تلك الليلة، لم يأت صوتك. أعترف: سمعت الهاتف يرنّ
مرتين، ثم اكتشفت أنني كنت أحلم!
إذاً استطعت أن تجرّني إلى مغاور الهذيان، لأحلم برنين ماكينة
أكرهها.
حين أيقظني صوتك عند الفجر، كنت ثمرة أنهكتها العاصفة المكهربة
الليلية.
لماذا تأخرت؟
تؤكد: لأنني خفت كخوف الشاعر القائل "قلبي يحدثني بأنَكَ
مُتلفي / روحي فداك عرفت أم لم تعرفِ"
صدّقتُ كذبتك لأنها جميلة ولأنني سمعتها بصوتك!
***
آه صوتك،
كيف يمكن لفرحة أن تدوم طويلاً هكذا على مدى موتين داخل
مكالمة هاتفية واحدة؟
آه صوتك،
النوافذ الموصدة صارت أفقاً بحرياً.
النوارس تطير من منفضة السجائر،
جلد الجدران يتنهد ويرتجف ويتعرّق.
آه صوتك،
بين ذاكرة وأخرى. شجار وآخر.
صوتك رائحة الحقول بعد المطر.
ثلج اعتلى شعري وأصابع دافئة تطارده.
ضحكات في المقهى، ابتسامات تبغيّة. بائعة أزهار عجوز تلاحقنا
فنشتري كل ما معها، ونرميه وردة وردة على صفحة نهر السين.
***
آه صوتك،
رحيل إلى نجوم سريّة تقطن قاع البحر ولم يكتشفها أحد بعد في
مضارب الموج قرب المرجان.
صوتك أكوان فرح منسية.
مدارات ملوّنة رسمها طفل في دفتره ونسِينا داخلها سجينين في أقمار
اصطناعية.
كيف الدخول إلى صوتك؟
كيف السبيل إلى دورتك الدموية؟
وبأية كلمة سحرية؟
آه صوتك،
ما أجمل اغتيال الصمت
بصمت آخر له صوت!
_________
غادة السمان
10/1/1994
[MP3="http://www.dorar-aliraq.net/ext/uploader/fileup/1310668819.mp3"][/MP3]