بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم اجمعين



السؤال :
ما حکم اللطم علی الامام الحسین علیه السلام ؟




§ الجواب :
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

(الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة).

اكد النبي (صلى الله عليه وآله) بأن ولده وريحانته الحسين (عليه السلام) مصباح ينير طريق الهداية ويخرج الناس من ظلمات الضلال والانحراف على مرّ الدهور ، وفي هذا الكلام دلالة واضحة على حثّ المؤمنين وترغيبهم في إقامة الشعائر الحسينية والاهتمام بمراسم عزاء الحسين (عليه السلام) بجميع انحائها وصورها من اقامة المآتم ومجالس البكاء والنياحة والاشتراك في المواكب الحسينية واللطم والزنجيل فإن هذه المراسم مدارس تربوية وتعليميّة للأجيال يهتدي فيها المؤمنين ويتعلمون المعارف الالهية ويتلقون فيها دروس التضحية والتفاني في سبيل الله ويظهرون الحب والمودة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الذين أمر الله تعالى بمودتهم حيث قال تعالى:
( قل لااسألكم عليه اجراً الاالمودة في القربى) وليست المودة مجرد الحب القلبي بل هي اظهار الحب والولاء بأن يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم ويجزع لمصابهم وإليك نماذج من الروايات الواردة في اظهار الحزن لمصيبة الحسين (عليهم السلام) .

قد ورد أن الانبياء كانوا يبكون لمصيبة الحسين (عليه السلام) ويجزعون وينوحون عليه وكذلك الملائكة والجن والانس فراجع مقدمة كتاب نفس المهموم للشيخ عباس القمي


إمام بكته الانس والجن والسما
وطير الفلا والوحش والبر والبحر



وقد روى العامة والخاصة أن النبي (صلى الله عليه وآله) بكى مراراً وأظهر الجزع والفزع لمصيبة ولده الحسين (عليه السلام) وقد أودع تربة كربلاء عند ام سلمة وقال لها :
متى رأيت أن هذه التربة صارت بلون الدم فاعلمي أن الحسين قد قتل ولما رأت أم سلمة ذلك صرخت وبكت وناحت على الحسين (عليه السلام) قبل أن يأتي الى المدينة نبأ شهادته .

وروى ابن حجر في الصواعق المحرقة ( الفصل الثالث الباب 11 ) أن علياً مرّ بأرض الطف فقال هيهنا مناخ ركابهم وهيهنا محل رحالهم وهيهنا مسفك دمائهم يقتل هنا رجال من آل محمد تبكي لهم السماوات والارض.

وروى في البحار وكامل الزيارة عن ابي عبد الله (عليه السلام) :
بكى علي بن الحسين على ابيه حسين بن علي صلوات الله عليهما عشرين سنة اواربعين سنة وما وضع بين يديه طعاماً إلابكى على الحسين حتى قال له مولى له :
جعلت فداك يا ابن رسول الله إني اخاف عليك أن تكون من الهالكين قال انما اشكوحزني وبثّي الى الله اعلم من الله ما لا تعلمون اني لم اذكر مصرع بني فاطمة الا وخنقتني العبرة لذلك .

( البحار ج79 ص87) .

وفي كامل الزيارة عن الامام علي بن الحسين يصف حالته حينما مرّوا به على مصرع الشهداء قال :
فيعظم ذلك في صدري - واشتدّ لما ارى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج وتبينت ذلك عمتي زينب الكبرى بنت علي (عليها السلام) فقالت:
مالي اراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي واخوتي
( الخ .. )
(البحار ج28 ص57 ).

وفي زيارة الناحية المقدسة التي رواها الشيخ المفيد في كتاب المزار ( ولابكينّك بدل الدموع دماً حسرة عليك وتاسفاً على ما دهاك حتى اموت بلوعة المصاب وغصة الاكتئاب ).

وفيها أيضاً :
( تلطم عليك الحور العين وتبكيك السماء وسكانها )
وفيها أيضاً :
( فلما رأينّ النساء جوادك مخزياً والسرج عليه ملوياً خرجنّ من الخدور ناشرات الشعور على الخدود لاطمات وبالعويل داعيات ).

روى السيد ابن طاووس في الملهوف ص 51
( فلطمت زينب عليها السلام على وجهها وصاحت ، فقال الحسين (عليه السلام):
مهلاً لا تشمتي القوم بنا ).

وروى في البحار (ع) ج44 وكذا روى الصدوق في الامالي عن الامام الرضا (ع) قال: (ان يوم الحسين اقرح جفوننا واسبل دموعنا ) .

وروي أن السيدة زينب قد ضربت جبينها بمقدّم المحمل حتى سال الدم من تحت قناعها .
( البحار ج45 ص115 ).

كما روي أن السبايا حينما وصلت الى الكوفة وخطب الامام السجاد (عليه السلام) وفاطمة بنت الحسين وام كلثوم بنت علي (عليهم السلام) بكى الناس اما النساء فقد خمشنّ وجوههنّ ولطمنّ خدودهنّ.
(اللهوف ص8 ) .

