعتصام العام الماضي للاعتراض على ما يقولون إنه تهميش الحكومة ذات القيادة الشيعية لهم.
ودأبت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي على نفي الاتهام.
ولم يكن لهذا المعسكر ارتباطا بتنظيم القاعدة إلا أن قرار المالكي استدعى ردة فعل شديدة من قبل مقاتلي تنظيم "دولة العراق والشام الإسلامية" التابع للقاعده.
"منافسة على السيطره"
التقارير الواردة حاليا من الأنبار غير واضحة ولكنها تشير إلي سيطرة "دولة العراق والشام الإسلامية" على أجزاء من الفالوجه والرمادي فى حين تسيطر بعض الميليشيات القبلية على مناطق أخرى.
وكانت المواجهة تنضج على نار هادئة منذ فترة طويلة.
فبعد انسحاب القوات الأمريكية أعادت التنظيمات القريبة من القاعدة تنظيم صفوفها وازدادت الهجمات الأرهبية بالتوازي وصولا الى العاصمة بغداد.
وازدادت هجمات التنظيمات السنية بالأكثر مع بداية الحرب في سوريا. فقد فرضت جبهة النصرة فى سوريا و "دولة العراق والشام الإسلامية" فى العراق نفسيهما كاثنتين من أهم القوى المسلحة المناهضة لبشار الأسد. وتتنافس القوتان فيما بينهما علي السيطرة.
وقد وجدت التنظيمات المتطرفة فى العراق أرضا خصبة حيث تساهم سياسات المالكي فى استعداء الشعب السني.
ومن الصعوبة بمكان إرضاء سنة العراق أيا كانت الحكومة. فالسنة يعتبرون أنفسهم أهل البلد الحقيقيين ولديهم مشكلة في استيعاب حقيقة أنهم أقلية عددية.
ولكن المالكي زاد الوضع سوءا حينما سمح بحملة التطهير السياسي وشجعها بحجة تصفية حزب البعث. كما لم يتبع المالكي السياسة التي تبنتها الولايات المتحدة والتي سمحت لها بالعمل جنبا إلي جنب مع زعماء القبائل وميليشياتها (الملقبين بأبناء العراق) بهدف عزل تنظيم القاعدة.
ونهج المالكي على استبعاد الزعماء السياسيين من السنة أمثال نائب رئيس الوزراء السابق طارق الهاشمي ووزير المالية السابق رافع العيساوي. ويعتبر القبض الأسبوع الماضي على النائب السني أحمد العلواني، والذي كان وسيطا فى المفاوضات بين الحكومة والمتظاهرين، هو المثال الأقرب علي تلك السياسة.
"صراع علي الموازنة"
ولا يبدو أن المالكي يستطيع استعادة السيطرة فى الأنبار باستخدام القوة وحسب.
فلا هو يمتلك من القوة العسكرية ما مكن الولايات المتحدة من احتواء الموقف عام 2008، ولا هو يظهر من المرونة السياسية ما يكفي لإبرام الصفقات مع زعماء وميليشيات القبائل كما فعلت الولايات المتحدة.
ولكنه سيكون ملزما في النهاية بالعثور علي حل سياسي، ليس فقط لمشكلة الأنبار ولكن أيضا للكثير من المحافظات التي تعاني من شظف العيش.
فمنذ عام 2009 تنتخب الأقاليم العراقية أعضاء مجالسها المحلية ومحافظيها إلا أنها لا تتمتع فعليا بقدر يعتد به من الإستقلالية.
وبالرغم من الحق الذي يمنحه الدستورلكل إقليم فى حصة من الدخل القومي يتناسب مع تعداده السكاني، فإن الجزء الأكبر من الأموال يتم توجيهها عبر الوزارات المختلفة من بغداد.
وأما الأموال التي يجب أن يتم صرفها علي المستوى المحلي فهي تبقى في بغداد حتى تطالب بها الأقاليم.
"معركة فاصلة"
ويكون غضب المجالس المحلية هو النتيجة الطبيعية لتلك السياسات ولكنه ليس النتيجة الوحيدة. فالنتيجة الأخرى هي إلإنتقاص من ميزانية معظم الأقاليم. وإذا ما أضيف إلي ذلك انعدام الأمن، فالمحصلة النهائية هي تراجع عملية إعادة البناء بالرغم من زيادة عائدات البترول.
وشرعت ستة مجالس محلية علي الأقل في التحول لإقليم يتمتع بالحكم الذاتي على غرار كردستان.
ويسمح الدستور بمثل هذا التحول ولكن بغداد تصدت لكل تلك المحاولات حتي الآن. غير أنه من المرجح ألا يكون بمقدور بغداد أن تستمر في ذلك مستقبلا.
وستكون الإنتخابات التشريعية المقررة فى إبريل/نيسان بمثابة معركة فاصلة بين المؤيدين لسياسة المالكي المركزية والأعداد المتزايدة من العراقيين -السنة والشيعة علي السواء- الذين يرون فى كردستان نموذجا يحتذي به.
وهكذا يمكننا القول أن المعركة الدائرة فى الأنبار تتخطى في دلالتها المواجهات المذهبية بين الحكومة الشيعية والسكان السنة كما تتخطى الصراع بين تنظيم القاعدة والجيش والشرطة العراقية.
فهي بالأحرى الطلقة الأولي فى معركة الإستقلال الإقليمي التي ستجتاح العراق بكامله.