وحين رجوع السبايا الى المدينة (ما بقيت مخدّرة إلا برزنّ من خدورهنّ مخمّشة وجوههنّ لاطمات خدودهنّ) .
(اللهوف ص114).




وروى الشيخ الطوسي في التهذيب عن ابي عبد الله (عيه السلام) في كلام له ولقد شققنّ الجيوب ولطمنّ الخدود الفاطميات على الحسين بن علي وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب ).


وذكر السيد في اللهوف ص 112
انه لمارجع السبايا الى كربلا في طريقهم الى المدينة ( وجدوا جابر بن عبد الله الانصاري وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسول قد وردوا لزيارة قبر الحسين (عليه السلام) فتوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم واقاموا المآتم المقرحة للاكباد واجتمع اليهم نساء ذلك السواد واقاموا على ذلك أياماً).

كان الائمة من أهل البيت عليهم السلام يهتمون باقامة مجالس العزاء لمصيبة الحسين (عليه السلام) خصوصاً في شهر محرم وكان يدخل عليهم الشعراء فيطلبون منهم قراءة الاشعار والابيات التي انشدوها في مرثية الحسين (عليه السلام) والروايات الدالة على ذلك كثيرة منها ما روى عن دعبل بن علي الخزاعي قال:
دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في مثل هذه الايام فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب واصحابه من حوله فلما رآني مقبلا قال لي : مرحبا بك يا دعبل ثم قال لي :
يا دعبل احبّ ان تنشدني شعراً فإنّ هذه ايام حزن كانت علينا اهل البيت وايام سرور كانت على اعدائنا خصوصاً بني امية ( الى ان قال ) ثم انه نهض وضرب ستاراً بيننا وبين حرمه واجلس اهل بيته من وراء الستار ليبكوا على مصاب جدهم الحسين (عليه السلام) ثم التفت اليّ قال:
يا دعبل ارث الحسين فانت ناصرنا ومادحنا مادمت حياً قال دعبل:
فاستعبرت وسالت عبرتي وانشات اقول :

افاطم لوخلت الحسين مجدلاً
وقد مات عطشاناً بشط فرات

اذاً للطمت الخدّ فاطم عنده
واجريت دمع العين في الوجنات

الى آخر الابيات ( البحار ج45 ص257 ).

روى البرقي انه لما قتل الحسين بن علي (عليه السلام) لبس نساء بني هاشم السواد وكنّ لايشتكينّ من حرّ ولا برد وكان علي بن الحسين (عليه السلام) يعمل لهنّ الطعام للماتم .

(المحاسن ص420 ).

وروي عن الصادق (عليه السلام) قال :
ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ولا رؤي في دار هاشمي دخان خمس حجج حتى قتل عبيد الله بن زياد لعنه الله تعالى .

( البحار ج45 ص387).

روى ابن الاثيرفي الكامل 4/88 قال:
( وكان مع الحسين (عليه السلام) امرأته الرباب بنت امرء القيس وهي ام ابنته سكينة وحملت الى الشام فيمن حمل من أهله ثم عادت الى المدينة فخطبها الاشراف من قريش فقالت :
ما كنت لاتّخذ حمواً بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبقيت بعده سنة لم يظلّها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً و قيل انها اقامت على قبره سنة وعادت الى المدينة فماتت اسفاً عليه .

لقد كان الامام السجاد عليه السلام يراها على هذه الحالة وهي تلقي بنفسها الى التهلكة حزناً على الحسين (عليه السلام) فلم يمنعها ولم ينهها بل أقرها على ذلك .

حكي ان يزيد عليه لعائن الله أمر أن يصلب الرأس على باب داره وأمر بأهل بيت الحسين (عليه السلام) أن يدخلوا داره فلما دخلت النسوة دار يزيد لم يبق من آل معاوية ولا آل ابي سفيان أحد الا استقبلهنّ بالبكاء والصراخ والنياحة على الحسين (عليه السلام) والقينّ ما عليهنّ من الثياب والحليّ واقمنّ المآتم عليه ثلاثة أيام ، وقيل انه اخليت لهنّ الحجر والبيوت في دمشق ولم تبق هاشمية ولاقرشية الاّ ولبست السواد على الحسين (عليه السلام) وندبوه على ما نقل سبعة ايام.

فاذا كانت الاعداء تبكي للحسين (عليه السلام) وتظهر الجزع والفزع لمصابه وتلبس السواد حزناً عليه فكيف بالمؤمن الشيعي الموالي لأهل البيت (عليهم السلام)؟

فلومات جزعاً على الحسين (عليه السلام) لم يكن ملوماً بل يستفاد من هذه الروايات وغيرها أنّ كلما يصدر من الموالين لاهل البيت (عليه السلام) من أنواع الشعائر الحسينية كاقامة المآتم والبكاء والجزع واللطم وغيره ولبس السواد والنياحة على
الحسين (عليه السلام)